#صحة
سارة سمير 18 يونيو 2024
«مقاومة الأنسولين» حالة مرضية لها تأثير كبير في صحتنا. وعادة يتم تجاهلها، نظراً لطبيعتها الصامتة، فهي تقع في قلب العديد من المشكلات الصحية، بما في ذلك: متلازمة التمثيل الغذائي، ومرض السكري من النوع الثاني، وأمراض القلب والأوعية الدموية.
وفي الأغلب، تصاب نساء كثيرات بهذا المرض، خاصة خلال السنوات القليلة الماضية، فلماذا أصبح «مقاومة الأنسولين» مرض العصر بين النساء، وما أعراضه، وما التدابير الوقائية اللازمة له؟
ما مقاومة الأنسولين؟
مقاومة الأنسولين حالة صحية معقدة، حيث تصبح خلايا الجسم مقاومة لتأثيرات الأنسولين، وهو الهرمون الذي يعمل على تنظيم حركة السكر (الجلوكوز) إلى الخلايا؛ لاستخدامه في الطاقة.
في الجسم، الذي يعمل بشكل طبيعي، يضمن الأنسولين توزيعاً متوازناً للجلوكوز، ما يسهل امتصاصه في الخلايا، ومع ذلك في حالة مقاومة الأنسولين، على الرغم من وجود مستويات كافية أو حتى عالية من الأنسولين بالجسم، تفشل الخلايا في الاستجابة بشكل فعال، ما يؤدي إلى تراكم الجلوكوز في مجرى الدم. وهذا بدوره يحفز البنكرياس على إنتاج المزيد من الأنسولين، في محاولة لتعويض الاستجابة غير الفعالة، ما يؤدي إلى ارتفاع مستويات الأنسولين، وهي حالة تعرف باسم «فرط أنسولين الدم».
لماذا تصاب النساء بـ«مقاومة الأنسولين» أكثر من الرجال؟
من المثير للاهتمام أن الأبحاث أظهرت أن النساء لديهن معدل انتشار أعلى لمقاومة الأنسولين مقارنة بالرجال، ويرجع ذلك إلى أسباب عدة، أبرزها:
أولاً: تؤثر الاختلافات البيولوجية كثيراً في هذا الأمر، حيث يختلف النساء والرجال بشكل ملحوظ، ليس فقط من حيث مظهرهم الجسدي، ولكن أيضاً في وظائفهم البيولوجية والفسيولوجية، وتمتد هذه الاختلافات إلى الطريقة التي تستجيب بها أجسامهم للأنسولين. وأحد الأسباب الرئيسية لزيادة «مقاومة الأنسولين» لدى النساء هو الاختلاف في توزيع الدهون، إذ تميل النساء إلى تخزين الدهون تحت الجلد مباشرة، بينما يميل الرجال إلى تخزينها حشوياً، أي في تجويف البطن، بالقرب من الأعضاء الحيوية، وتعتبر الدهون تحت الجلد أكثر مقاومة للأنسولين من الدهون الحشوية، ما قد يوفر تفسيراً معقولاً لارتفاع «مقاومة الأنسولين» لدى النساء. كما يمكن أن يعزى الاختلاف في توزيع الدهون بين الرجال والنساء إلى استراتيجيات البقاء التطورية، فقد تحتاج النساء، بصفتهن من يحملن الأطفال، إلى تخزين الطاقة بكفاءة من أجل الحمل والرضاعة، ما يؤدي إلى ارتفاع نسبة الدهون في الجسم ونمط توزيع مختلف.
ثانياً: تلعب التأثيرات الهرمونية، الناقلات الكيميائية للجسم، دوراً كبيراً في إصابة النساء بمقاومة الأنسولين أكثر من الرجال، إذ يؤثر الهرمون الأنثوي (الإستروجين)، على وجه الخصوص، في حساسية الأنسولين. وخلال الدورة الشهرية، تتقلب حساسية الأنسولين مع التغيرات الهرمونية، ما يؤدي إلى زيادة مقاومة الأنسولين في بعض مراحل الدورة.
علاوة على ذلك، خلال فترة انقطاع الطمث، وهي فترة تتميز بانخفاض حادّ في مستويات هرمون الإستروجين، تصبح النساء أكثر عرضة لمقاومة الأنسولين، وقد يكون هذا التغير بسبب فقدان التأثيرات الوقائية للإستروجين في حساسية الأنسولين.
بالإضافة إلى ذلك، لعوامل نمط الحياة، بما في ذلك: النظام الغذائي، والنشاط البدني، تأثير كبير في الاختلاف بين الجنسين في «مقاومة الأنسولين»، ومن المرجح أن تنخرط النساء في اتباع نظام غذائي، ما قد يؤدي إلى تأثير «اليويو» في الوزن، كما يمكن أن تؤدي زيادة الوزن، وفقدانه المتكرر، المعروف باسم «دورة الوزن»، إلى زيادة مقاومة الأنسولين بمرور الوقت.
وتميل النساء إلى أن تكون لديهن كتلة عضلية أقل من الرجال، ما قد يقلل حساسية الأنسولين، حيث إن العضلات هي الموقع الرئيسي للتخلص من الجلوكوز بواسطة الأنسولين، وتعتبر العضلات ضرورية لامتصاص الجلوكوز، والتمثيل الغذائي، لذا فإن انخفاض كتلة العضلات قد يؤدي إلى ارتفاع مستويات الجلوكوز في الدم، وزيادة مقاومة الأنسولين.
أعراض «مقاومة الأنسولين» عند النساء:
تعتبر «مقاومة الأنسولين» مشكلة صحية كبيرة تواجهها العديدات من النساء، ويحدث ذلك عندما تصبح خلايا الجسم مقاومة لتأثيرات الأنسولين، وهو الهرمون الذي ينظم عملية التمثيل الغذائي للكربوهيدرات والدهون والبروتينات، ويمكن أن تؤدي هذه المقاومة إلى مجموعة متنوعة من الأعراض، التي غالباً يتم تجاهلها أو تشخيصها بشكل خاطئ، ومنها:
1. الجوع المفرط:
واحدة من العلامات الأولى لمقاومة الأنسولين، هي الجوع المفرط، لأن مقاومة الأنسولين تمنع الجلوكوز من دخول الخلايا، ما يجعل الجسم يشعر وكأنه يحتاج إلى المزيد من الوقود، على الرغم من استهلاك كمية كبيرة من الطعام، والمرأة التي تعاني «مقاومة الأنسولين»، قد تظل تشعر بالجوع طوال الوقت.
2. التعب:
من الأعراض الشائعة الأخرى التعب، فعندما لا تستطيع الخلايا امتصاص الجلوكوز، لا تستطيع إنتاج الطاقة اللازمة للأنشطة اليومية، ونتيجة لذلك تشعر النساء المصابات بمقاومة الأنسولين بالتعب والإرهاق، حتى بعد النوم الجيد ليلاً.
3. زيادة الوزن:
زيادة الوزن غير المتوقعة، خاصة حول البطن، من أعراض «مقاومة الأنسولين»، لأن الجسم يبدأ تخزين الجلوكوز الزائد على شكل دهون، وعلى الرغم من الجهود المبذولة لممارسة الرياضة، والحفاظ على نظام غذائي صحي، فإن النساء اللاتي يعانين «مقاومة الأنسولين» قد يواصلن زيادة الوزن.
4. صعوبة التركيز:
تعتبر صعوبة التركيز، أو ضباب الدماغ، من الأعراض الشائعة الأخرى، ويرجع ذلك إلى نقص الجلوكوز في الدماغ، الذي يحتاج إلى السكر؛ ليعمل على النحو الأمثل.
5. مشاكل البشرة:
تعد مشاكل الجلد، مثل: البقع الداكنة على الرقبة والفخذين وتحت الذراعين شائعة لدى النساء المصابات بمقاومة الأنسولين، وهذه البقع الداكنة، المعروفة باسم «الشواك الأسود»، علامة على ارتفاع مستويات الأنسولين.
6. متلازمة المبيض المتعدد الكيسات (PCOS):
عادة، ترتبط «مقاومة الأنسولين» بمتلازمة المبيض المتعدد الكيسات (PCOS)، وهذه الحالة التي تتميز بعدم انتظام الدورة الشهرية وتكيسات المبيض، تؤدي أيضاً إلى العقم عند النساء.
7. ضغط الدم المرتفع:
يعتبر ارتفاع ضغط الدم أيضاً أحد أعراض مقاومة الأنسولين، حيث إن ارتفاع مستويات الأنسولين يتسبب في احتفاظ الجسم بالصوديوم والسوائل، ما يؤدي إلى زيادة ضغط الدم.
8. كثرة التبول والعطش:
يشير العطش المفرط، والتبول المتكرر، إلى مقاومة الأنسولين، وعندما يحاول الجسم التخلص من الجلوكوز الزائد عن طريق البول، يؤدي ذلك إلى الجفاف، وبالتالي العطش.
9. الاكتئاب والقلق:
تم ربط الاكتئاب والقلق بمقاومة الأنسولين، والعلاقة الدقيقة ليست مفهومة تماماً، لكن الاختلالات الهرمونية والأضرار الجسدية للأعراض الأخرى، تساهم في اضطرابات المزاج.
التدابير الوقائية ضد «مقاومة الأنسولين»:
مع مرور الوقت، تؤدي «مقاومة الأنسولين» إلى الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، وأمراض القلب، لكن لحسن الحظ يمكن الوقاية من «مقاومة الأنسولين» إلى حد كبير، فخيارات نمط الحياة الصحي تُحدث فرقاً كبيراً، لذا إليكِ طرقاً لاتخاذ تدابير وقائية ضد «مقاومة الأنسولين».
النشاط البدني المنتظم:
النشاط البدني المنتظم وسيلة فعالة لمنع «مقاومة الأنسولين»، وتزيد التمارين الرياضية حساسية الجسم للأنسولين، ما يسمح له باستخدام الجلوكوز بشكل أكثر فاعلية، ويُنصح بممارسة ما لا يقل عن 150 دقيقة من النشاط البدني المعتدل الشدة، أو 75 دقيقة من النشاط البدني العالي الشدة أسبوعيًا، إلى جانب أنشطة تقوية العضلات.
الأكل الصحي:
تناول نظام غذائي متوازن أمر بالغ الأهمية في منع «مقاومة الأنسولين»، فالأطعمة التي تحتوي على نسبة عالية من الألياف، مثل: الفواكه والخضروات والحبوب الكاملة، تساعد على تنظيم مستويات السكر في الدم، كما أن تجنب الأطعمة والمشروبات المصنعة، التي تحتوي على نسبة عالية من السكر، تحافظ على استقرار مستويات السكر في الدم.
إدارة الوزن:
يعد الحفاظ على وزن صحي عاملاً رئيسياً آخر في منع «مقاومة الأنسولين»، والوزن الزائد خاصة حول البطن، يجعل خلايا الجسم أكثر مقاومة لتأثيرات الأنسولين، لذلك فإن ممارسة التمارين الرياضية بانتظام، واتباع نظام غذائي صحي، يساعدان في إدارة الوزن.
الفحوص الدورية:
تساعد الفحوص الطبية المنتظمة في اكتشاف «مقاومة الأنسولين» مبكراً، ما يسمح باتخاذ التدابير الوقائية قبل تطور الحالة، ويمكن للأطباء إجراء اختبارات للتحقق من مستويات السكر في الدم، وتقديم المشورة بشأن تعديلات نمط الحياة.
إدارة الإجهاد:
يمكن لإدارة التوتر بشكل فعال أن تساهم في منع «مقاومة الأنسولين»، كما يمكن أن يؤثر التوتر المزمن في حساسية الجسم للأنسولين، لذا يمكن أن تساعد أنشطة، مثل: اليوغا، أو التأمل، أو تقنيات الاسترخاء الأخرى في التحكم بمستويات التوتر.