#سياحة وسفر
ضحى السعفي 18 فبراير 2024
جزيرة جربة، أو جزيرة الأحلام، كما تحلو لسكان تونس تسميتها؛ نظراً لطبيعتها الخلابة، والجمال الذي تحظى به، وهي، أيضاً، جزيرة التسامح، حيث حافظ أهلها على سمة التعايش، في ظل تنوّع الدين والعرق. وقد أدرجت الجزيرة، مؤخراً، على لائحة التراث العالمي لمنظمة «اليونسكو»، خلال الدورة الـ45 الموسعة للجنة التراث العالمي، التي انعقدت في شهر سبتمبر الماضي بالمملكة العربية السعودية، وبهذا تضاف جزيرة جربة إلى قائمة المواقع التونسية المصنفة تراثاً عالمياً، وهي: المدرج الروماني، والموقع الأثري بقرطاج، ومدينة تونس العتيقة، وسوسة، والقيروان، وكركوان البونية، وموقع دقة الأثري، كآخر موقع تونسي تم تسجيله عام 1997.
تقع جزيرة جِرْبَة جنوب شرق تونس، حيث تعانق مياه البحر شواطئها الرملية الذهبية، وتتميز بغطاء نباتي مميز من أشجار الزيتون المثمرة، والنخيل الباسق. وتحظى الجزيرة بأهمية كبيرة في السياحة المحلية، حيث يصل عدد زوارها سنوياً إلى مليون سائح، معظمهم يتوافدون من أوروبا. وحافظت الجزيرة على معمارها البسيط الفريد، رغم تطور الحياة الحضارية؛ لتكون بذلك واجهة سياحية فريدة.
إلى جانب شواطئها الذهبية وتربتها الرملية، تميّزت جزيرة جربة، أيضاً، بهندسة معمارية فريدة، زاوجت بين الأصالة والحداثة؛ لتعكس بذلك فلسفة حياة تكوّنت على مرّ العصور، فما يميّز الجزيرة هو التركيبة المعمارية التقليدية، التي تقوم على ما يطلق عليه اسم «الحوش»، وهو عبارة عن منزل، تمّ طلاء أرضه بالكلس، وبه غرف عدة، لا يمكن أن يتجاوز عرضها المترين ونصف المتر، وبها فتحات تهوية يجمعها فناء واحد، ذو نوافذ منخفضة، تحمي الغُرف من الحرارة والضوء، وتحيط به أشجار النخيل والزيتون، وتتسور المنازل بأسوار قصيرة نسبياً، يغلب عليها اللون الأبيض.
قلاع تاريخية
يوجد، أيضاً، بالجزيرة عدد من القلاع التاريخية والمتاحف، أبرزها مجموعة من الأبراج، بنيت في فترات متباعدة؛ للدفاع عن الجزيرة، أشهرها: برج الغازي مصطفى (البرج الكبير)، وهو من أبرز المعالم التاريخية بها، ويعود بناؤه إلى القرن الخامس عشر الميلادي، حيث شيّد بأمر من السلطان الحفصي أبو فارس عبدالعزيز المتوكل، الذي انتقل سنة 1432م إلى جزيرة جربة؛ لردّ الحملة الإسبانية، التي كان يقودها الملك الأرغوني ألفونس الخامس. وكذلك متحف قلالة، وهو عبارة عن مركّب ثقافيّ ضخم على مستوى تونس، متعدّد الاختصاصات والأنشطة، ويهتمّ بالفنون التقليدية، وإبداعات الصناعات اليدوية القديمة، والعادات الشعبية، والكنوز التراثية الأخرى بمختلف أنواعها وأشكالها.
مساجد تحت الأرض
وبقدر ما تُعرف الجزيرة بمنازلها التقليدية الضاربة في التاريخ، تُعرف كذلك بمساجدها العامرة؛ لاحتوائها على قرابة الـ300 مسجد، ويعد معمار المساجد في جربة فريداً من نوعه، سواء على مستوى فن العمارة، أو من ناحية الزخارف المعتمدة في تزيينها، حيث تمتاز هذه المساجد بالبساطة، فلا نجد فيها الزخارف المعتادة في بقية المساجد التونسية، ومنها عشرون مسجداً تحت الأرض، تم تشييدها بالحفر والنقش أوائل القرن الثاني عشر الميلادي، موزعة على مختلف مناطق الجزيرة، وهي مثال لتمازج الحضارة البربرية (التي سكنت البلاد منذ القِدَم)، بالحضارة الإسلامية التي طوّرت الجزيرة. وتعبر المساجد المنقورة عن تواصل العادات البربرية، وتمازجها مع مميزات العمارة الإسلامية. وهذه النوعية من المساجد هي الأقدم في جزيرة جربة. وتتدرج هذه المعالم المنقورة كلياً في الصخر، وتعود أصولها المعمارية إلى القصور البربرية المنتشرة في مناطق الجنوب التونسي، ويلاحظ أن بعض تلك المعالم تتطابق مع التخطيط المتداول للمساجد الإسلامية مثل جامع البرداوي. وهناك نوعية ثالثة منقورة جزئياً في الصخر، واعتمدت على مواد البناء المعروفة بالجزيرة.
وتتركز المساجد الناتئة في المواقع العليا؛ فالمساجد الواقعة على شواطئ الجزيرة، على سبيل المثال، تلعب دور نقاط المراقبة والإنذار المبكر في جزيرة مفتوحة على كل الجهات، وأحجام هذه المعالم الدينية غالباً تكون محدودة. أما المساجد الواقعة على السواحل، فتتميز بمتانة البناء، وتوفر تجهيزات دفاعية. وهناك مساجد الأحياء؛ وهي محدودة المساحة، وموجهة - في الأساس - لتلبية الحاجات المباشرة لسكان الحي. كما توجد، كذلك، مساجد معروفة بحلقاتها العلمية؛ لذلك نجد بين مكوناتها غرفاً مخصصة للتدريس، وأخرى لإقامة طلبة العلم.
الرسم على الجدران
تحوّلت قرية الرياض، في جزيرة جربة التونسية، إلى متحف في الهواء الطّلق، بعد أن زُيّنت برسوم 150 فناناً عالمياً. حيث زار الرّسامون القرية، في إطار مشروع «جربة - هود» (Djerbahood)، الذي أطلقه الفنان التونسي - الفرنسي مهدي بن شيخ، بمساعدة غاليري «Itinerrance» الباريسي. بدأت الفكرة عام 2015، ومازالت متواصلة حتى الآن، حيث نجد رسومات على بنايات ومنازل وأحياء بالكامل، فالجزيرة أصبحت مرسماً واسعاً، يستقبل يومياً عشرات الرسامين والفنانين، الذين يعبرون برسوماتهم الإبداعية عن حبهم لهذه الجزيرة الفريدة من نوعها.
حومة السوق
هي من أبرز مدن الجزيرة، وأكبرها مساحة، وتعني «السوق المركزي»، ويشتهر هذا السوق بالحِرَف اليدوية التراثية، والملابس التقليدية، والجواهر الفضية والذهبية، وغيرها من الأعمال اليدوية، التي يقوم بها الحرفيون في الجزيرة. وبفضل مطارها الدولي؛ أصبحت جزيرة جربة أحد أهم المقاصد السياحية في منطقة البحر الأبيض المتوسط، كما أنها تزخر بعدد من الفنادق الفخمة، والبنية السياحية المتطورة. فعلى امتداد نحو أكثر من 15 كيلومتراً، يشاهد المرء المرافق والمنتجعات السياحية، فهناك أكثر من 92 فندقاً متجاوراً، من فئات مختلفة، بالإضافة إلى نادي الغولف، والمنتجعات السياحية، والكازينو السياحي.
بيع السمك بالمزايدة
تجذب أسواق بيع السمك بجزيرة جربة انتباه الزائرين من التونسيين، والسياح الأجانب؛ نظراً لانفرادها عن سائر جهات البلاد بطريقة المزايدة في بيع الأسماك، ويشرف على عملية البيع «دلال» من على كرسي خشبي عالٍ؛ للتمكن من مشاهدة جمهور المتسوقين، الذين يساهمون - بدَوْرهم - في العملية بطريقة طريفة، تستند إلى إشارات، أو إيماءات بالرأس، أو بالأيدي، يفهم منها «الدلال» انخراط المتسوق في عملية المزايدة. وتنطلق هذه العملية بعرض «شك السمك»، وهي وضع الأسماك على شكل قلادة، بواسطة ألياف مستخرجة من عراجين النخيل، يصنعها حرفيون، اصطلح على تسميتهم بالـ«شكاكين»، يقصدهم كل صياد يرغب في بيع سمكه، قبل تسليمه إلى «الدلال»، الذي يتكفل بالبيع، وتتخلل ذلك عمليات إشهارية تعدد محاسن السمك، ومصدره، ونوعيته، ومنافع استهلاكه. ولا يتوقف «الدلال» عن الحركة؛ إذ يجمع بين المناداة بصوت مرتفع، ومراقبة إشارات وإيماءات المتسوقين، إلى أن يدرك المزاد مداه، ويتسلم صاحب آخر سعر السمك المبيع.
مهرجانات
تمتاز الجزيرة بالعديد من النشاطات السياحية، ومنها المهرجانات العديدة، التي تُقامُ بين الحين والآخر، مثل: مهرجان «أوليس»، ومهرجان السُّفن الشراعية، والتزحلق على الماء، والمهرجان الدولي للفيلم الأسطوري والتاريخي، ومهرجان الفخّار، ومهرجان فرحات يامون للمسرح والفنون الركحية، ومهرجان الفيلم الأسطوري، ومهرجان جربة للتلفزيون.