#ثقافة وفنون
نجاة الظاهري 18 فبراير 2024
كل شيء يتطور، وكل شيء يمر بمراحل تغيير وتجديد.. اللغة، والعلم، والفن، والأدب، وهذا من طبيعته التي تتسم بها الحياة، والتماهي مع طبيعة المجتمعات التي ينشأ فيها. في دولة الإمارات، البلد الذي جعل للإبداع راية لا تُنكّس، وخصص للاحتفاء بالابتكار في كل المجالات شهراً كاملاً، فكان للفن نصيبٌ من الالتفات، كونه إحدى أبرز واجهات الثقافة المحلية، والمجال الثقافي الأضخم في جانب ابتكار كل ما هو مختلف وجديد.
التقت «زهرة الخليج»، بهذه المناسبة، فنانَيْن من أبناء هذا الوطن، راعي الثقافة والإبداع، وقد أنتج كل واحد منهما جديداً في مجاله الفني: الأول الفنان محمد الأستاد، الذي ابتكر طريقة جديدة في تشكيل العمل الفني باسم «دانات الشواطئ». والثاني: الفنان سالم الكعبي، الذي ابتكر مواد تستخدم في الإنتاج الفني، من موارد طبيعية، من ضمنها «اللبان العربي»، في مشروعه «لوبانيوم»، فدار الحوار حول ابتكارهما، وما تقدمه الدولة إلى الفنانين من فرص، تجعل العملية الإبداعية مستمرة ونشيطة دائماً.
الابتكار في مواجهة الزخم الفني
الفن، عالم واسع، وما أنتج فيه حتى الآن أكثر مما يمكن تخيله، ما يجعلنا نتساءل عن كيفية ابتكار الفنان شيئاً جديداً في مجاله، مع هذا الزخم المتكاثر يوماً بعد يوم. في هذا الشأن يقول محمد الأستاد: «التحدي القائم للفنان الحقيقي هو التميز في الأسلوب والتقنية والمواد المستخدمة والكيفية والمكان والفكرة التي من شأنها أن تتحدث عن صاحبها، دون أن يتخلى عن قِيَمه وشخصيته وثقافته، وتعبر عن فكره الشخصي وتاريخه وانتمائه وجذوره. والابتكار يأتي من خلال البحث المستمر عن المختلف في عالم الجمال والفن، والفكرة التي تخدم المجتمع والإنسان، وتعكس رسالته وحسه الفني، ومخزونه الثقافي والمعلوماتي، وفلسفته». أما سالم الكعبي، فيحدثنا عن هذا الأمر قائلاً: «الإبداع الفني يمكن أن يظهر بطرق عدة، والفنانون يمكنهم الابتكار في مجالات مختلفة؛ لتحقيق فكرة فريدة. هناك كثيرٌ من الأساليب والطرق المختلفة للفنانين؛ للتعبير عن فنهم. ومع التطور الملحوظ في التكنولوجيا، أصبح الفنان يبدع في فنه من خلال التقنيات أو ابتكار المواد المستخدمة، أو من خلال الموارد وتوظيفها في أعماله الفنية، وأصبح مفهوم ومضمون الفن أوسع مما كانا عليه سابقاً، ما جعل التحدي أكثر صعوبة، والتنافس كبيراً جداً، وأصبح الفن يغزو مجالات كثيرة، منها: الموضة، والتكنولوجيا، وغيرهما الكثير».
«دانات شواطئ» محمد الأستاد
يخبرنا الأستاد عن شاعرية صداقته للشواطئ، منذ عام 1998، وحتى اليوم، التي أحدث معها حواراً ثقافياً فنياً تشكيلياً، هو «دعوا الطبيعة ترسم لنا»، قائلاً: «صادقت الشواطئ، وأجريت الكثير من التجارب فيها. ففي سنة 1998، كانت أولاها، حيث حفرت حفرة في الشاطئ، حتى تتعرض للمد والجزر، وفرشت فيها خامة الكانفس، واستخدمت الزعفران والرمان وقطع الحديد الصدئة، وبرادة الحديد، وغطيتها بالقماش نفسه، ودفنتها لمدة أسبوع؛ فكانت النتيجة أن الحديد والبرادة تعرضا لأكسدة نتجت عنها أشكالٌ مختلفة، وتدرجات لونية متعددة، من صدأ الحديد. وعلى مدى 25 سنة، وبشكل مستمر، أنتجت الكثير من الأعمال الفنية، بمختلف الخامات والشواطئ والفترات الزمنية، فكان هذا الفن إضافة عالمية إلى عالم الفنون البصرية، تُحسب للإمارات». وأضاف أن خطوات إنتاج هذا العمل تعد طريقة من طرق العلاج بالفن، فهو مريح للأعصاب، ومفرّغ للشحنات السلبية، ومصدر للسعادة والتعامل مع الطبيعة.
«لوبانيوم» سالم الكعبي
انطلاقاً من الهندسة، ومواجهةً لمرض الالتهاب الحاد في الجيوب الأنفية، وغرفة العمليات، تلمع الفكرة المنقذة في رأس سالم الكعبي، الذي يقول عن فكرته الجديدة، الخاصة بإنتاج مركبات فنية صديقة للبيئة والإنسان: «لقد تجلت الفكرة لي خلال شغفي بمجال الفن، ودمجه بالهندسة، بالإضافة إلى إصابتي بالتهاب حاد في الجيوب الأنفية، ما أدى إلى استعادة تفكيري بمنطق مختلف، لإيجاد حل للمركبات الفنية السامة، فكان (اللبان العربي) إحدى المواد التي أجريت عليها أبحاثي، حتى وصلت إلى المعادلة الكيميائية المطابقة للورنيش الاصطناعي، وبجودة عالية جداً. ومازالت الفكرة تتطور يوماً بعد يوم، حتى تصل إلى الأسواق المحلية، والعالمية».
مؤهلات الفنان للابتكار
وعمّا يؤهل الفنان؛ ليصبح قادراً على ابتكار طرق جديدة في مجاله، يرى الأستاد أن الشغف بالفن وتاريخه وتجاربه المتعددة والمختلفة وثقافته وفرادته، بالإضافة إلى عشق الفن، والبحث المستمر عن الأسلوب المميز، إلى جانب الطموح غير المحدود، وإحساسه بأهميته كفنان، وأهمية رسالته، هي التي تمنح الفنان المؤهلات اللازمة لابتكار الجديد. ويشاركه الكعبي في مسألة الشغف كمؤهل للفنان المبتكر، ويضيف إليه حب البحث، وتطوير الذات، إذ يرى أن هذا الأمر المحرك الأساسي لكل فنان مبدع. كما يشجع سالم البحث عن كل ما هو جديد للوصول إلى العالمية بأعماله، وأيضاً مواكبة التطور المتسارع جداً في عالم الفن.
الطبيعة شريك للفن
خارج جدران المرسم، داخل الطبيعة، وجد محمد وسالم إلهامهما، وسعة الإبداع، إذ يرى الأول أن التقوقع في المرسم يؤدي إلى الأسلوب الواحد، ويحدُّ من القدرة الإبداعية، قائلاً: «على الفنان الحقيقي التحليق في كل أرجاء الحياة من غابات وبحار وصحراء وأشياء مختلفة، والجرأة في التجارب والسفر، والبحث الدائم عن المختلف من مواد وأفكار وتقنيات؛ فالفن لم يعد يقتصر على اللوحات المرسومة بالألوان الزيتية، أو الأكريليك، أو غيرها، بل تعداها إلى الفكرة والمواد والفلسفة». أما الكعبي، فيرى أن الخروج إلى الطبيعة واجب على كل فنان، لتأمل إبداع الخالق، واستلهام الأفكار، من دون التحطيم الدائم لجدران الاستديو، مضيفاً: «هذه مصدر إلهامي الأول لتطوير إنتاجاتي الفنية، وهذا حافز لي لمواصلة التطور والبحث عن كل كنز موجود فيها. إن خروج الفنان من الاستديو التقليدي، واستكشاف البحر والشجر والفضاء الطبيعي، يمكن أن يفتحا أفقاً جديداً؛ للتعبير الفني، ويؤثرا بشكل إيجابي في عمله، فالطبيعة تقدم مصادر غنية من الألوان والأشكال والتفاصيل، ويمكن للفنان الاستفادة منها، ومن جمال الطبيعة كمصدر للإلهام في تصميم أعماله، كما يمكنه جمع مواد طبيعية من البيئة المحيطة به، واستخدامها في عمله، مثل: الأغصان، والحصى، والأوراق، ما يعزز التفاعل المباشر مع البيئة».
فرص الفنان المبتكر في الإمارات
يرى الأستاد أن الفرص المتاحة للفنان في الدولة كثيرة جداً، ويبقى على الفنان الحقيقي السعي والاجتهاد؛ لإنتاج فن حقيقي ومتميز، فالفرص غالباً تأتي لمن يؤمن بها ويدعمها، بعيداً عن المجاملات، و«عقدة الأجنبي». أما الكعبي، فيشيد بما تشهده الساحة الفنية في الإمارات من نمو وتطور مستمرين، ما يتيح العديد من الفرص للإبداع الدائم. ومن الفرص التي يستطيع الفنان الاستفادة منها: صالات عرض الأعمال الفنية، والشراكة في المعارض والمحافل الدولية والمحلية، تقديراً للفنان، وتشجيعاً له على مواكبة كل جديد في عالم الفن الواسع.