#سياحة وسفر
كارمن العسيلي 7 فبراير 2021
من الإنصاف القول إن عدداً قليلاً من دول أميركا الجنوبية يمكنه منافسة دولة تشيلي فيما يتعلق بالتنوع الملحمي للمناظر الطبيعية التي تحتضنها والمغامرات المثيرة التي تقدمها لزوارها، وهو ما يفسر فوز تشيلي بلقب الوجهة الرائدة في سياحة المغامرات إلى جانب حفاظها على جائزة الوجهة الرائدة في السياحة الخضراء خلال حفل توزيع جوائز السفر العالمية لعام 2020. فماذا نعرف عن هذا البلد الذي يقع في «نهاية الأرض» ويلقب بـ «بلاد الشعراء»، ويعتبر موطناً لأكثر الشعوب وداً في العالم؟
من مميزات السفر إلى أماكن جديدة التعرف إلى كل ما يجعل من المكان مميزاً وفريداً ومختلفاً عن غيره، والأمر ذاته ينطبق بالتأكيد على تشيلي ذلك البلد الجميل الذي لا يعطى حقه سياحياً على غرار الدول المجاورة له، ربما لبعده جغرافياً ولعدم وجود بنية تحتية متطورة فيه ولارتفاع كلفة السفر إليه بالنسبة إلى الجموع من المسافرين.
لكن ثمة الكثير من الجمال الطبيعي الذي يمكننا رؤيته في تشيلي، من الصحارى القاحلة في الشمال والتي يستخدم العلماء أرضها الجافة لمحاكاة الأجواء في المريخ، إلى الساحل والبحيرات الجليدية في الجنوب، وصولاً إلى المدن التي تضج بالحياة. قد تكون تشيلي البلد الوحيد الذي يمكن للناس فيه تسلق بركان نشط، ومن ثم ركوب الأمواج العاتية، والقيام برحلة عبر تضاريسه غير المروّضة.
كثيرون يجهلون الجواهر التي تحتويها تشيلي، بدءاً من اسمها، فالبعض يعتقد خطأ أن اسمها ويعني بالإنجليزية «الفلفل» جاء بسبب شكلها الطويل والرفيع على الخارطة، والأشبه بالفلفل الحار، لكنه في الواقع جاء من السكان الأصليين الـ Mapuche إذ إن كلمة تشيلي تعني بلغتهم «حيث تنتهي الأرض»، وهناك من يعزو الاسم إلى تقليد السكان الأصليين لصوت طائر يغرد وكأنه يقول «تشيلي تشيلي». أياً كان اللغز وراء اسمها، فإن هذه البلاد أشبه بكتاب أسرار وألغاز، كلما تعمقت في سطوره زاد شغفك لاكتشاف المزيد.
من أين نبدأ؟
من المنطق أن تكون نقط البداية في العاصمة سانتياغو تلك المدينة التي لا يشعر المرء فيها بالملل لما تقدمه من مغامرات وجواهر. رغم تطورها ومواكبتها للعصر إلا أن هذه المدينة التي تحدها الجبال الشاهقة المغطاة بالثلوج، لا تزال تحافظ على تاريخها العريق من خلال مبانيها الكلاسيكية التي تعود للقرن التاسع عشر، والآثار التراثية المنتشرة في كل أنحاء المدينة.
ولعل أفضل طريقة لاستكشاف جواهر هذه المدينة الخلابة من خلال ركوب الحافلات السياحية التي تأخذ الزوار في رحلة ممتعة يجوبون خلالها المعالم الأثرية في سانتياغو مثل قصر «لا مونيدا» في وسط المدينة والذي انتهى بناؤه عام 1828، وهو مقر الحكومة التشيلية حالياً، وكاتدرائية «سانتياغو دي كومبوستيلا» والتي يعود بناؤها للقرن الثامن عشر، ومتحف تشيلي للفنون قبل وصول كولومبوس، والذي يقع قرب محطة بلازا دي أرماس ويضم قطعاً أثرية مختلفة وفنوناً وحرفاً منزلية وحضارية من فترة ما قبل وصول الأوروبيين إلى البلاد أشهرها حجر من حضارة المايا ومومياوات من حضارة الأنديز. ومن المعالم السياحية التي تستحق الزيارة أيضاً في المدينة، تل سانتا لوسيا ويوجد في وسط سانتياغو الذي يمثل بقايا بركان البالغ من العمر 15 مليون سنة، وأبراج Gran Torre كبرى ناطحات السّحاب في أميركا اللاتينيّة، يصل ارتفاعها إلى 300 متر،۠ وتتكوّن من 64 طابقاً، بالإضافة إلی 6 طوابق سفلية.
اقرأ أيضاً: «بحيرة برايس».. زمردة من الجنة
ولا يجب تجاهل زيارة منطقتي «باريو لاستاريا» و»باريو بيلا فيستا» اللتين تعتبران من أهم مناطق الجذب السياحي والأكثر شعبية فكلتاهما تحتويان على المطاعم وصالات العرض والمتاجر الصغيرة ومحلات بيع القطع الفنية. والسير في شوارعها يتيح للسائح اكتشاف إرث الهندسة المعمارية وطرزها الحقيقية، من بيوت قديمة ملونة في شوارع تصطف على جانبيها الأشجار.
خارج سانتياغو
جمال مدينة سانتياغو التي تضم الكثير من التلال الخضراء، ويمر فيها نهر مابوتشي الذي تتدفق مياهه عبر جبال الأنديز، لا يمكن مقارنته مع جمال بقية المدن والمناطق والمعالم السياحية الأخرى التي تضمها تشيلي والتي يحتاج بعضها إلى السفر بالطائرة للوصول إليه.
فمن المناطق السياحية التي لا بد من إدراجها على قائمة الزيارات في تشيلي، حديقة توريس ديل باين الوطنية المدرجة ضمن قائمة منظمة اليونسكو للتراث العالمي والتي تقع في منطقة بيتاغونيا التشيلية، والتي تضم ممرات مشي مذهلة وسط الطبيعة العذراء التي تضم نباتات وزهوراً وحيوانات برية إضافة إلى ينابيع وبحيرات تحتوي على مياه نقية وصافية.
ومن يريد اختبار تجربة زيارة كوكب آخر وتحديداً كوكب المريخ عليه زيارة صحراء أتاكاما الواقعة في شمال تشيلي وهي الأقدم والأكثر جفافاً في العالم، وتتميز بطبيعة وميزات جيولوجية استثنائية جعلت العلماء يستخدمون أرضها حقل تجارب لاستكشاف المريخ.
مناطق كثيرة يحار السائح كيفية استكشافها في وقت قليل، مما يجعله يفكر في العودة لتشيلي لتكملة مغامراته التشيلية ، من زيارة «فالي دي لا لونا» وهو موقع خلاب يشعر فيه المرء بأنه قريب من القمر ويكاد يلمسه، بالإضافة إلى «جزيرة القيامة» أو جزيرة الفصح التي تعتبر من أكثر الجزر المنعزلة في العالم وتتميز بوجود أكثر من ألف صخرة منحوتة على شكل رؤوس البشر والتي لا تزال إلى يومنا هذا تشكل لغزاً بالنسبة إلى علماء الآثار الذي يحاولون فهم أصلها والغرض من إنشائها.
نكهات تشيلية
لا يمكن زيارة تشيلي من دون تذوق اطباقها الشهيرة والاستمتاع بنكهات المأكولات والمشروبات التي تشكل لوحات حسية لا يمكن للسائح أن ينساها، بل إن الدعوة إلى تناول تلك الأطباق التقليدية هي بمثابة عيش مغامرة من نوع آخر. ومن أشهر تلك الأطباق:
- «هوميتاس» المكون من الذرة المهروسة والتوابل ويمكن أن يقدم مع السكر أو الطماطم الطازجة.
- «تشوريلانا» ويتكوّن من البطاطا المقليّة، النّقانق الحارّة، البصل المفروم، لحم البقر، والبيض المقلي.
- «الأمعاء مع طحين القمح» يتكوّن من الأمعاء المحشيّة باللحم، والمغطاة بالطّحين، يتم قليها مع الفلفل الحارّ، ويتمّ تقديمها مع البطاطا المقليّة.
- «حُفرة الحجر الحارّ» يتكوّن من اللحم، السّمك، المأكولات البحريّة، البطاطا، والتّوابل المختلفة.
- أما المشروبات الشائعة فهي القهوة والشاي، بما في ذلك عشبة شاي تسمى «أغويتا».
أرض الشعراء
إلى جانب الطبيعة الخلابة، تشتهر تشيلي بأنها موطن الشعراء، إذ أنتجت هذه البلاد اثنين من الحائزين جائزة نوبل للآداب هما «بابلو نيرودا» و»غابرييلا ميسترال»، بالإضافة إلى العديد من الكتاب الكبار مثل نيكانور بارا، وروبيترو بوليانو، غونزالو روجاسن وبابلو دو روكاس وغيرهم الكثير.
وقت السفر
يمكن زيارة العاصمة الواقعة في وسط الوادي وصحراء «أتاكاما» في أي وقت من فصول العام مع الأخذ بعين الاعتبار أن فترة ما بين يونيو وأغسطس هي فترة خريفية جميلة وخلالها يمكن مشاهدة أجمل اللوحات الطبيعية. ولمن يفضل الطقس الدافىء فالوقت الأفضل لزيارة تشيلي يكون في الفترة ما بين شهري أكتوبر ومارس إذ تعتبر الأفضل في العام للذين ينوون زيارة جنوب البلاد.