#تحقيقات وحوارات
رحاب الشيخ الخميس 3 ديسمبر 2020 10:00
لعبت المرأة الإماراتية دوراً كبيراً في نسيج الحياة الاجتماعية في دولة الإمارات منذ القدم، وأسهمت بشكل فعال في غرس قيم «السنع الإماراتي» من مبادئ وتقاليد، في عقول أبنائها لتعليمهم القوة والشجاعة واحترام الكبير وإكرام الضيف وتحدي الصعاب مهما كانت، حتى تصل بهم إلى بر الأمان، لتقف المرأة في ذلك إلى جوار زوجها، الذي كان غالباً ما يسافر سعياً وراء لقمة العيش في عرض الصحراء عبر البلاد، أو الخروج للغوص بحثاً عن اللؤلؤ، لتستكمل هي مشوار تربية الأبناء حتى يعود بعد فترة زمنية، قد تستغرق أياماً أو أسابيع وأحياناً عدة شهور.
تروي الحرفيات العاملات في إدارة الصناعات التراثية بالاتحاد النسائي العام، الوالدات: روضة عيسى المنصوري، مريم محمد الكعبي، كلثم خادم المنصوري، وسميحة أحمد الكعبي لـ«زهرة الخليج»، حكايات من تاريخ حياتهن يوضحن فيها، في حنين إلى زمن الأولين، أو «زمن لوّل» كما تنطق باللهجة الإماراتية، قصصاً عن السنع الإماراتي وما يحمل من عادات وتقاليد، وأهمية نقله للأجيال القادمة.
مذاق خاص
تقول الوالدة كلثم خادم المنصوري، وهي من سكان (محاضر ليوا): «لن أنسى أبداً أيام (الفريج) فقد كان للأعياد والمناسبات مذاق خاص، إذ يزداد التقارب بين الجميع ويتبادلون الأكلات الشعبية وأطباق الحلوى، وإذا كانت إحدى النساء حاملاً ساعدتها جميع نساء الفريج في أعمال المنزل حتى تلد، وفي المناسبات يلتف الجميع حول صاحب المناسبة، ويتعاونون في الاحتفاء به ومشاطرته فرحته أو حزنه، وإذا غاب أحد الرجال عن موعد الصلاة، ذهبوا إلى بيته لتفقد أحواله والاطمئنان عليه خشية أن يكون مريضاً أو قد أصابه أذى».
وتتذكر كلثم الأوعية التي كانت تستخدم في بيتهم، وتُصنع من جلد الماعز والأغنام ويطلق عليها اسم (السجا) الذي يستخدم في (خض اللبن) لاستخراج اللبن الرائب والزبد، و(السعن) الذي يستخدم لحفظ الماء، ويأخذه المسافر معه ليشرب منه طوال فترة السفر، كونه صغيراً بالحجم، أما (القربة) التي تستخدم في حفظ الماء في المنزل لأغراض الشرب. ويأخذ المسافر معه (الهبان) لحفظ التمر والطحين خلال فترة السفر.
حجر النيلة
تقول الوالدة روضة عيسى المنصوري: «كنا في الماضي نعيش في منطقة ليوا في (عرشان)، وهي بيوت مصنوعة من سعف النخيل، وكان والدي يخرج سعياً وراء لقمة العيش، بينما كانت والدتي تقوم بكل أعمال المنزل، وأختي الأكبر تساعدها في تربية الأبناء، وكان ذلك من أهم التقاليد التي تربينا عليها، وأبرزها: رعاية الأم لأبنائها، فضلاً عن ضرورة تكاتف أبناء العائلة الواحدة وترابطهم. وكانت العرشان في (الفريج) أو الحي السكني قريبة جداً من بعضها البعض، وكان الناس أسرة واحدة تربط بينهم علاقات الحب والتراحم والتعاون، على الرغم من بساطة الحياة التي كانت تخلو من مظاهر الترف والرفاهية، وكان أبناء الفريج ذكوراً وإناثاً يحفظون القرآن الكريم بواسطة إمام المسجد، حتى يختموا القرآن الكريم حفظاً وتجويداً، وكان الولد الأكبر هو من يرعى شؤون الأسرة في غياب ولده، فيخرج لشراء أغراض المنزل من مواد تموينية أو تمر أو حليب، وكان ممنوعاً على الإناث الخروج من المنزل حتى عودة الوالد».
تتذكر الوالدة روضة أيام زواجها والإعداد للعرس وعيناها تتلألآن، تحت البرقع الذي تلتزم بألا تنزعه طالما كانت خارج المنزل، حفاظاً على التقاليد التي تربت عليها منذ الصغر، موضحة أن والدتها قامت بتجهيز كل ما يلزمها من لباس، فضلاً عن (شيلة نيل) من أنواع (الكنادير)، وهي لباس مصنوع من القطن، وسميت بذلك نسبة إلى لونها المأخوذ من صبغة النيلة، وهي صبغة زرقاء داكنة كانت تستخدم لصباغة الملابس. وتستطرد قائلة: «لن أنسى عندما (نيلتني أمي)، عندما قامت بفرك بشرة وجهي بحجارة النيلة، قبل غسله بالماء والصابون، بهدف تبييض البشرة وتنعيمها، وكانت الفتاة تتزوج في سن صغيرة، وتنشئها والدتها على الالتزام بالسنع الإماراتي واحترام والدة زوجها وكأنها والدتها الثانية، كما تزرع في أبنائها قيم العفة والشرف والكرم وكيفية استقبال الضيف وضيافته».
ملابس العروس
تتحدث الوالدة مريم محمد الكعبي من مدينة العين عن (السويعية) وهي عباءة نسائية تلبس على الرأس وتصنع من الحرير أو الصوف، وتستخدم بغرض الاحتشام وعدم إظهار زينة المرأة، مضيفة أن ملابس العروس وكل الملابس التقليدية، كانت تجهز بواسطة أيادي النساء عندما يجتمعن في (الفريج) بعد صلاة الفجر وكانت الملابس تصنع من السدو والتلي، كما كن ينسجن (الزرابيل) وهي جوارب تحيكها النساء باستخدام خيوط الشعر والصوف المغزولة لترتديها المرأة قديماً، لتحميها من برد الشتاء وحر الصيف.
وتوضح مريم أن المرأة الإماراتية كانت تحرص على الاهتمام بزينتها، وإن اختلفت طرق تعبيرها عن ذلك بحسب المكان والعادات والتقاليد، فكان اعتمادها الأول على المواد الطبيعية المتوافرة في بيئتها المحلية أو تلك المستوردة من دول الجوار مثل الأحجار الطبيعية والاعشاب العطرية والكحل، الذي كان له نوعان، هما: (الأثمد والصراي) وكانت تقوم المرأة بإعداده بنفسها، وتصنع من قصاصات الأقمشة الزائدة على الحاجة مكاحل جميلة لحفظه. وتضيف: «تعلمت من والدتي الطبخ والخبز وكيفية حلب البقر والإبل، أيضاً تعلمت كيف أصنع (التشامي) وهو نوع من أنواع الجبن، يشبه الجبن القريش».
«المهفة» و«المكبة»
بدورها توضح الوالدة سميحة أحمد الكعبي: «كانت بيوتنا في مدينة العين أيضاً من (العرشان)، حيث كنا نستخدمها أكثر في فترة قيظ الصيف، بينما نستخدم خيام الشعر في فصل الشتاء للحماية من البرد»، مشيرة إلى أنها تتذكر الرجال في (الفريج) وهم (يكنزون) التمر، من خلال غسله أولاً ثم يضعونه في الشمس لفترة حتى يصبح ليناً، ثم يقوم الرجال بدعس التمور بأرجلهم حتى يصبح التمر مثل العجوة، تمهيداً لحفظه بعد إضافة (الزيبة والسنوت) والشمر واليانسون إليها، ووضعه في (الخسف) وهو جراب مصنوع من (الخوص) يستخدم لحفظ التمور.
وتشير الوالدة سميحة إلى أن صناعة الخوص من الصناعات التي كانت تستهويها كثيراً في الصغر، إذ إنها كانت تجد متعتها في صناعة أنواع (السراريد) الملونة وهي قطعة دائرية تستخدم مثل السفرة لفرد الطعام عليها، موضحة أن الألوان المستخدمة كانت تجلب قديماً من الهند، وكانت النساء يبذلن قصارى جهدهن لابتكار تصاميم مختلفة بألوان متنوعة، وكلما كان (السرود) جميلاً، كانت المرأة تحتفظ به للأعياد والمناسبات السعيدة ووضع الطعام عليه خاصة لإكرام الضيوف.
وتوضح أنها كانت تصنع من الخوص أيضاً، (المهفة) التي تستخدم لجلب الهواء بدلاً من المروحة، فضلا عن (المكبة) وهي نوع من أنواع الأغطية التي تستخدم كغطاء للطعام، مشيرة إلى أن المرأة التي يتوفى زوجها قديماً، كانت تقوم بصناعة (الخوص أو البراقع) أو حياكة الملابس باستخدام السدو والتلي والتجارة فيها، لجلب الرزق لأبنائها اليتامى، ولا تذهب المرأة إلى السوق، بل كانت تبيع منتجاتها لـ(راعي الدكان) الذي يقوم هو بمهمة البيع بدلاً منها.
اقراأ أيضاً: العنف ضد المرأة جريمة