#تحقيقات وحوارات
رحاب الشيخ 15 يونيو 2020
تؤرق مشكلة هدر الطعام المجتمعات حول العالم، فالأمر له أبعاد اجتماعية واقتصادية وبيئية، كون ثلث الأغذية في العام تتعرض للهدر سنوياً بحسب دراسة أجرتها منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة «فاو»، وهو ما يعادل 1.3 مليار طن من الطعام، بتكلفة تريليون دولار، بينما يبلغ عدد الجياع نحو مليار شخص في العالم. ومع تراجع مساحات الأراضي المزروعة وشح المياه، وانخفاض الإمدادات العالمية للأغذية نتيجة للإجراءات الاحترازية للحد من تفشي فيروس كورونا المستجد «كوفيد19»، فإن مشكلة هدر الطعام تحتاج إلى تغيير في سلوك المستهلكين. «زهرة الخليج» تستقصي مع مختصين قضية هدر الطعام، ودور المستهلك في الحد من فقد الغذاء والحفاظ عليه والسعي إلى الاستفادة منه ومنحه للمحتاجين.
تناقضات اجتماعية
في الوقت الذي يقول فيه أحمد المازني (معلم لغة عربية) إنه متفق مع زوجته على عدم الهدر في الطعام، وشراء ما يحتاجان إليه من مواد غذائية واستهلاكية ولا يقومان بتخزينها، تعيش أم معاذ (ربة بيت) على النقيض، فهي اعتادت شراء العديد من المواد التموينية وتخزينها لفترات طويلة، لدرجة أنها تفقد صلاحيتها من دون أن تدري، بحجة تأمين احتياجات المنزل من الغذاء. ويقول المازني: «بسبب احتياطاتنا المسبقة تجنباً لهدر الطعام، منَّ الله عز وجل علينا بالبركة في الرزق ولم نعانِ أبداً من ضيق ذات اليد، فالحفاظ على النعم هو سبب دوامها». أما أم معاذ فتقول: «جراء جائحة كورونا وبعد تعرضنا لضائقة مالية، أصبحنا نشتري ما يكفينا لأسبوع واحد فقط، وندمنا على كمية السلع الغذائية المهدرة والأموال التي أنفقناها سابقاً بلا مبرر».
تعاليم الدين
يقول عمر حبتور الدرعي، المدير التنفيذي للهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف، إن الإسلام أباح الاستهلاك ولكن بضوابط، من أهمها عدم الإسراف وتجاوز الحد، فهدر الطعام مخالف لثقافتنا العربية والإسلامية الأصيلة، ويضيف: «التعاليم الدينية رسمت منهجاً حضارياً واضحاً، وبينت في ذلك الحدَّ المباح والممنوع في الاستهلاك، فقال الله تعالى في قانون حضاري مخاطباً الإنسانية كلها: (كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)، وفي هذه الآية توجيه شامل جامع للإنسان بأخذ حاجته من الملابس والزينة، وتناول ما يحتاجه من المآكل والمشارب».
ويخلص الدرعي إلى أن المطلوب هو العدل والاتزان في الاستهلاك الذي لا إسراف فيه ولا إمساك، لأن عدم الاستهلاك أيضاً يلحق أضراراً بالمجتمع والاقتصاد وانتشار البطالة، كما أنه ليس من المروءة أن تسرف في الاستهلاك، أو تنفق رزق شهر في يوم واحد، وأقرباؤك وجيرانك لا يجدون ما يسد خلتهم، وهذه القيمة هي التي يغرسها فينا التوجيه النبوي: (لَيْسَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي يَشْبَعُ وَجَارُهُ جَائِعٌ).
فخ الشراء
يرى خالد جاسم الحوسني، نائب رئيس جمعية الإمارات لحماية المستهلك، أن الكثير من المستهلكين يقعون في فخ شراء المنتجات الاستهلاكية والمواد التموينية بكميات كبيرة، بسبب العروض الخاصة التي تقدمها الأسواق التجارية كنوع من الدعاية لجذب الزبائن، أو خوفاً من نفاد الكمية في الأسواق، بيد أن تلك التصرفات تؤدي إلى هدر المواد الغذائية بعد شرائها لأنها قد تفسد ويكون مصيرها القمامة.
ويدعو الحوسني المستهلكين والعاملين في قطاع صناعة الأغذية والمشروبات وقطاع الضيافة إلى الالتزام بالحد من هدر الطعام. ويقول: «صار ضرورياً تثقيف المستهلك حول كيفية الحد من هدر الطعام واتباع خيارات أفضل في التعامل مع الطعام الذي يتناوله، وبالتالي الإسهام في الحد من الجوع في العالم».
الإنفاق باتزان
يؤكد أحمد الدرمكي، خبير اقتصادي، ضرورة الإنفاق باتزان من دون عشوائية في التسوق، مضيفاً: «التحدي الكبير الذي يواجه منظومة الأمن الغذائي، هو تنظيم عمليات النقل اللوجيستي للأغذية الذي قد يؤدي بدوره إلى هدر الغذاء وارتفاع أسعار المنتجات والسلع الغذائية».
ويبين الدرمكي ضرورة التنسيق بين الجهات الفاعلة في سلسلة إمداد الأغذية والمزارعين، ومقدمي الخدمات، والموردين، والتجار، بالتعاون مع القطاعين العام والخاص، للحد من هدر الغذاء أثناء نقل وتخزين المواد الغذائية.
وأشار إلى إمكانية تقليل نفايات الطعام عن طريق إقناع تجار التجزئة باتخاذ مبادرات مثل التعبئة والتغليف بحجم مناسب، والتعبئة الذكية لزيادة مدة الصلاحية، مع رفع الوعي بين المستهلكين بأهمية الحد من هدر الطعام.
تكدس الغذاء
يقول الدكتور محمد سلمان الحمادي، مدير إدارة الاتصال وخدمة المجتمع بالإنابة في هيئة أبوظبي للزراعة والسلامة الغذائية: «نحرص في الهيئة وبشكل مستمر على نشر الرسائل التوعوية والنصائح للمستهلك حول اتباع أسلوب التسوق والتخزين الصحيح، والذي يضمن الحفاظ على سلامة المواد الغذائية لأطول مدة ممكنة وبالتالي تقليل عملية الهدر». ويؤكد الحمادي أن الهيئة تعمل أيضاً على تعزيز الوعي المجتمعي بأفضل الممارسات الخاصة بالتسوق، والتي تضمن الحفاظ على سلامة المواد الغذائية خلال مرحلة التسوق والنقل والتخزين في المنزل.
ويوصي الحمادي بعدم تكديس الغذاء في ثلاجة المنزل، للحفاظ على التبريد بشكل صحيح في الثلاجة وتجنب تلف الغذاء بداخلها، وتخزين المواد الغذائية طويلة الأمد مثل الأرز والبقوليات في أماكن جافة بعيدة عن الرطوبة وأشعة الشمس المباشرة للحفاظ على صلاحيتها، إلى جانب التعريف بخطوات التسوق السليم والتي تعزز من سلامة الغذاء كشراء المنتجات الغذائية المبردة والمجمدة في نهاية رحلة التسوق، وعدم خلط المواد الغذائية مع المواد الكيميائية كالمنظفات وغيرها في عربة التسوق.
أرقـام
• تبلغ فاتورة هدر الطعام سنوياً في الإمارات 15 مليار درهم وفق تقرير «برايس ووترهاوس كوبرز».
• أكدت دولة الإمارات التزامها الوفاء بالهدف العالمي المتمثل في خفض معدل الهدر والخسائر الغذائية والنفايات بنسبة 50% بحلول عام 2030، بموجب الهدف رقم 12 من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة الخاص بالاستهلاك والإنتاج المستدامين.
• تأسس «بنك الإمارات للطعام» عام 2017، كمؤسسة غير ربحية، حيث يقوم بجمع فائض الطعام من الفنادق والمطاعم وأسواق بيع منتجات الأغذية ومحلات السوبرماركت والمزارع وغيرها، ويوزعها على المحتاجين داخل الدولة وخارجها بالتعاون مع شبكة من المؤسسات الإنسانية والخيرية المحلية والدولية.