مليكة أحمد 4 مارس 2019
منذ أن تمّ اكتشافها، وهي في مقدمة الجزر الأوروبية، سواء من حيث الطبيعة العذراء التي تتميز بها، أم من حيث المكانة الاقتصادية المهمة التي تحتلها، وخاصة فيما يتعلق بالقطاع الزراعي. هي جزيرة استوطنها الكاريبيون لفترة طويلة، وكانوا يطلقون عليها اسم «مادينينا»، أي «جزيرة الورود»، ولا تزال تحمل اللقب نفسه، لكن تحت مسمى «المارتينيك»، وهو اللقب الذي أطلقه عليها الفرنسيون، منذ مجيئهم إليها واستعمارها عام 1635.
تقع جزيرة المارتينيك ضمن أرخبيل جزر الأنتيل الصغرى، بالمحيط الأطلسي شرق بحر الكاريبي، على بعد 420 كيلومتراً شمال شرق سواحل فينزويلا، وقبل مجيء الفرنسيين والإسبان إليها، كانت مستوطناً لسكان هنود «الأراواكس»، ومن ثمّ جاء هنود جزر الكاريبي، الذين هجروها بعد الكارثة الطبيعية التي حلت بها إثر ثوران أحد البراكين الخامدة فجأة عام 1397، وبقيت كذلك حتى اكتشافها من قبل الرحالة الإيطالي كريستوف كولومبوس عام 1502، الذي كان يسميها بجزيرة «النساء»، وهذا ما وُجد مكتوباً في إحدى مخطوطات الرحالة كولومبوس، حيث يقول إنه قبل استكشافها، سمع عن وجود جزيرة لا تسكنها غير النساء، لكن وعند وصوله إليها لم يجد سوى مجموعة قليلة من السكان نساء ورجالاً وأطفالاً، هم بقية من سكان الكاريبي من الهنود الحمر الذين أفلتوا من فتك نيران البركان الثائر.
مناخ استوائي
أصبحت «المارتينيك»، ضمن إحدى أهم الجزر الإقليمية لفرنسا، فبعد وصول الاستعمار إليها تحت قيادة بيير بيلان ديسنامبوك عام 1635، تمّت السيطرة عليها بحكم قربها من جمهورية الدومينيكان الفرنسية، واعتُبرت إلى جانب جزيرة سان لويس، ضمن الجزر الإقليمية التابعة لفرنسا، يقطنها اليوم أكثر من 380 ألف نسمة تتعدد أعراقهم وأجناسهم، بين الأفارقة الذين جاؤوا إليها بحثاً عن عمل، وكان لهم ذلك حيث إن نسبة كبيرة منهم يعملون اليوم بالقطاع الزراعي، وزراعة قصب السكر، هذا فضلاً عن وجود أقلية من الإسبان والهنود الحمر، والفرنسيين الذين أسسوا أهم الركائز الاقتصادية بالمنطقة، حيث تشكل زراعة الخضراوات جزءاً مهماً في انتعاش المجال الاقتصادي وازدهاره لأوروبا قاطبة، وعلى نحو خاصّ لفرنسا.
تحتلّ جزيرة المارتينيك ذات المناخ الإستوائي الرطب صيفاً، الرتبة الثالثة من حيث المساحة، بعد جزيرة ترينيداد، وجوادالوبي، حيث تتربع على مساحة تقدر بـ1128 كيلومتراً مربعاًَ، وتتكون من سلسلة كبيرة من الجبال والتلال الخضراء والشواطئ الممتدة على طول الساحل الكاريبي الجذاب، كما تتوسطها مجموعة من الأنهار الجميلة يصل عددها إلى 161 نهراً، بما فيها الأودية، وأبرزها نهرا لوكسوران، وليزارد، الذي يمتد طوله لأكثر من 32 كيلومتراً، يتبعه نهر لارفيير بلانش بطول 20 كيلومتراً.
مدن ساحرة
تحتلّ الكثير من مدن المارتينيك أهمية سياحية كبيرة، وأخرى سياسية واقتصادية وصناعية، تشكل بتكتلها قوة مركزية للجزيرة والأراضي الفرنسية التابعة لها. فمثلاً نجد مدينة فور دو فرانس المنيعة، فتسميتها بحصن فرنسا، لم يكن من قبيل الصدفة، فناهيك عن كونها عاصمة المارتينيك الاقتصادية والثقافية، وواجهتها الرئيسية لاستقبال السفن والتبادلات التجارية البحرية، فهي تضمّ في ربوع مساحاتها الخضراء الشاسعة، سلسلة كبيرة من أبرز المعالم التاريخية في الجزيرة، مثل حصن «سان لويس» العسكري، المميز بهندسة بنائه الفيكتوري الساحر، حيث كان يعتبر سداً منيعاً وبرج مراقبة مهمّاً لتدخلات ما وراء البحار، كما تتفرد كاتدرائية «سان لويس» التي يعود تاريخها إلى عام 1895 بجمال لونها القرميدي الجميل، وهندسة بنائها المثيرة للدهشة، وخاصة لجرسها المعلق على برجها في ارتفاع شاهق يصل إلى 57 متراً عن سطح الأرض.
مدينة النافورة
تحتلّ مدينة بيل فونتين، (النافورة الجميلة)، المركز الثالث من حيث السياحة، فهي تضمّ مجموعة معتبرة من القرى الريفية الجميلة، مثل: مورن فيرت، لوكاربيه، كاز بيلوت، وغيرها من القرى التي تستقطب وجوهاً جديدة يومياً، لاكتشاف طريقة العيش المتواضعة في تلك الطبيعة الساحرة التي تلفها الورود والأزهار من كلّ صوب، كما أن المدينة تملك سلسلة جميلة من الفنادق الصغيرة التي تليق بالعائلات الصغيرة قليلة الأفراد، وأبرزها فندق «فون سان دونيس».
أما بالنسبة إلى مدينة لو لامونتين، فتتخذ المركز الثاني بعد فور دو فرانس، من حيث الكثافة السكانية، إذ يقطنها حوالي 40 ألف نسمة، ويعتبرها الفرنسيون، رئة جزيرة المارتينيك الاقتصادية، لضمها عدداً يصل إلى خمس مناطق صناعية هي الأبرز والأهم في المارتينيك، مثل: منطقة لاليزارد، لاجومبيت، وزاك ماييتي، وهي منطقة نفطية. هذا وتضم المدينة أحد أكبر المراكز التجارية في المارتينيك «غاليريا بلاس دارمي»، فضلاً عن مطار دولي يطلق عليه اسم «مطار مارتينيك إيمي سيزير» الدولي.
مطبخ متنوع
يتميز المطبخ المارتينيكي، بلذة أطباقه وتنوع ثقافة فن الطهو التي تحمل نكهة جزر البحر المتوسط من جهة، ونكهة جزر الكاريبي من ناحية أخرى، فبين الاحتراف في إعداد وتقديم الأكل البحري اللذيذ مثل طبق «الأخطبوط المحشي» المشهور بالمنطقة، تقابله الاحترافية نفسها في إعداد وطهي أطباق الخضراوات الشهية، وخاصة طبق «الأفوكادو بالكينوا»، وطبق «لوبرجين تومات» الشهي، والمكون أساساً من الباذنجان والطماطم واليقطين، فيه نكهة فرنسية طاغية، كما أنك ستجد أطباق الدجاج المدخن، وأطباق الكسكسي المغاربي المتوافرة بكثرة، نتيجة التأثر والاحتكاك الثقافي بين الجاليات المغاربية الموجودة بفرنسا.
موسيقى «المازوركا»
للموسيقى وقرع الطبول حيز مهم في حياة سكان جزيرة المارتينيك اليومية، حيث ستجدهم يغنون طوال الوقت حتى أثناء عملهم، وخاصة العاملين في قطاع الزراعة والصيد، هي الأجواء الطبيعية المتعلقة دائماً بطبيعة الجزر الساحلية، كمية كبيرة من الفرح الطفولي الملون بالرقص على إيقاع موسيقى «المازوركا».
احتفالات شعبية
يحتفل سكان المارتينيك، بأنواع غريبة من الاحتفالات، ترتبط بتاريخ وثقافة الجزيرة، مثل «صراع الديوك»، الذي يقام عادة في بداية شهر نوفمبر، وأواخر شهر يوليو، حيث يخصص لهذا النوع من الاحتفالات حلبة كبيرة وسط القرى، تحضره مجموعة كبيرة من الأهالي وهي تتفاخر بديوكها الفرنسية لتتصارع على اللقب، والفائز يحتفي بفوزه وسط أهازيج رقص الطبول الجميلة، في مرح جنوني وطفولي، ستضحك وتصفق له كثيراً.
جبل الرهبة
ستنتبه في الوهلة الأولى، حين زيارتك لهذه الجزيرة، لظلّ «جبل بيليه» الشبح الذي لا يزال يمثل نقطة ضعف وخوف لأهالي المارتينيك، حيث لا تزال قصص ثورانه وهيجان أحد البراكين المتربعة على قممه، تروى حكايا ما قبل النوم للأطفال، حيث إنه كاد في عام 1902 أن يلتهم مدينة سان بيير كاملة، وراح ضحيته حوالي 28 ألف شخص، وكانت تلك المرة الثانية التي يثور فيها بركان «جبل بيليه» منذ عشرات السنين، كان أولها سبباً في انقسام الجزيرة جغرافياً، بفعل تأثير البركان وعدد الهزات الأرضية الكبيرة التي لحقت بها، وشكلتها جزيرة منعزلة.