#صحة
نوال نصر 21 فبراير 2019
لزمت منزلها طوال سنتين، مستعينة بأوكسجين تكميلي، في مواجهة «التليّف الكيسي» الذي بلغ مراحله النهائية في جسدها النحيل، وكان أمامها حلّ من اثنين: الاستسلام حتى الموت أو الخضوع لجراحة «زراعة الرئة»، فاختارت الثاني في أول عملية جراحية لزراعة رئة في لبنان.
تمّت العملية الأولى من نوعها في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، على يدَي الأستاذ المساعد في الجراحة في قسم جراحة القلب والصدر الدكتور جميل برجي، وعاونه رئيس قسم جراحة القلب والصدر الدكتور بيار صفير.. ماذا في التفاصيل؟
تحتاج عملية كهذه إلى أمرين: واهب وجرّاح بارع. وتُعتبر «زراعة الرئة» الخيار الأمثل للمرضى الذين يبلغون المراحل النهائية من إصابتهم بأمراض الرئة المزمنة مثل «التليف الكيسي». ويُحبّذ أن يكون الجرّاح قد جرّب قبل هذا الإجراء كل العلاجات الأخرى وتغييرات نمط الحياة؛ لأن هذه الجراحة لا تخلو من مخاطر كثيرة، لذا يجب على الطبيب أن يتناقش كثيراً مع المريض؛ للتأكد مما إذا كانت المخاطر المرتبطة بهذا الإجراء تفوق الفوائد. ويُعدّ الخطر الرئيس لـ«زراعة الرئة» في رفض الجسم لها، ويحدث هذا حين يهاجم الجهاز المناعي رئة المتبرع كما لو كانت مرضاً، وهذا الرفض يؤدي إلى فشل الرئة المتبرَّع بها.
تثبيط المناعة
بديهي في مثل هذه الحالات إعطاء المريض أدوية تمنع رفض الجسم للرئة وتســـمّى «المنـــــــاعـــــــة المثبطة»، وهــي تعمل على خفض الاستجابة المناعية، ما يُقلل احتمال أن يهاجم الجسم الرئة الجديدة. ولهذه الأدوية في ذاتها بعض المخاطر، وثمة مخاطر أخرى أيضاً قد تتأتّى جرّاء جراحة «زراعة الرئة» بينها: حدوث نزف وجلطات الدم، السرطان والأورام الخبيثة؛ بسبب مثبطات المناعة، داء السكري، أو تلف الكلى ومشاكل في المعدة وهشاشة العظام.
ومن أجل تفادي حصول مضاعفات خطيرة يُحبّذ اتباع إرشادات الطبيب قبل الجراحة وبعدها. وتتضمن التعليمات تحديد خيارات نمط الحياة الصحي عبر اتباع نظام غذائي صحي وعدم التدخين، وتجنب تجاوز أي جرعات من الأدوية.
قد تُشكل «زراعة الرئة» خلاصاً من موت أكيد، لكنها تحتاج إلى رعاية من أجل حياة صحية أكثر أماناً.
معايير النجاح
الاستعداد لجراحة «زراعة الرئة» يترافق مع الخضوع لاختبارات ومعايير شتى أبرزها: توافر رئة مطابقة، وفصيلة دم مشابهة، وحجم رئة مناسب، وأن يكون الواهب والمتلقي في صحة عامة سليمة. ويجري إخضاع المتلقّي لاختبارات مختبرية وتصويرية ونفسية، من أجل التأكد من استعداد المريض التام لآثار هذا الإجراء.
إذا كنتم تنتظرون رئة من متبرع، كونوا مستعدين للانتقال إلى غرفة العمليات في أي لحظة، أبقوا حقيبة المستشفى جاهزة، على كل حال من المهم أن تعرفوا أن هذا الإجراء الجراحي يكون تحت تأثير التخدير العام، على أن تستيقظوا في غرفة الإنعاش برئة جديدة. وتتم الجراحة عبر إحداث شق كبير في الصدر تتم إزالة الرئة المريضة عبره، وتوصيل الرئة الجديدة بمجرى الهواء والأوعية الدموية الرئيسية، ويُصار إلى إغلاق الشق بعد التأكد من صحة عمل الرئة الجديدة، ويوضع المريض بعد الانتهاء من الجراحة في وحدة العناية المركزة، ومن المهم أن تعرفوا أيضاً أنه وفقاً لـ«المعهد القومي للقلب والرئة والدم»، تستغرق العملية الواحدة من هذا النوع بين أربع ساعات وثمانٍ.
ما بعد الجراحة
يُفترض بمن خضع لإجراء جراحي كهذا القيام بزيارات منتظمة، لفريق «زراعة الرئة» من أجل رصد أي علامات سلبية أو رفض الجسم للرئة المزروعة، ويفترض في هذه المرحلة متابعة تناول دواء أو أكثر من مثبطات المناعة للتأكد من عدم رفض الجسم للرئة، ويحتمل أن يأخذ المريض مثل هذه الأدوية طوال حياته، قد ينتج عن هذا آثار جانبية عدة لذا يجب أن تولد علاقة ثقة بين المريض وطبيبه الذي قد يضطر إلى وصف أدوية عدة للمريض الذي خضع لـ«زراعة رئة»، ويتناول مثبطات مَناعة ما يُعرّضه لأمراض وإصابات أخرى. ومن هذه الأدوية مضادات للفطريات وأخرى للفيروسات، ومضادات حيوية ومُدرّات للبول، وأدوية مضادة للقرحة.
تنفّسوا الصُّعداء تنفسوا هواء عليلاً وثقوا بأن الإنسان لا يموت حين يفقد القدرة على التنفس، بل حين يفقد القدرة على التمنّي والأمل. الألغام كثيرة لكن الأمل موجود ثقوا به تجدوه.
سؤال محيّر
سؤال يُحيّر الكثيرين: هل تزيد عمليات «زراعة الرئة» من خطر الإصابة بـ«سرطان الرئة»؟
نعم. ولهذا أسباب عديدة بينها أن الأشخاص الذين خضعوا لعملية «زراعة الرئة» يتعرضون لخطر مُتزايد للإصابة بـ«سرطان الرئة» في المستقبل، بنسبة تزيد على 2.5%، خصوصاً لدى المرضى المتبرعين أو المتلقّين، الذين لديهم تاريخ شامل مع التدخين أو المتقدمين في العمر. وتشير أبحاث كثيرة إلى فترة قصيرة بين زراعة الرئة، وظهور أولى بذور السرطان بسبب العلاجات المثبطة للمناعة التي يتلقاها المريض؛ لذا يُطالب بعض الأطباء بوجوب التعامل مع عمليات زرع الأعضاء من المدخنين بحذر.