#مقالات رأي
د. نرمين نحمدالله 9 أكتوبر 2022
متى صفعني الإدراك الأول؟!
ربما في تلك الليلة بطفولتي المبكرة، عندما أخبرتني صديقتي بأن القمر يسير معها ليلاً عندما تسير، يتوقف عندما تتوقف، يسرع عندما تسرع، ويبطئ عندما تبطئ!.. ساعتها نظرت إليها مصدومة شاعرة بالخيانة، وقد ظننت أنها كانت هبة القمر الخاصة لي! حسبتني وحدي من يلاحقها القمر! شعوري الأول بالخذلان جعلني أتوقف عن حماقة رفع رأسي إلى السماء، تخلصت من ألم عنقي الذي لطالما تعلق بمراقبة القمر، لكنني حرمت نفسي جمال الليل ونجومه!.. تخيلوا!.. دفعت السماء كلها فاتورة خطيئة قمر مخادع!
متى آلمني الإدراك الثاني؟!
ربما في عمر أكبر قليلاً؛ عندما حملت طبق طعامي المفضل؛ ليصدمني كونه شديد السخونة؛ لكنني خفت من أن أتركه فيسقط وينكسر، احتملت حرارته وصرخت بألم وأنا أحاول التشبث به أكثر بين معصميّ حتى وضعته على المائدة من جديد، بقي هو سليماً، واحتفظ معصماي بندبة ازدادت قتامتها مع الأيام، وهي تذكرني كلما رأيتها أنني امرأة يشق عليها التخلي وإن تأذت! كان آخر طبق تعلقت به بهذا الهوس، وقد فرضت على نفسي دفع فاتورة ندبة الطبق الساخن!
إقرأ أيضاً: لولوة المنصوري تكتب: ظلٌّ في الصدى
متى وخزني الإدراك الثالث؟!
عندما خانتني صديقتي المقربة، وفضحت أسراري للغرباء؛ فقررت ألا أصادق أحداً، وعندما اقتحم اللصوص بابي فقررت ألا أفتحه ولو للجيران، وعندما منحني أحدهم الحب كتفاحة «سنو وايت» المسمومة؛ فاكتفيت منها بقضمة كادت تقتلني، وكرهت بعدها كل صنوف التفاح!
ومتى عانقني الإدراك الأخير؟!
حين التقيتك! كنت قبلك أسمع كل (أحبك) كأنها (سأستغلك)، كل (أنا معك) كأنها (سأهجرك)، وكل (أصالحك!) كأنها (اخبطي رأسك في الجدار!).. كأنني أصر على أن يدفع كل لاجئ لقلبي فواتير خذلان من سبقه من الراحلين، لكنك - وبتعويذة حب آسرة - فككت لعنة الفواتير القديمة، بل ومزقتها تحت قدميّ!.. علمتني أن الزهور تبقى ساحرة ولو قرصني النحل، أن الطريق يبقى واعداً ولو آذاني حصاه، سامحت القمر المخادع، وعشقته معك أكثر، صالحتُ ندبة الطبق الساخن متى طبعتَ قبلتك عليها، وفتحت بابي للأصدقاء والجيران بعدما خيطتُّ أثواب أمانيّ الممزقة، صرت أصدق وعود شجرتك من الياسمين، التي يفوح عطرها ليلاً هامساً لي كل مرة: «لو خاننا ضوء النهار؛ فلنا في نور البدر ملجأ ومتسع!».