التطور السريع الذي تشهده البشرية، سيفرض واقعاً جديداً على سوق العمل خلال السنوات القليلة المقبلة، حيث تدل المؤشرات على أن المهن التقليدية التي نمارسها اليوم ستختفي تدريجياً، لتحل مكانها مهن جديدة وحديثة، كما سيحل الرجل الآلي والكمبيوتر مكان العديد من الأعمال التي يقوم بها البشر حالياً، وتُقدّر الدراسات اختفاء ما يزيد عن ملياري وظيفة بحلول عام 2030، بحسب تقرير نشرته وكالة «بلومبرج» الاقتصادية، فيما ستكون هناك فرص جديدة لوظائف مستحدثة، لكن أغلبها مرتبط بالبرمجة الإلكترونية والتطوير الصناعي والمعرفي.
في السابق، كنّا نوجّه سؤالاً إلى الأطفال عن المهن التي يريدون مُزاولتها مستقبلاً، وكانت تأتي أغلب الردود ما بين (طبيب، مهندس، مُحامٍ، معلم، طيار) وما شابهها من مهن تقليدية، فهذه الأحلام الطفولية تأتي استلهاماً من مهن ذويهم أو بتوجيه منهم، وهذه المهن قد لا تُلغَى نهائياً، لكنها بالتأكيد لن تكون المهن الرائجة خلال السنوات العشر المقبلة، حيث ستحل مكانها مهن أكثر تعقيداً، وأكثر مُلاءمة للتطور التكنولوجي الذي يحكم الأرض بشكل يومي، لذا على الأطفال تغيير تطلّعاتهم وفقاً لـمَـا يتواءم مع المستقبل القريب.
أول الغيث.. قطرة
اليوم، سيطرت شركات حديثة لا مكاتب لها ولا موظفين حقيقيّين فيها على تعامُلاتنا اليومية، فهذه الشركات ما هي إلّا مجرد (تطبيق إلكتروني/ Application) يشتمل على مهن كثيرة، حيث لم نعد في حاجة إلى شركة سياحة وسفر، لإجراء حُجوزات الفنادق وشراء تذاكر السفر مثلاً، كما لم نعد في حاجة إلى الانتظار طويلاً لتصل سيارة الأجرة، بل أصبحنا نطلبها بكبْسة زر من شركة لا تملك أصلاً أي سيارة أجرة، بل تحرّك أسطولاً من السيارات والسائقين المتعاونين معها في أنحاء العالم كافة، وحتى في مجال التسوق أصبحت حاجاتنا تصل إلينا من دون تَكفّل عناء زيارة السوق أو السوبرماركت. ليس هذا وحسب، بل إنّ الدراسة عبر الإنترنت باتت مُتاحة ومطلوبة، فقد نشرت جامعة MIT الأميركية مثلاً، ما يزيد عن 100 مليون مادة تعليمية عبر موقعها، كما أعلن أحد الفنادق في الولايات المتحدة عن توظيف (رجال آليين/ ريبوتات) في مهنة خدمة الغرف، في حالة شهدت استحساناً لدى نزلاء الفندق.
25 مهنة جديدة
«زهرة الخليج» سألت المتخصص في الموارد البشرية في مدارس بوسطن الأميركية، توفيق عثمان، عن مهن المستقبل ونموّها، فأوضح أنها تحمل تنوعاً كبيراً، ولكنها تشترك جميعها في أنها تختص بالذكاء، وقدرتها على توجيه التكنولوجيا لخدمة البشرية على حد وصفه، مُعلقاً: «لا شك في أنّ مهن المستقبل ستعتمد على قدرة الإنسان في تغذية الكمبيوترات والرجال الآليّين بالمعلومات الدقيقة لتطوير عملها، والحلول مكانه». وأشار عثمان إلى أن هناك قائمة تضم نحو 25 مهنة، هي الأبرز من المهن الجديدة وغير التقليدية التي يجب استهدافها من قبل الجيل الجديد، مثل مهن «البرمجة، الجينات، علم النفس الصناعي، الهندسة البيئية، علوم الفضاء، القانون الدولي وغيرها»، مُشدداً على أهمية إدخال هذه المهن إلى المناهج الدراسية حول العالم، لصنع جيل قادر على الانخراط في سوق العمل خلال السنوات العشر المقبلة. وردّاً على استفسارنا حول انقراض بقيّة المهن، أكد توفيق عثمان أنه لن تنقرض جميع المهن، ولكن يجب أن تتطور لتواكب العصر، وضرب مثالاً على ذلك عن عامل التوصيلات الكهربائية حالياً، والذي يجب أن يتأقلم مع تركيب التوصيلات الإلكترونية ويختص في التقنيات الجديدة. ولفت عثمان الانتباه إلى أن تعلّم اللغات بات من أساسيات سوق العمل الجديدة، مُطالباً بتعليم الأطفال خمس لغات من اللغات السائدة، ومنها اللغة الإنجليزية والفرنسية والصينية، ليستطيعوا مستقبلاً التعامل مع مختلف جهات العمل العالمية بسهولة.
وظائف تحت الطلب
يشرح عثمان، بأن من أكثر المهن المهمة مستقبلاً والتي ستكون محط الأنظار، تلك المتعلقة بالبرمجة الإلكترونية، وتأتي في المقدمة مهنة «أمن المعلومات»، حيث يضمَن العامل في هذه المهنة عدم تعرّض المعلومات المتعلقة بالمؤسسة التي يعمل فيها للسرقة أو الغش. وكذلك مهنة «مُطوّر البرمجيات»، الذي يعمل على أنظمة جديدة لأتْمَمَة العمليات بشكل تلقائي. وهناك «علم النفس الصناعي»، حيث ستصبح المصانع الكبيرة في حاجة إلى هذه المهنة ليتابع الموظفون فيها تطورات سوق العمل. أمّا طبّياً، فسيحل «المهندس الطبي» بديلاً عن الطبيب، حيث سيكون في مقدوره تزويد الرجل الآلي بالمعلومات الدقيقة للعمليات الجراحية وأساليب علاج مختلف الأمراض، فيما سيكون لعلم الجينات مكانة مهمة، حيث سيصبح مطلوباً من كل إنسان معرفة مستقبله الصحي بدلاً من ماضيه الصحّي، بهدف تطوير هذه الجينات لتجنب الأمراض الخطيرة والمستعصية. ومن المهن المهمة مستقبلاً أيضاً، ستلمَع مهنة «الهندسة البيئية»، التي يحتاج إليها كوكب الأرض يوماً بعد يوم بسبب التلوث الهائل الذي يشهده كوكبنا، وأيضاً إدارة النفايات الثقيلة وتدويرها وإعادة تكريرها.
الثورة الصناعية الرابعة
عن التغييرات التي يشهدها سوق العمل عربياً وعالمياً، والنصائح التي يُمكننا توجيهها إلى طلاب اليوم، ليستطيعوا دخول سوق العمل مستقبلاً، وواجبات الأسرة ومؤسسات التعليم في هذا المجال، قال المدرب في «PwC مركز تطوير الأعمال»، والرئيس التنفيذي لـ«سوشيال ستيشن» Social Station، أنس المرعي: «إنّ الثورة الصناعية الرابعة، أي الثورة التكنولوجية والرقمية الحاليّة لن تنتظر أحداً، حتى إن كنت على مقاعد الدراسة الجامعية أو الثانوية!». وأشّر مرعي إلى التقرير الأخير لموقع glassdoor الشهير، والذي أعلن عن قائمة تضم أشهر الشركات العالمية الكبرى، التي لم تعد تشترط على المتقدمين لها الحصول على شهادة جامعية! بل تشترط الذكاء والكفاءة والمبادرة والتحلّي بصفات القيادة، على غرار شركات «غوغل»، «أبل»، «ستاربكس»، IBM. مُعلّقاً: «هذا أحد الأدلة على التغيير الجذري الحاصل نتيجة الثورة الرقميّة.. فماذا علينا أن نفعل؟». ويشرح المرعي مستفيضاً: «لو بحثت في «غوغل» عن دورات و«دبلوما» قصيرة للأطفال ابتداءً من سن السادسة، لوجدت العديد من المعاهد والمراكز التدريبية التي توفّر دروساً ودورات تدريبية «أونلاين»، فلم يعد العمل وسوق العمل مرهوناً بتعليمك الجامعي وإنهائه، من هنا يبرز دور الأهل في توجيههم لأطفالهم واستثمار أوقاتهم وملئها بالفائدة، إلى جانب المرح والألعاب».
دعم الأسرة
وحول دور الأسرة في دعم أبنائهم وتشجيعهم نحو التخصصات الجديدة، يقول المرعي: «على الأهل ألّا ينتظروا المدرسة لتطوير أبنائهم، فهناك العديد من المواقع والشركات التي توفّر الدروس لجميع المراحل مثل «غوغل» و«فيسبوك» و«هبسبوت» hubspot وغيرها، وأنا هنا لا أدعوهم إلى إهمال تحصيلهم العلمي، بل أن يقوموا بدعم أبنائهم وبناتهم، من خريجي الثانوية العامة وقبل دخول الجامعات، بالانضمام إلى مبادرات عالمية لها آفاقها، كمُبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي (رعاه الله)، وهي (مليون مُبرمج عربي). وأن يلتحقوا بالدروس عبر منصّات التعليم الإلكترونية». كما وجّه المرعي نصائحه إلى الطلاب قائلاً: «إن كنت مُصرّاً على الالتحاق بالجامعة فور انتهائك من الثانوية العامة؛ التحق بتخصص تحبّه أنت وإذا كنت لا تعلم ما تحب، فاقرأ كتاب «ثاني لفّة يمين» لمؤلفه د.أمجد جنباز، ولا تستمع كثيراً لرغبات أهلك وأصدقائك، لأنك ستُكمل طريقك وحدك وستذهب إلى عملك وحدك، فلن تصحبهم معك ولن يواسوك في حال عدم رغبتك في التخصص. لذا، لا تتردد في تغيير تخصصك إن لم يُعجبك أو لم تشعر بأنه ما تبحث عنه».
10 وظائف مستقبلية
1 البرمجة: كل ما يتعلق بالبرمجة وتغذية المعلومات.
2 أمن المعلومات: مُحاربة حوادث الاختراق وتسريب البيانات الشخصية للأفراد والشركات.
3 تحليل البيانات: تقديم المساعدة للشركات الكبيرة في اتخاذ القرارات المصيريّة.
4 الطاقة البديلة: التحول من الطاقة الكهربائية إلى الطاقة الشمسية والنظيفة.
5 القانون الدولي: القضايا المقبلة لن تعترف بالحدود الجغرافية.
6 الطباعة ثلاثية الأبعاد: بداية من التصميم إلى التنفيذ وصولاً إلى الصيانة.
7 التعليم عن بُعد: الانتقال من التعليم الواقعي إلى التعليم الافتراضي.
8 التسويق: خبراء بناء استراتيجيات التسويق وتنفيذها.
9 المستشار الشخصي: مساعدة الأشخاص على تجاوز مشكلاتهم ووضع خطط لحياتهم.
10 المدير المالي: الاهتمام بحركة المال والحسابات في الشركات.
10 وظائف ستنقرض
1 الصرّاف: حيث سيحل بدلاً عنه الصراف الآلي.
2 التسويق عبر الهاتف: سيصبح التسويق عبر الإنترنت.
3 المراسلون: سيصبح أي شخص مُراسلاً مقابل مبالغ رمزية تُحوّل له مباشرة.
4 عمّال مراقبة الإنتاج: سيُصبح الإنتاج كاملاً من خلال الرجال الآليّين.
5 توصيل الصحف: ستستبدل بالقراءة الإلكترونية.
6 وكالات السياحة والسفر: بدأ استبدالها بمواقع إلكترونية.
7 شركات سيارات الأجرة: بدأ فعلاً استبدالها بشركات عالمية عبر التطبيقات الإلكترونية.
8 مراقبي المرور: سيتم استبدالهم بكاميرات الفيديو.
9 حكام المباريات: أيضاً سيتم استبدالهم بكاميرات الفيديو.
10 مهندسو الكهرباء: لن نحتاج إلى مهندسي الكهرباء بعد وصول الطاقة النظيفة.