تحولت الإمارات إلى دولة عصرية مُتقدّمة، يحلم كثيرون بزيارتها ومُشاهدة العمران الجميل والحديث الذي تزدان به، والذي يُصنّفها من بين أجمل الدول وأكثرها تطوراً، إلّا أنها لا تزال وفيّة لتراثها العريق الذي يرجع إلى آلاف السنين، ويفتخر أبناؤها بهذا الموروث من الآباء والأجداد ويعملون بجد وجُهد للحفاظ عليه، كي لا يندثر وسط ثقافات كثيرة تعيش تحت سماء الدولة. ومعروفٌ أن تراث الإمارات غنيٌّ بالسّمات الثقافية، مثل المتاحف والأماكن الأثرية، والحرف والصناعات القديمة، والملابس الشعبية والأكلات التراثية ومَراسم الزواج والمناسبات الدينية، إلى الألعاب والرياضات والمسمَّيات الشعبية وغيرها من العادات والتقاليد وطقوس الأعياد، التي لا تزال حيّة في كل بيت إماراتي. هذا الواقع يحفّز المسؤولين والشعب على توحيد الجهود للحفاظ على التراث، وجعله واجباً وطنيّاً يُبرز عراقة الوطن وأصالة تاريخ المنطقة. فكيف يتحقق ذلك؟ خبراء تراث أجابوا على تساؤل «زهرة الخليج».

لم يَمُت لنُحْييه

«المبادرات المرتبطة بالتراث التي نشهدها اليوم، ليست لإحياء التراث بل لتطويره والحفاظ عليه، فالتراث ماثلٌ في كل بيت إماراتي ولم يمُت لنُحييه». بهذه الكلمات تختصر خبيرة التراث فاطمة المغني، رأيها في موضوع (إحياء التراث)، وتقول: «التراث موجود في قلوبنا والعمل جارٍ حالياً على تعريفه وإظهاره على الساحة المحلية، بهدف نقله إلى الأبناء الذين نعتبرهم جيل التكنولوجيا ولم يعيشوا في زمن أسلافهم، ويختبروا الحياة القديمة والطقوس الشعبية واللعب في الطبيعة. نُريد لهؤلاء أن يحبّوا تراثهم ويتمسّكوا به حتى لا يضيع منهم في زمن العولمة». وتتابع: «للتذكير بتراثنا يجب إقامة المهرجانات الثقافية والورش التدريبية التي يعلم فيها حرفي من الريع القديم الجيل الجديد، الحرف التقليدية القديمة. ولا ضَيْر من تعليم تراثنا في المدارس من خلال إلزام المناهج الدراسية به».
 
تطوير التراث

بدورها، تشير خبيرة التراث غاية الظاهري، إلى أنّ: «تراث الإمارات يمتد منذ العصر الحجري، أي منذ سبعة آلاف سنة. قد لا يكون مكتوباً، لكن الآثار التي وجدت والمصنوعات الحجرية والبرونزية تؤكد ذلك، كما أن الرّي بالأفلاج يعود للعصر الحديدي، ومستوطنات جبل حفيت وحضارة أم النار وهيلي وغيرها، هي تاريخ لحضارة استيطان لم تنقطع واستمرت إلى عصرنا الحالي، ومنظمة «اليونيسكو» وضعت منطقة العين على خارطة التراث العالمي الإنساني، لأنها عندما نقّبت فيها وجدت الآثار الكثيرة». وتضيف: «التراث الذي ورثناهُ عن الأجداد، يجب أن نحوّله إلى أسلوب حياة متطور يواكب متطلبات العصر ويتماشى مع شخصيتنا اليوم، ولكي نحفظه من الزوال علينا أن نحوّله إلى ثقافة مكتوبة». وتُعقّب: «قد يتساءل البعض ما هو التراث فأجيبه بأن لغتنا ولهجتنا هي تراث، عاداتنا وتقاليدنا وطقوسنا وأسلوب حياتنا هي تراث. والمطلوب من المؤسسات التي تُعنَى بالتراث أن تحوّله إلى إبداع ثقافي بتوكيل أقلام مُبدعة لتكتب عنه، ولا تكتفي بنقله مثلما هو. على أن تغوص الكتابة في تطوير الفولكلور الثقافي الإماراتي، وتطال جميع الفنون من شعر وأدب وأداء ورسم ورقص وموسيقى، والرياضات البحرية والصيد بالصقور وسباقات الهجن». وتختتم غاية الظاهري قائلة: «الحفاظ على التراث مسؤولية مشتركة بين الجهات الحكومية وأفراد المجتمع».

ميراث السَّلف

من جهته، يُعرّف الباحث في التاريخ والآثار والتراث والفولكلور، محمد خميس بن عبود النقبي، التراث في ذاكرة الشعوب على أنه «ميراث يُخلّفه السّلف للخَلف، وهو عبارة عن مجموعة من المعارف والعادات والتقاليد، مع الإشارة إلى اختلاف نمط وحضارة كل شعب عن آخر». ومنطلقاً من أن التراث هو كنز الشعوب، يقول: «المبادرات لحفظ التراث مستمرة، وقد بدأها الراحل الكبير، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (طيّب الله ثراه)، بكلمته المشهورة «مَن ليْسَ لهُ مَاضٍ ليْسَ لهُ حاضر ولا مستقبل»، وأقام مناطق كثيرة لإحياء التراث، وهي اليوم في ازدياد، لاسيّما في العاصمة أبوظبي، وقد استمرت هذه المبادرات وانتقلت إلى وسائل الإعلام والكتب والمدارس والبيوت من خلال إقامة المتاحف الشخصية، ما يُشير إلى الاهتمام بالكنوز المتوارثة التي يجب أن تُحفظ من الاندثار». ويتابع في الإطار عينه: «لقد هَبّ كل الإماراتيين لإحياء التراث، لأنهم أدركوا أنه يُحاكي الأجيال القادمة وعليهم أن يَحْمُوه، إنْ من خلال اقتنائه أو بالاحتفاظ به في الأماكن المخصصة له. يعرف الجميع أن التراث يجب أن يبقى إلى الأبد كمَن يحمل عمره أو ذاته، فهو في لهجتنا وملابسنا وأخلاقيّاتنا، وهو نبراس يُضيء طريق الأجيال ويخبرهم عن تكبّد الأجداد المعاناة وضيق الحياة. وبسبب وعينا لأهمية تراثنا، بتنا لا نستقبل الزوار من العالم لنُطلعهم على إرث أجدادنا فحسب، إنما نذهب به إليهم في دولهم لنطلعهم عليه».