كان المخرج الروسي العظيم أندري تاركوفسكي يعتقد أن «اللون يشكل عائقاً رئيسياً في خلق الإحساس الحقيقي بالصدق على الشاشة، وأنه أصبح ضرورة تجارية أكثر منها إمكانية جمالية».
ولذا فهو يتفهّم كثيراً أن يكون هناك توجّه لتحقيق الأفلام بالأبيض والأسود في عقود السينما الأخيرة، فهي بطريقة ما تشي برؤية فنية وجمالية يعبّر عنها مخرج العمل ويعتقد أنها الأنسب حينها.
ولذا حتى تاركوفسكي نفسه لم يقدم من أعماله السبعة الشهيرة فيلماً ملوناً بالكامل، سوى آخر أفلامه The Sacrifice 1986، وهذا ما يعطي حديثه قيمة إضافية حينما يقول: «إن إدراك اللون هو ظاهرة فسيولوجية وسيكولوجية.. وينبغي فعل شيء لتحييده إذا أراد الفنان أن يكون أميناً للحياة. هنا يتعين عليه أن يقوم بمحاولة لتحييد اللون وتخفيف آثاره على الجمهور». بالتأكيد هي وجهة نظر من مخرج كبير ومهم لكننا في المقابل، يمكن أن ننظر إلى اللون بشكل مختلف حينما نشاهد بعض أعمال كبار المخرجين أيضاً... كوروساوا مثلاً في فيلمه Dreams 1990، لكننا بعيداً عن الجانب الفني في النظر إلى موضوع اللون، لنلقي نظرة سريعة حول دخول اللون في السينما.
بداية عصر الألوان
لا يمكننا تحديد تاريخ على وجه الدقة أو فيلم يمكن اعتباره بداية عصر الألوان في السينما. فهو كالصوت تماماً ظل لفترة طويلة عنصراً من عناصر التجربة السينمائية، ثم جاء أخيراً كنتيجة تراكمية. ففي بداية السينما كانت هناك محاولات واسعة الانتشار للتلوين اليدوي في الأشرطة السينمائية وخاصة في الأفلام القصيرة جداً، التي لا تُكلفها هذه العملية اقتصادياً. ويُذكر أن ميليس قام بتوظيف 21 سيدة في استديوهات «مونتريه» للقيام بالتلوين اليدوي، كما كان يفعل أديسون كذلك حينما صبغ جزءاً من فيلمه «سرقة القطار الكبرى» - أول فيلم ويسترن - وهو مشهد انفجار البارود.
وعندما زاد طول الأفلام كان لا بدّ من حل آخر، وهو ما فعله الفرنسي شارل باتيه عام 1905 - أو نابليون السينما كما يُسمّيه المؤرخ السينمائي جورج سادول - حينما اخترع طريقة آليّة، تقوم على تلوين الشريط السينمائي بعد تصويره عن طريق ألواح مثقوبة يمر عليها الشريط، حيث تتطابق هذه الثقوب مع المناطق المراد تلوينها بستة ألوان مُتاحة. وبحلول عام 1910 كان عند شارل باتيه وأخيه ما يزيد على 500 عاملة للتلوين بهذه الطريقة التي كانت تسمّى الـ«استنسل». ومع حلول الثلاثينات الميلادية كانت هذه الطريقة منتشرة في كل أوروبا.
تلوين بميزانيات كبيرة
أمّا في أميركا، فكانت هناك طريقة أخرى للتلوين تم تسجيلها في مدينة سانت لويس عام 1916، وتُعرف باسم «عملية هاند شيجل»، وهي طريقة تُتيح استعمال ثلاثة ألوان في الأفلام ذات الميزانيات الكبيرة، مثل فيلم «شبح الأوبرا» عام 1925 لروبيرت جوليان.
وعندما أصبحت السينما صناعة عالمية كبرى خلال العشرينات، كانت هناك حاجة إلى إنتاج كمية كبيرة من النسخ أدّت إلى تطور طرائق الصبغ والتلوين، والتي كانت تعتمد على تلوين آلي يأتي بعد التصوير، وكان البعض يقوم بتلوين مشاهد معينة فقط من الفيلم. مع ما تتضمنه هذه الطريقة من مشاكل وعدم دقة خاصة من دخول الصوت، حيث أصبحت الصبغات تؤثر في الصوت نفسه المسجل على شريط السليولويد. وهنا جاء دور شركة «أيستمان كوداك» التي اخترعت عام 1929 شريط السونو كروم، وهو شريط سليولويد حساس بالأبيض والأسود، مُتاح أصلاً بأصباغ متعددة تُطابق تلك التي تستعمل في الطريقة الآلية السابقة، ويعني هذا أن عملية الصبغ أصبحت تتم قبل التصوير لا بعده كما كان. لذا، فقد كان على المنتج أو المخرج أن يختار الفيلم الخام بالصبغة التي تُلائم ما يريد هو تحقيقه من مؤثرات خاصة.
خطى سريعة
وهكذا استمر مجال التصوير السينمائي الملون يسير بخطى سريعة ليصل إلى الطريقة المثالية المتّبعة حالياً. مارّاً خلالها بعدد كبير ومتسارع من التجارب والمحاولات، أهمها ما فعلته شركة «تكنيكلر» التي استمرت حتى السبعينات، وساعدت طريقتها الجديدة التي خرجت في العشرينات على الاستخدام التجاري وإتاحة إنتاج نسخ متعددة من الأفلام الطويلة. وأصبحت طريقة شركة «تكنيكلر» هي الأشهر، والمعتمدة حتى عند كبريات شركات الإنتاج السينمائي الأميركية. وكان الفيلم الشهير «ذهب مع الريح»، الأنموذج الأمثل لنجاح وفعالية طريقة «التكنيكلر» بقدر أقل من عيوب التلوين. وعلى الرغم من أن تكاليف هذه الطريقة حدت من انتشارها، إلا أن الشركة استطاعت التغلب على ذلك في عام 1941، من خلال إنتاج شريط «مونوباك تكنيكلر».