يقول هنري آجيل «السينما هي (الفن الشامل) الذي تتجه نحوه كل الفنون الأخرى، وسنصل إلى وقت تكون فيه السينما الفن الوحيد القادر على الاستجابة للاحتياجات الجماعية الكبرى». الحقيقة أنه منذ بدأت السينما أواخر القرن التاسع عشر عام 1895، ثم انتشرت وازدهرت في القرن العشرين حتى أطلق عليها الكاتب الإيطالي ريتشيوتو كانودو مسمى (الفن السابع)، الذي جاء بعد الفنون الستة السابقة بزمن طويل مثل الرسم والموسيقى والمسرح، وهي تحت العديد من المحاولات النقدية والتحليلية لوصف السينما، وكشف جمالياتها وقدراتها التعبيرية ومستوى التأثير الذي تحدثه على الناس الذين يتفاعلون معها.
كتابات نقدية
يشير الناقد السينمائي الإيطالي أرستاركو في كتابه (تاريخ نظريات الفيلم) إلى أوليك الذين سماهم بـ(الرواد)، ويعني بهم أول من فكروا وكتبوا في جماليات السينما مثل: كانودو وديلوك وريختر ودولاك قبل أن يقوم بدراسة هذه الكتابات النقدية باستفاضة، مبتدئاً بالألماني بيلا بالاش الذي يعتبر كتابه (فن التعليم) المنشور عام 1924 في برلين، أول عمل نظري مهم ثم يتكلم عن الروسي الشهير بودفكين والذي نشر كتابه (المخرج السينمائي وأدواته) في موسكو عام 1926، ثم المخرج الأهم والمؤثر فيما يسمى عملية المونتاج، والمؤلف السينمائي سيرجي أزنشتاين والذي كان يكتب مقالات متنوعة في جماليات السينما مطلع الثلاثينات الميلادية، وأخيراً الألماني أرنهايم والذي كان له بحث مهم في السينما عام 1932. من دون أن نتناسى، كما يقول الكاتب مارسيل مارتن في كتابه (اللغة السينمائية)، آخرين أسهموا في الكتابة عن جماليات السينما في وقت مبكر، مثل موسيناك الذي نشر عام 1925 كتابه (مولد السينما)، وتيموشنكو والذي كان له مؤلف في هذا الشأن عام 1928، والروسي كوليشوف والذي كان متعاوناً مع بودفكين. على الرغم من أن منهجية كل هؤلاء الكتاب، لم تكن محكمة وشاملة كما هي الحال في الدراسات المتأخرة في مجال جماليات السينما، لكن فضلها الكبير ودورها المهم لا يمكن تجاهلهما.
قدرة تعبيرية
في كتابه «الفيلم كعمل فني» الذي صدر مطلع الثلاثينات من القرن الماضي، يقول الناقد الألماني رودولف أرنهايم: «الغريب في الأمر أنني كنت أؤمن بأنه لو لم توجد السينما حقاً، لكان في الإمكان تجسيد إمكاناتها التعبيرية عن طريق صور فوتوغرافية متحركة، وهو أمر قد حاولته بالفعل»، لكنه في النهاية كما يذكر هنري آجل أن أرنهايم وصل إلى ما وصل إليه آخرون من قبله مثل الروسي بودفكين، وهو أن الطابع السينمائي للسينما يكمن في الفارق القائم بين الأحداث الحقيقية وإعادة إنتاجها.
صناعة تجارية
إذا ما أردنا تبسيط الموضوع حول جماليات السينما وتجاوزها الفنون السابقة، فسنلاحظ على الفور كيف أن الفيلم يحوي عدداً من تلك الفنون التي سبقته كالموسيقى والصورة والرقص والمسرح والرسم والأدب والشعر وغيرها. لكن الأمر الأكثر عمقاً في جماليات السينما هو القدرة التعبيرية ذاتها، مما لا يتحقق كثيراً في أي من الفنون السابقة، إضافة إلى قدرتها الهائلة في الانتشار والوصول والتحول لصناعة تجارية ناجحة، مما حدا بالإيطالي لويجي كياريني أن يقول «الفيلم فن والسينما صناعة».
قيمة أكبر
في محاولة لتتبع كل هذا الحديث عن جماليات السينما، سنجد أن الأمر يتمحور في البداية حول ما نسميه بالتوليف السينمائي، أي عملية المونتاج والتي تولد معنى فنياً مؤثراً حينما يقوم مخرج ما يتميز بالعبقرية والتفرد، مثل الأميركي ديفيد غريفيث والروسي سيرجي أزنشتاين، بإعطاء معنى جديد في لقطة أو صورة ما نتيجة لقطات سابقة وهكذا. ثم تحول الأمر إلى الحديث عن جماليات السينما المتفردة عن غيرها من الفنون من جهة الاختزال في الزمن والتنقل في المكان، قبل أن يتحول الحديث عن جماليات شكلية تتعلق باللون والإضاءة والصورة إجمالاً، والصوت والموسيقى والمؤثرات ثم الجماليات الناتجة عن المعنى المضمن في المشهد وأداء الشخصيات والطريقة السردية التي يقدمها الفيلم لحكاية ما. وهنا سنلحظ أن العوامل التي تبرز جماليات الفيلم السينمائي، لا يكاد يمكن حصرها وينتهي الحديث حولها، ولطالما كانت هي محل النقاش والجدل والتحليل لدى النقاد والدارسين حتى على المستوى الأكاديمي في الجامعات والمعاهد المتخصصة. ومما لا شك فيه أن الوصول إلى هذا المستوى من دراسة جماليات السينما ونظريات الفيلم هو ما يعطي الفيلم قيمة أكبر من المشاهدة العادية التي تتوقف غالباً على الإعجاب بالفيلم من عدمه.