في سيرة الحكام، سيذكر التاريخ دوماً أن بجلوس المغفور له الشيخ زايد طيب الله ثراه على كرسي حكم إمارة أبوظبي، في السادس من أغسطس عام 1966، أهدى الزمان الإمارات إنساناً خلق من روح المحبة، وعجنت طينته بإكسير التسامح الممزوج بتبر الحكمة، أحب بلاده وسكانها بعمق قيمة الخير في ثنايا قلبه الأخضر، بادلوه حباً بحب، فجاد على صحرائها بسحائب الكرم والوفاء فاشتعلت جناناً ورياضاً أورقت أشجارها معرفة تُوحد وتحترم الاختلاف.
«زهرة الخليج» تفتح صفحاتها لتوقيع مجموعة من أبناء الإمارات على «دفتر حب زايد» تجسيداً لمقولة «أحببتنا فأحببناك» في اليوم الوطني الثامن والأربعين.

تتساءل عضو هيئة التدريس في كليات التقنية العليا والعضو السابق في المجلس الوطني الاتحادي والبرلمان العربي الدكتورة شيخة العري: «لا ندري إن كان زايد حكاية حب ترددها الأجيال باقية في الوجدان، أم نموذجاً صاغه التاريخ فصار ضياء وهدى للحكمة والعطاء والمحبة؟» وتضيف: «أثره في قلوبنا باقٍ كأنه لم يرحل، هو حاضر معنا في كل ومضة إنسانية وفعل خير وسيرة باذخة، نراه في كل زاوية، في كل طريق مسفلت، بكل مدرسة وجامعة، وفي كل الأشجار المثمرة والحدائق، موجود بعطائه من أقصى البلاد إلى أقصاها، حتى عندما نسافر نحمله في دواخلنا، نعكس كل قيمه وسيرته الخيرة فيرى فينا الجميع (عيال زايد) أوفياء لقيمه ومبادئه وإنسانيته».

أهديتنا وطناً
من وجهة نظر مستشارة البحوث في الأرشيف الوطني، الدكتورة عائشة بالخير، أن عبارة «أحببتنا فأحببناك» تعكس مبادرة الباني المؤسس الشيخ زايد، طيب الله ثراه، الذي أحب شعبه وكل من عاش على أرض الإمارات بالعدل والتساوي، وتوضح بالقول: «بادر (رحمه الله) بحبٍّ غير مشروط ونظر إلينا جميعاً بأملٍ وتطلع لصنع الإنسان الإماراتي وصون كرامته وتعزيز آدميته وتمكينه، لبناء جسور من التواصل والتراحم والتلاحم». وتضيف: «سخر لنا الشيخ زايد، الصعاب وذلل التحديات ووفر لنا سبل الراحة ورعاية الفرد من ولادته إلى نهاية العمر، ورداً لكل هذا الجميل ماذا يسعنا أن نفعل؟ لقد أدخل الشيخ زايد في قلوبنا وفي سلوكياتنا واقعاً يعكس القيم الأخلاقية التي توازي هذه المنظومة المتكاملة والنموذج الفريد الذي بناه،  لذا فإن محبته التي جاءت سابقة لتصورنا، لا نردها إلا بولاء وانتماء وعطاء وإخلاص، يسهم إيجاباً في توسيع دائرة التأثير والقوة الناعمة، التي نتمنى أن تكون مثالاً يحتذى به لمجتمعات وقيادات الدول، لا سيما في مجال تمكين المرأة وريادتها، لذلك نقول أهديتنا وطناً نحن فداك».

أيادٍ بيضاء
يرى رئيس جمعية التراث العمراني في الإمارات، المهندس رشاد بوخش، أن حب زايد لبلاده ولأبنائه يتجسد في كل بقعة في الإمارات، وينبض به كل قلب عاصره وحتى قلوب الذين لم يعاصروه، ويشرح: «كان والداً للجميع نثر حبه ورعايته ومد أياديه البيضاء لكل من حوله، لقد زرت حوالي 80 دولة حول العالم، لم تغب سيرته في معظمها، بنى مدناً للفقراء في كثير من الدول العربية، وتتحدث عنه المستشفيات والمساجد والمشاريع الخيرية في كل الأرجاء القريبة والبعيدة، كان إحسانه للإنسانية يسبقه أينما حل». وفوق ذلك يلفت بوخش «خلف إرثاً سياسياً واجتماعياً وثقافياً، حمل على أثره لقب حكيم العرب، وأصبح رمزاً عالمياً تتباهى به أجيال الإمارات، كما ترك سيرة عطرة وإنجازاً عبقرياً غير مسبوق عاد على بلاده بالرفعة والرفاهية ومطبوعاً في ذاكرة الجميع ومقترناً بالحب والوفاء لذكراه».

كاريزما وحب
يقول الشاعر والناقد الإماراتي محمد عبد الله نور الدين: «كان المغفور له بإذن الله الشيخ زايد رجلاً بسيطاً وفي نفس الوقت لديه كاريزما وحضور إنساني طاغٍ غمر من حوله حباً ووداً». ويضيف نور الدين: «كانت لديه علاقة وطيدة مع الطبيعة ومع الإنسان في ارتباط فطري إيجابي، وهذا ما جعله قريباً من قلوب كل الناس، كان عطوفاً على الإنسان والحيوان والطير، وحتى الأرض الجماد اهتم بزراعتها وتعميرها وبث الحياة فيها، فلا إرادياً تنشأ بينه وبين من عاصره أو قابله أو حتى سمع بسيرته، أمشاج من الراحة والألفة والمحبة». ويستذكر نور الدين أثر زايد عليه، والذي دفعه إلى تناول شعر المغفور له الشيخ زايد في أكثر من كتاب بالقول: «يمثل شعر الشيخ زايد جزءاً مهماً من تكويني الثقافي، إذ كثيراً ما أراجع كلماته مراراً وتكراراً فأغوص فيها عميقاً متنسماً حكمته وعاطفته الفطرية، لذا حينما أكتب عن الشيخ زايد أشعر بأني اكتشف كل مرة درراً جديدة. وحبي لشعره نابع من حبي لشخصه وقوافيه الصادقة العميقة السهلة الممتنعة، والتي تتناغم معانيها مع ما يؤمن به ومع أفعاله المحبة والتي أهدت من حوله وطناً يلهج بسيرته».

نشر الثقافة
تحدثت الفنانة التشكيلية الإماراتية آلاء إدريس، قائلة: «على مستوى الإمارات، كان زايد هو الأمل الذي تعلقت به قلوب أهلها، ليغير أحوالهم إلى الأفضل والأجمل، فاهتم بكل صغيرة وكبيرة حتى يصل بالإمارات إلى ما وصلت إليه اليوم، من تقدم ورخاء ورفعة، وكان بشكل عام داعماً للفنون، ولديه اهتمامات واسعة متمثلة في نشر الثقافة المحلية والتعريف بالثقافات العالمية والانفتاح عليها. فقد كان، رحمه الله، نصيراً للمرأة، اهتم بتعليمها وشجع على مشاركتها في الحياة الاجتماعية والعملية، وكان مهتماً بإبداعها، فوجدت المرأة الإماراتية طريقاً معبداً وممهداً لإخراج طاقاتها الإبداعية في هذا المجال، إذ كان لنساء الإمارات نصيب كبير من حبه ووعيه بحقوقهن فبادلنه حباً بحب، وتكريمه لهن بتكريم، ولم تذكر سيرته العطرة بين الجميع إلا وكان له النصيب الأكبر من الثناء والمحبة».

والد الجميع
تجد المذيعة والإعلامية مزون الحميري أن أهم ما جعل قلوب أهل الإمارات تتوحد مع قلب المغفور له الشيخ زايد، هو أنه بسط جناح أبوته على الجميع، شارحةً: «رعاهم كما يرعى الأب أبناءه، بسط عليهم جناح محبته وأبوته، وحرص على كل صغيرة وكبيرة، كما يحرص رب البيت على توفيرها لعياله، لذا تجد الجميع في الإمارات يقولون إنهم من عيال زايد، ومنذ تفتح وعينا تعودنا أن نقول (بابا زايد). ويكفي أن بعض تواقيعه في المراسيم الرسمية كان يكتبها باسم (والدكم زايد بن سلطان آل نهيان). فكل من على ارض الإمارات أحبه، أكرمنا بعطائه وإنسانيته وعشنا تحت ظل حكمه وحبه حبه لنا، وسيبقى حبه دينا علينا لا نستطيع إيفاءه ما عشنا، ونحاول رد بعضه بوفائنا للوطن، وبمحافظتنا على الصورة الجميلة التي طالما أرادها هو لعياله».

رمز وقائد
يقول الإعلامي والناشط في «السوشيال ميديا» منذر المزكي إن حب وتقدير الأب المؤسس الشيخ زايد، لم يأتِ من فراغ، مضيفاً: «عمل رحمه الله على تسخير خيرات بلاده وإمكانياتها، ليس لخدمة أهلها فقط، وإنما لخدمة القضايا الإنسانية كافة، فعند الحاجة للحكمة تجده حاضراً، وعند الحاجة للدعم يمد يده بكرم غير مسبوق، فهو موجود دائماً لقضاء الحاجات وتقديم العون وهذا سر حب الناس وإجماعهم عليه، فأينما وجدت قضية تحتاج إلى حكمة والى محبة وتسامح وإلى رأي وقيادة، كان زايد موجوداً وعلى قدر حب زايد لأهل الإمارات، كان حبهم له». ويتابع المزكي: «لم يكن زايد فقط من الرموز التاريخية المهمة التي يفخر بها شعب الإمارات، وإنما توحدت حوله قلوب جميع الشعوب المقيمين في بلاده، ومن سمعوا بسيرته ومن لحقهم خيره، فقد كان قائداً ورمزاً عربياً توحدت قلوب الشعوب العربية حوله، وتجمعت على حبه وتقديره للمواقف العظيمة التي ساندهم فيها بحب وحكمة وأيادٍ مبذولة بالخير».

عبقرية وتوارث
لا يجد الناشط في «السوشيال ميديا»، خالد السناني، في الشيخ زايد قائداً وحاكماً فحسب، بل يستطرد: «إنما كان قلباً ينبض بالحب والإنسانية أيضاً، كان ملكاً للقلوب ووالداً للجميع، فنهلوا من فيض رعايته ودعمه، وعاشوا تحت ظله وحكمه في عدل ورخاء ومحبة، لذا أحبوه حباً خالصاً نادراً ما يكنه شعب لقائد، وعبقرية هذا الحب تمثلت كذلك في أن تتوارثه الأجيال، وستظل تتوارثه». ويضيف السناني: «عمل الفقيد الراحل بجد وتفاني لخدمة الوطن وإنسانه، فأثمر النهضة والتقدم الذي تشهده اليوم دولة الإمارات، وقد اقترنت منجزاته المحلية مع إنجازات إنسانية وخيرة أخرى، امتدت في كل العالم العربي ودول العالم الغربي أيضاً وهذا سر محبته من قبل الجميع».

أثر لا يزول
تلخص الباحثة في التراث شيخة الحاي حديثها عن المغفور له الشيخ زايد، بالقول: «زايد أحب شعبه فأحبوه عن قناعة، وأحب العرب والعروبة فلهج لسانهم بثنائه من قلوبهم». وتضيف: «حبه وجد في قلب الصغير والكبير المرأة والرجل الشاب والشايب، ولم يقف هذا الحب عند أهل دولته فقط، بل أحبه كل من يعيش على أرض الإمارات، وبهذا الحب كان محط أنظار العالم، فقد كان رحمه الله رجلاً متسامحاً من قوته بدينه وأخلاقه، فقد فرض احترامه وتقديره على القاصي والداني في العالمين العربي والإسلامي، هو حكيم يمتلك فراسة لم يمتلكها أحد، يعرف الناس من أول نظرة وأي نوع من البشر. وقد وهب زايد نفسه لبناء وطنه وخدمة مواطنيه وتحقيق طموحاتهم في الحياة». وتستذكر الحاي: «بعد رحيله ردد الناس (لم يمت زايد في قلوبنا) فبعد أن غيبه الموت، رحل وترك لنا بصمات أعماله الخيرة شاهدة في كل مكان، ترك وطناً أسسه على المحبة والتسامح والسلام، وترك خلفه أجيالاً صنعها كي تعيش معه كل يوم تذكره وتشدو له بأجمل العبارات».

معادلة الحب
الحب من وجهة نظر المدير العام لدار كتّاب للنشر، والأمين العام لجائزة الإمارات للرواية، جمال الشحي، هو السمة التي زينت كل علاقات المغفور له بإذن الله الشيخ زايد في كل عمله وعلاقاته بشعبه، موضحاً: «كان لديه طاقة هائلة من الحب نقلها بصورة فطرية إلى جميع أطياف المجتمع الإماراتي فبادلوه حباً بحب، كانت معادلة الحب حاضرة طوال حكم زايد، وبهذه المحبة صنع أعظم اتحاد ليكون تجسيداً للتعايش والترابط والمحبة، وقد أرسى المغفور له العلاقة بينه وبين شعبه على أسس الرحمة والعطف، فكانت علاقة الوالد بولده بكل ما تحمله من احتواء ورعاية وعون».