النجومية على «السوشيال ميديا»، هي أكثر ما يبحث عنه الملايين حول العالم الآن، ويبدو أن نبوءة آندي وارهول، واحد من أكثر الفنانين شهرة في القرنِ العشرين، والتي تقول إن المستقبل سيحمل وعداً لكل إنسان، مهما بدا بسيطاً أو هامشياً، بخمس عشرة دقيقة من الشهرة، قد تحققت اليوم، فهل هذه المنصات بالفعل تقدم الأضواء لمن لا يستحقون؟ ويبدو أن كمية المعلومات المتدفقة وسرعة انتشارها على وسائل التواصل الاجتماعي، هي السبب الرئيسي في أغراء كثير من الذين يحاولون الحصول على الشهرة، بحيث لا يستطيع أحد أن يميز بين الحقيقي والمزيف، إضافة إلى حالة الاستسهال في تقديم محتوى مفيد، إذ بات كل شخص ينشر مضموناً تافهاً، أو يردد أغنية مبهمة أو يمارس تهريجاً ركيكاً يصبح نجماً على هذه المنصات، من دون أن يستفيد المتلقي أي قيمة واضحة لا تفيد ولكنها قد تضر. «زهرة الخليج» بحثت الأمر مع أصحاب الاختصاص.

 أسباب غير منطقية

 في ذات السياق ترى الإعلامية الإماراتية، صفية الشحي، أن وسائل التواصل الاجتماعي، تحولت إلى «بديل لحضورنا الإنساني»، وتضيف: «هي لم تعد مجرد امتداد لحواسنا، بل أصبحت قادرة على أن تكون حواس جديدة، نبدو في معظم الوقت عاجزين، في حالة عدم اتصالنا بها أي كأننا من دون حواس في عدم وجودها. فهي عززت الفردية عند البشر، وتحولت إلى منصات حقيقية لمن لا يملكون أصواتاً». لذلك وحده كما تقول الشحي: «أصبح مِن حق الجميع أن يكون لهم حضورهم، الذي يجب ألا يبرر بأسباب منطقية، كما كان يحدث في زمن الإعلام التقليدي، وبالتالي ظهرت شخصيات كثيرة قد تكون مهمشة أو غير معروفة، وتحول كثيرون إلى مشاهير رقميين إن جاز القول، وذلك لا يمت بصلة للمحتوى أو الهدف المنطقي، إذ قد يكون السبب وراء هذا الظهور هو لمجرد الظهور حتى وإن كان بطرق مستهجنة».

وتعزي الشحي السبب في انتشار الظاهرة إلى «يحدث بسبب ذلك غياب للمؤثرين الحقيقيين أو من يحتاجهم المجتمع، من أجل تحقيق أهداف التغيير والتوعية أو التثقيف، أو انسحاب أمام هذا التسونامي الرقمي والفوضى من المعلومات والشخصيات». وتعتقد الشحي أن التصحيح يمكن من خلال «أن يجد المؤثر الحقيقي طريقة مختلفة لاستثمار مواهبه وخبراته لخدمة مجتمعه، ويمكن له أن يؤدي أدواراً مختلفة ولكن مع التكيف مع عناصر السرعة والمفاجأة والابتكار، وهي متطلبات فرضها العصر الرقمي ولا نملك أمام ذلك سوى التكيف».

مريم يحيى: لا نستطيع أن نقيم المشاهير ونتغاضى عن الجمهور

الفاشينستا ومصممة الأزياء المصرية – الفرنسية، مريم يحيى، والشهيرة بـ«مس كيبا»، التي يزيد عدد متابعيها في انستجرام على 111 ألف متابع، تتحفظ على القول بشكل مطلق، بأن مواقع التواصل الاجتماعي تساعد على خلق مجموعة كبيرة من (التافهين) وتصعدهم كنجوم، موضحة: «بما يخص مجالنا في الموضة، الأشخاص الذين لا يستحقون الشهرة هم فقط من يقومون بشراء المتابعين أو يزيفون الأرقام بخصوص عددهم. أما البقية فلهم بصمتهم وأثرهم، ولا بد أن يكون هناك شيء حقيقي ومهم وجذاب بالنسبة لمن يتابعونهم، وإلا ما فعلوا ذلك ببساطة». وتوضح «مس كيبا» رأيها في الحكم على بعض المشهورين على «السوشيال ميديا» بالقول: «إذا أردنا أن نطلق على بعض المشهورين في وسائل التواصل الاجتماعي، صفة عدم الاستحقاق أو السطحية أو التفاهة، فلا أظننا نستطيع أن نفصل جمهورهم من تلك الفكرة، فمثلاً في قطاع الموضة، فكرة تصنيف بعض «الفاشينستات» في هذا الإطار، قد لا يكون عادلاً في كثير من الحالات، إذ إن المجال يستقبل أذواقاً مختلفة واتجاهات متباينة، ويعتمد في المقام الأول على مزاجات الناس، وما يراه البعض قيماً ومفيداً.. قد يراه آخرون العكس».

 ترسيخ الشهرة الزائفة

يرى رئيس تحرير منصات التواصل الاجتماعي في «سكاي نيوز عربية»، عبده جاد الله، أن الشركات الإعلانية والتسويقية تلعب دوراً كبيراً في الترويج لمنتجاتها، عبر أشخاص حصدوا الشهرة سريعاً ومن خلال فكرة تافهة، فيقومون بالتقاطهم وتصعيدهم مرة أخرى لمجتمع الميديا، مضيفاً: «هذه الشركات ترسخ لهذا النوع من الشهرة غير الحقيقية والزائفة، لكنها في النهاية طبيعة «السوشيال ميديا»، إذ لا يوجد رسوخ أو ثبات لهذه الشهرة، والتي سرعان ما تزول، والظاهرة تظهر ثم تختفي لأنها لا تقدم قيماً ملموسة تسهم في رفع الوعي أو بناء المجتمعات». يقترح جاد الله قدراً من الرقابة والسيطرة على المحتوى لمواجهة استفحال هؤلاء المؤثرين الفارغين، عبر الشراكة بين الشركات الكبرى مثل (غوغل، فيسبوك، تويتر وسواها)، إضافة إلى المسؤولين عن المؤسسات الإعلامية، مضيفاً: «يجب أن نقر بأنه لا يمكن بأي حال السيطرة على المحتوى الفوضوي بالكامل، لأن هذا جزء لا يتجزأ من طبيعة «السوشيال ميديا» باعتبارها أداة خارجة عن نطاق السيطرة أساساً».

 لا تأثير

لا تتفق الأستاذة بقسم الاتصال الجماهيري جامعة الشارقة، الدكتورة فوزية عبد الله آل علي، مع المنطق الذي يقول إن مواقع التّواصُل الاجتماعيّ ساعدت على انتشار بعض الأشخاص غير الفعالين في المجتمع على حساب الأشخاص الحقيقيين، فحسب رؤيتها أن هذه الوسائل للجميع، شارحةً بالقول: «كون أن تستطيع فئة الوصول إلى الشهرة عن طريق تلك المواقع، لا يعني أنها استطاعت أن تؤثر في الأشخاص الذين يقدمون فائدة للمجتمع، لأنهم ليسوا بحاجه إلى تعريف، وأن تسهم مواقع التواصل في إبراز شخصياتهم وأعمالهم، لأنها معروفة في المجتمع الذي ينتمون إليه. أما بشأن ظهور الفئة السابقة وحصولها على الشهرة، فهي شهرة زائفة ولا تنتمي إلى المجتمع بصلة، وسوف تنسى أو تنتهى بعد فترة وجيزة، إذ إن العلاقات التي يتمّ بناؤها عبر هذه الوسائط عادةً ما تكون زائفةً وليست حقيقيّةً، إلّا أنّها تجعل المرء يظنّ العكس، فيُصبح من الصّعب التفريق بينها وبين العلاقات الحقيقيّة في العالم الحقيقيّ، ومن حيث تأثيرها في المجتمع فلا يوجد لها أي تأثير لأن المجتمع على وعي ودراية بكل تلك الأمور ولا يمكن أن يخدع بتلك الحقائق الزائفة».

مؤثرون مزيفون

كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» في تقرير لها، أن أغلب من يسمون (المؤثرين Influentials) على منصات التواصل الاجتماعي يشترون متابعين مزيفين بالملايين. واهتم التقرير بجزء بسيط من سوق النصب والتزييف تلك، وبالتحديد بـ3.5 مليون حساب مزيف يتم بيعها لأكثر من مشترٍ، ليصل العدد إلى 200 مليون متابع، وذلك على موقع «تويتر» فقط. وكشفت سجلات شركة «ديفومي»، أن المشترين من كافة الاتجاهات والمهن، فمنهم سياسيون ومشاهير فن ورياضة، وحتى عدد من المحللين والخبراء الذين يظهرون على شاشات التلفزيون، وأيضاً نشطاء يروجون لقضايا تكتسب زخماً بملايين الحسابات المزيفة. وخلص التقرير إلى أن مئات ملايين الانطباعات على «السوشيال ميديا» مزيفة.