في هذا العالم المعاصر، تجد المرأة نفسها في خضمّ حياة زاخرة بالتفاصيل الدقيقة، حيث تتنقل برشاقة بين مهامّ متعدّدة تتطلب إنجازاً دقيقاً، ومشاعر عميقة تحتاج إلى إدارة واعية، وأدوار متنوعة تُؤدّيها بإتقان فريد. هي الأمّ الحنون، والابنة البارّة، والشريكة الداعمة، والعاملة المجدّة، والصديقة الوفيّة.. وقبل كلّ ذلك، هي الكيان المستقلّ بذاته، الذي يسعى لتحقيق توازنه الخاصّ. وفي خضمّ هذا السعي الدؤوب؛ لتلبية توقعات الذات والآخرين، يصبح التوتر رفيقاً ملازماً للمرأة في الكثير من مراحل حياتها. وقد يتوارى هذا الرفيق الصامت خلف قناع من الهدوء الظاهريّ، أو يتجسّد في صورة أرقٍ ينهش لياليها، أو يختبئ خلف ابتسامة مجاملة تخفي وراءها عناءً دفيناً، أو ينفجر فجأة في لحظات ضعفٍ إنسانيّ. لكنّه يبقى حاضراً، يتغذّى على ضغوط العمل المتزايدة، وتراكم المسؤوليات التي تثقل كاهلها، ليشكّل عبئاً خفياً، يؤثّر في صحّتها ورفاهيتها.

  • علامات تدل على أن التوتر قد بدأ يؤثر في جسدك!!

وفي خضمّ إيقاع الحياة المعاصرة المتسارع، تتكاثر مسببات التوتر وتتنوّع مصادره: من مسؤوليات الحياة اليومية الضاغطة، إلى التحديات المالية المتزايدة، وصولًا إلى السعي الدائم لتحقيق النجاح المنشود. هذه الضغوط المتراكمة، لا تُلقي بظلالها القاتمة على سلامتكِ النفسية فحسب، بل تمتدّ لتترك آثاراً جسدية ملموسة قد تتجاهلينها في البداية. والأدهى من ذلك، قد تجدين نفسكِ أسيرةً لمرحلة متقدمة من التوتر دون أن تدركي ذلك تمام الإدراك.

إزاء هذا الواقع، يصبح من الضروريّ التمييز بدقة بين حدود التوتر الطبيعيّ، الذي قد يكون محفزاً في بعض الأحيان، وبين براثن التوتر الزائد الذي يستنزف طاقتكِ، ويؤثر سلباً في جودة حياتكِ. في السطور القادمة، نستعرض الفروق الدقيقة بين هذين المستويين من التوتر، ونكشف الأسباب الأكثر شيوعًا، التي تقود إليه، ونسلط الضوء على أبرز العلامات الجسدية التي تنذر بأنكِ تعانين وطأة التوتر الزائد، وصولًا إلى تقديم نصائح عملية وفعّالة؛ لمساعدتكِ على استعادة توازنكِ والشفاء.

ما الفرق بين التوتر والتوتر الزائد؟

التوتر رد فعل جسدي وعاطفي طبيعي تجاه المواقف الصعبة، وقد نشعر خلاله بسرعة ضربات القلب أو التهيج، لكن المشكلة تبدأ عندما يتحول هذا التوتر إلى حالة مستمرة، تُعرف بـ«التوتر الزائد»، أو ما يُعرف أيضاً بـ«التوتر المزمن».

إن التوتر الزائد ينشأ، غالباً، نتيجة أحداث حياتية صعبة، مثل: الإصابة بمرض مزمن، وفقدان العمل، ومشكلات زوجية أو عائلية، وحتى الأزمات النفسية. وبالطبع، إن أجسادنا قادرة على التعامل مع التوتر لفترات قصيرة، لكن حينما نواصل الضغط على أنفسنا دون راحة، أو استعادة طاقتنا، تبدأ التأثيرات السلبية في الظهور.

  • علامات تدل على أن التوتر قد بدأ يؤثر في جسدك!!

علامات تدل على أنك تعانين التوتر الزائد:

- اضطرابات النوم: إذا كنتِ تجدين صعوبة متكررة في النوم أو تعانين الأرق، فقد يكون التوتر الزائد السبب، وتشير الأبحاث إلى أن النساء اللواتي لديهن تاريخ عائلي مع الأرق، هن الأكثر عرضة لذلك.

- الصداع المتكرر: يؤدي التوتر الزائد إلى أعراض جسدية على رأسها الصداع، وقد تزداد حدة نوبات الصداع لدى من يعانين الشقيقة.

- مشكلات في الجهاز الهضمي: صحة وحركة الأمعاء تتأثر كثيراً بالتوتر، فقد يظهر ذلك على شكل آلام في البطن، وغثيان، وفقدان أو زيادة الشهية، أو حتى اضطرابات في عملية الإخراج.

- تسارع دقات القلب: ربما تشعرين بأن قلبك ينبض بقوة تحت التوتر، رغم أن معدل ضرباته قد يكون طبيعياً، لكنها إحدى الحيل التي يمارسها العقل عندما نكون في حالة توتر زائد.

- مشاكل جلدية وتحسس: الهرمونات الناتجة عن التوتر الزائد قد تؤثر في صحة البشرة، وتؤدي إلى ظهور البثور، ما يزيد التوتر بشكل دائري.

- جهاز مناعي ضعيف: هل لاحظتِ أنكِ تمرضين بسهولة في الفترات المليئة بالضغوط؟.. ذلك لأن التوتر يُضعف جهاز المناعة، ويجعلكِ أكثر عرضة لنزلات البرد، وغيرها.

- آلام جسدية مزمنة: التوتر المزمن يرتبط بزيادة احتمال الشعور بآلام جسدية دائمة، خصوصاً لدى من يعانين الاكتئاب أو اضطراب ما بعد الصدمة.

أفكار للتخلص من التوتر المزمن:

ابدئي يومكِ بعشر دقائق من التنفس العميق، أو خذي جولة قصيرة من المشي، فهذه التفاصيل الصغيرة قد تُحدث فرقاً كبيراً. وتحدثي مع شخص تثقين به، سواء كان صديقاً أو شريك حياة، أو معالجاً نفسياً، فمجرد الإفصاح عما تمرين به يكون بداية للتعافي.

وفكّري بالاستعانة بمعالج، كأخصائي يوغا، أو معالج بالتنفس، أو خبيرة تغذية، ولا تنسي زيارة طبيبك العام؛ لاستبعاد أي اختلالات هرمونية قد تفاقم المشكلة.