في قلب سلطنة عُمان، تتجسد قصة ملهمة لسيدة رائدة، جعلت من الطموح والإرادة وقودًا لمسيرتها.. إنها سعادة لجينة بنت محسن درويش، القنصل الفخري لجمهورية جنوب أفريقيا، ورئيسة مجلس إدارة البنية التحتية والتكنولوجيا والحلول الصناعية والاستهلاكية في شركة «محسن حيدر درويش»، إذ تعكس سعادتها روح المرأة العمانية الشغوفة بخدمة أسرتها، ووطنها، حاملةً أمانة المساهمة في مسيرة التنمية المستدامة.. في هذا اللقاء، نسلط الضوء على رحلتها؛ لنعرف كيف نجحت في تحقيق هذا التوازن بين حياتها الأسرية، ومهامها القيادية، ورؤيتها لدور المرأة في ريادة الأعمال والتنمية المستدامة.. وتالياً نص الحوار:

  • لجينة محسن درويش: نستثمر في المرأة لمستقبل المجتمع

الأسرة.. حاضنة النجاح الأولى 

كيف ساهمت أسرتك في تشكيل ملامح نجاحك؟

لا شك في أن الأسرة هي الركيزة الأساسية، التي ينطلق منها أي نجاح تحققه المرأة. لقد نشأت في كنف والدَيْن، كانا دائماً مصدر إلهامي، فقد قدّما إليَّ دعماً غير مشروط؛ وغرسا فيَّ قيمتَي: الطموح، والمثابرة. كما أنني محظوظة بزوج متفهّم، كان سندًا لي في مسيرتي، فلم يدّخر جهدًا في دعمي ومساندتي، ما منحني قوة إضافية؛ لمواصلة مسيرتي المهنية.. بثقة، واقتدار. 

بين القيادة.. والمسؤوليات الأسرية

كثيرون يتساءلون عن سرّ نجاح القياديات في تحقيق التوازن بين العمل والحياة الأسرية.. كيف نجحتِ في تحقيقه؟

 التوفيق بين الأدوار المختلفة ليس بالأمر السهل، فهو تحدٍّ مستمرّ، يتطلب إدارةً دقيقة للوقت، وتحديد الأولويات. ومع تنظيم الوقت، وإعطاء كل ذي حق حقه؛ نستطيع التوفيق بين الحياة مع الأسرة، وريادة وإدارة الأعمال، فتنظيم الوقت هو الحل، فكيف لنا أن نطلق على المرأة لقب «قيادية»، وهي لا تستطيع قيادة وتربية أبنائها وبناتها، داخل المنزل. بالنسبة لي، لديَّ أسرة متفهمة وداعمة، ونحن نتعاون في ما بيننا على تربية بناتنا، وإدارة مجموعة شركاتنا، وتنظيم الوقت لهذه المسؤوليات كافة.

ما العوامل، التي صقلت مهاراتك وأهلتك؛ لقيادة استثمارات مجموعة «محسن حيدر درويش»؟

ما أهلني؛ للعمل والإدارة الناجحة، هو التعلم من القيادات الموجودة في مجموعة شركاتنا، بداية من والدي رحمه الله، ثم من المسؤولين والموظفين معنا بالشركة، وهذا أكسبني خبرة ودراية بالأعمال. وكذلك الاحتكاك بذوي الخبرة بالمجال، كما أن التدرج المعمول به في الشركة يُكسب ابن صاحب الشركة المعرفة والخبرة، فلم يولِّنا والدنا مناصب عليا إلا بعدما وجد فينا الخبرة الكافية. بدأت في شركة والدي كموظفة، وتدرجت في مناصبها بعد سنوات من الجهد، والتوفيق من الله أولاً وآخراً، وكذلك الشغف والطموح للنجاح، وإثبات الذات.

تقولين: «التحديات أساس صناعة قادة عظماء».. ما أبرز التحديات التي ساهمت في تكوين شخصيتك القيادية؟

التحديات جزءٌ من أي رحلة نجاح. بالنسبة للمرأة، قد تكون العقبات مضاعفة، سواء من حيث نظرة المجتمع، أو ضرورة تحقيق التوازن بين أدوارها المختلفة. لكنني أدرك أن هذه التحديات ليست عراقيل، بل هي فرصٌ لصقل الشخصية، وتعزيز القدرات القيادية. إن كل تجربة صعبة مرت بي كانت درسًا جديدًا، وكل تحدٍّ كان دافعًا؛ للمضي قُدمًا.. بقوة، وثقة أكبر. 

التزام.. ومسؤولية

تمكين المرأة يقع في قلب اهتماماتك، فما مدى مساهماتك في هذا الشأن؟

 اليوم، المرأة العمانية محظوظة بوجود قيادة رشيدة، تدعم تمكينها في المجالات كافة؛ فنستلهم منها أهمية دور المرأة في التنمية. لذا، نسعى جاهدين إلى تقديم ما يمكننا تقديمه في المجالَيْن: الرياضي، والاجتماعي. وفي هذا الإطار، أدرك حجم المسؤولية، التي تقع على عاتقنا؛ لدعم وتوجيه الجيل القادم من النساء؛ لتحقيق أحلامهن، وتطلعاتهن، ودائماً كنت أساعد في تطوير نظام يشجع السيدات على اقتحام المجالات الاقتصادية والسياسية. كذلك، أحاول أن أكون قدوة للأخريات في كل ما أقوم به، عبر التحدث في المناسبات العامة ذات الصلة، والعمل من أجل قضايا المرأة، وتنفيذ الأنشطة الخيرية، وتعزيز إنجازات السيدات الأخريات.

تقلدت عدداً من المناصب الرسمية في سلطنة عمان، فكيف ساعدتك في خدمة المجتمع؟

كان انتخابي لعضوية مجلس الشورى - ضمن سبع سيدات فقط - لحظة تاريخية في حياتي، وأعتبرها فرصة منحني إياها أبناء وطني؛ لأكون صوتهم، ولأعمل على تلبية تطلعاتهم. ويدل هذا على الحرص السامي من القيادة الرشيدة على إشراك المرأة العمانية مجتمعياً، وفتح المجال لها؛ للمساهمة في العملية الانتخابية بجانب الرجل العماني. وقد تم انتخابي، ومثلت ولايتي مسقط - بمحافظة مسقط - مرتين على التوالي، وقد أكسبتني هذه التجربة الكثير من الخبرات، فعرفت متطلبات أبناء ولايتي عن قرب. أما تعييني في مجلس الدولة بموجب مرسوم سلطاني، فكان وسام شرف، ومسؤولية كبيرة تطلبت مني مضاعفة الجهود؛ للمساهمة في تطوير السياسات الوطنية، ودعم المبادرات التنموية. 

  • لجينة محسن درويش: نستثمر في المرأة لمستقبل المجتمع

لسعادتك بصمة بارزة في دعم الرياضة النسائية.. حدثينا عن دورك هذا؟

إنني أول امرأة عُمانية تتولى رئاسة نادٍ رياضي، حيث ترأست نادي «سداب»، من 2001، وحتى 2004. وإثر ذلك، ولمحبتي للرياضة؛ كنت دائماً داعمة للعمل النسائي الرياضي. واليوم، أتولى عضوية اتحاد كرة القدم في سلطنة عُمان، ورئاسة مقعد المرأة الإلزامي، وعضوية اللجنة الأولمبية العمانية، وعضوية مجلس إدارة اللجنة النسائية لغرب آسيا (WAFF). وهنا، أود أن أشير إلى أن الوصول إلى عضوية مجلس إدارة اتحاد كرة القدم لم يكن سهلاً، لأنه يختص بلعبة رجالية، وتقبل المرأة فيه كان من الصعوبات والتحديات بالنسبة لها، حيث كان من المستحيل خوض انتخاباته، والنجاح فيها. لكن الثقة بالنفس، ووقوف الأسرة والأهل بجانبي، والرغبة الحقيقية في تحقيق طموح بناتنا، كانت كلها سبباً في هذا النجاح.

نبارك لسعادتكم نيلكم منصب القنصل الفخري لجمهورية جنوب أفريقيا في مسقط.. ماذا يعني لكم هذا التكليف؟

 في البداية، أتوجه بالشكر والامتنان إلى قيادتنا الحكيمة في بلدي سلطنة عُمان، على دعمنا كعمانيات، وتمكيننا من تولي مهام عظيمة ومشرفة، فهناك الآن في عُمان الوزيرة، والسفيرة. كذلك، أتوجه بجزيل الشكر إلى قيادة جمهورية جنوب أفريقيا على هذه الثقة، وأسعى جاهدة؛ لأكون عند حسن ظنها بنا، وأن أعمل على تطوير ما يمكنني تطويره، بالتعاون بين الجانبَيْن العماني والجنوب أفريقي.

تتميزين بابتسامة دائمة لا تفارق وجهك.. ما مدى تأثير الابتسامة في سعادتنا الداخلية، وعلاقاتنا بمن حولنا؟

«تبسمك في وجه أخيك صدقة»، هذا نهج نبوي نحرص على اتباعه؛ لذا أنصح نفسي والآخرين ببث الابتسامة في محيط العمل والمنزل، ومع الآخرين؛ فالابتسامة لغة لا تحتاج إلى ترجمة، ومفتاح للقلوب، ولا تكلف شيئاً، ولا تحتاج إلى جهد، ولا تستغرق وقتاً، لكن أثرها يخترق القلوب. أعتقد أن السعادة حالة ذهنية، وأن على المرء أن يكون سعيداً، بغض النظر عن المكان الذي يوجد به، أو الموقف الذي يتعرض له. ويجب أن يستشعر المرء، دائماً، النعم، فكن ممتناً، ومارس الامتنان، واستغل كل يوم تعيشه بأقصى حدٍّ، واجعل السعادة والإحسان شعارك في أقوالك، وأفعالك.

بمناسبة يوم المرأة العالمي.. ما رسالتك إلى النساء العربيات؟

نعايش، يومياً، قصص نجاح متجددة وملهمة للمرأة، فهي اليوم محرك للتغيير، ولها دور أساسي في بناء المجتمعات. أنصح كل امرأة بأن تستثمر في تطوير ذاتها، وأن تتحلى بالشجاعة؛ لمواجهة التحديات. والأهم هو أن تدرك كل امرأة قدراتها، وألا تسمح لأي حدود أو قيود بأن تَحُدَّ من طموحها. فلكل واحدة منا رحلتها الخاصة، والمهم أن نكون صانعات لمستقبلنا، وأن نعلم أن النجاح الحقيقي يتحقق عندما يدعم بعضنا بعضاً.