لم تكن إطلالة الفنان السوري، أيمن زيدان، في برنامج «قهوة مع هند»، على قناة أبوظبي، وتطبيق ADtv، شبيهة بسابقاتها، فقد أبحر زيدان في ذكريات طفولته، مسترجعًا أجمل ما فيها، ومعلنًا استمراره في الحلم، وكاشفًا عما يخيفه في هذا العالم.

  • أيمن زيدان: لا أخشى سوى أمرين في الدنيا.. والشيخوخة لم تطرق بابي بَعْدُ

وأقر زيدان بأنه لا يخشى في حياته سوى أمرين، هما: رحيل والدته، وخيانة الجسد، مؤكدًا أن رحيل والدته لا يزال يرعبه رغم مرور الزمن، مُسلِّمًا بأن هذا الأمر ليس بيده، وإنما هو قَدَر الله. أما خيانة الجسد، فهي وفق وصفه أقسى سيف يمكن أن يُغمد في قلب الحلم والشغف. وأوضح أن هذين الأمرين فقط هما ما يشكلان قلقًا حقيقيًا بالنسبة إليه.

الشيخوخة لم تأتِ بَعْدُ:

اعتبر النجم السوري أن الشيخوخة لا تقاس بالعمر، وإنما بالحلم، فهي تبدأ عندما يتوقف الإنسان عن الحلم، خاصة بالنسبة إليه، فهو يرمم روحه بأحلامه، رغم عدم معرفته بما تخبئه له الأبواب المغلقة.

وقال زيدان: «بحثت كثيرًا عن تعريف للشيخوخة، ثم أدركت أن الإنسان يشيخ عندما يتوقف عن الحلم، أو يفقد شغفه به. لذلك أنا متمسك بأحلامي، رغم كل الأوجاع والانكسارات، وأحاول دائمًا أن أدافع عنها، كما أربي أولادي على الدفاع عن أحلامهم، وأن تكون أحلامهم نبيلة. شغفي هو الدفاع عن الحلم، لأنني أدرك أن الإنسان الجدير بالحياة، عندما يحقق جزءًا من حلمه، يتولد لديه حلم آخر. وطالما أن الشمس تشرق وتغيب، فهناك دائمًا أحلام متجددة».

وأكمل زيدان حديثه، قائلًا: إن الموت السريري يبدأ عندما يحصل انقطاع مع الحلم، فهو الذي يجعله يرمم هدوء روحه. وأوضح أنه لا يزال يدرك أن اليوم الذي نحلم به سيأتي، وسيكون العالم فيه أكثر عدلًا وإنصافًا، ليهزم كل صقيع الوحشة والقسوة. وأضاف: «ما زلت إلى حد بعيد، وفي بعض اللحظات القليلة، أومن بهذه الفكرة على الأقل لكي أستمر».

الذكريات تدفعنا للحياة:

بأسلوبه الراقي وحديثه الشجي، استرجع الممثل الكبير، أيمن زيدان، ذكرياته مع هند خليفات، قائلًا: إننا عندما نحزن، نتكئ على أعصاب ذكرياتنا في هذه الدروب الوعرة؛ لنتمكن من المضي قدمًا. ورغم أنه لا يدعو دائمًا إلى الاتكاء على الذكريات، فإنه يؤكد أنها تشكل حافزًا يسعفنا في حياتنا.

وعن طفولته، يقول زيدان: إن السؤال عنها يثير شجونه، منذ أن بدأ يحبو، ويكتشف محيطه الخاص. ويسترجع بهذه الذكريات جغرافيا مختلفة، ويشده الحنين إلى سنوات مضت بكل جزئياتها وتفاصيلها، ليدرك كم تغير هذا العالم اليوم، وكيف أصبح قاسيًا على الجميع.

يقول زيدان: «الطفولة ليست مرتبطة بشخصية معينة، لكنها متصلة بكثير من التفاصيل الصادقة والعاطفية في الحياة التشاركية، التي كانت سائدة قبل الانتقال إلى نمط الحياة المدنية، الذي حطم قنوات التواصل بين الناس».

ويصف زيدان تلك الأيام، قائلًا إنه كان محاطًا بأناس أحلامهم بسيطة، في قرية ريفية تبعد عن دمشق 45 كيلومترًا. قرية كانت دروبها وعرة، لكنها محفورة بخطوات ساكنيها الذين صنعوا هذه الطرق بأقدامهم، حيث لم تكن هناك طرق يتم شقها، بل كانت خطوات الناس هي التي تصنع المسارات.

وأضاف أن المساحات الخضراء كانت مهيمنة على المشهد، قبل أن يجتاح التصحر قريته الجميلة. وما زال يتذكر عناقيد العنب المتدلية على السياجات الطينية، التي شكلت له مجموعة صور لا تفارق مخيلته وذاكرته. وكيف كانت الثمار متاحة للجميع، بلا حراس ولا أسلاك شائكة، والقلوب مشرعة على بعضها بعلاقات اجتماعية مفتوحة وصادقة.

ويتذكر زيدان قريته «الرحيبة»، الواقعة في ريف دمشق، والقناة الرومانية التي كانت فيها، لكنها اندثرت مع الزمن. ويتحدث عن المشاهد التي كانت تملأ هذه القناة بالحياة، حيث كانت النساء يغسلن الثياب، والفتيات يسرحن شعورهن بأمشاط خشبية، والأطفال يسبحون شبه عراة، بينما تتحول القناة مساءً إلى ملتقى للعشاق الخجولين، في مشهد بصري مدهش مليء بالمشاعر والبساطة.

وأبدى زيدان أسفه على التطور الذي دمر كل هذه البساطة، وحوَّل قريته إلى مجمع سكني إسمنتي، لم يعد فيه سوى صدى خطوات الناس، ورائحة أولئك الذين بقوا في بيوتهم العتيقة القليلة المتبقية.

 

الانتقال إلى المدينة:

كانت بدايات أيمن زيدان في قريته، التي وصفها بأنها كانت منسية على خارطة الوطن، ومستوى الاهتمام بها كان ضعيفًا. لكن عمل والده أجبره على الرحيل إلى مدينة صاخبة، حيث اضطر إلى السكن في حي دمشقي قديم، داخل بيت تقليدي. ولأن الفقراء في ذلك الوقت كانوا يعيشون في غرفة واحدة داخل هذه البيوت، فقد كان هو ووالده ووالدته وشقيقتاه يقطنون غرفة، ضمن أحد المنازل الدمشقية، ويجاورون عائلات مختلفة.

ترك هذا النمط الحياتي أثرًا عميقًا في نفسه، حيث لم تكن هناك أسوار تفصل العائلات، ولا أسرار خفية، فقد كان الجميع يتشاركون المطبخ ذاته، ويستمعون إلى شجارات بعضهم، ويرون لحظاتهم الحلوة والصعبة، على حد سواء.

ويصف زيدان هذه الحياة المختلطة بأنها علمته الوضوح، وعدم الاختباء وراء الأسرار، لأنه نشأ في بيئة، كان كل واحد فيها يعرف تفاصيل الآخر، فتعلم أن يكون صادقًا ومنفتحًا.

القهوة ملاذي الآمن:

أقر الممثل السوري المخضرم بأن القهوة هي ملاذه الأول والأخير، واصفًا علاقته بها بأنها تكاد تلامس حدود الإدمان. وأوضح أن فنجان القهوة هو صديقه الدائم، والوسيط بينه وبين الأصدقاء، وهو أشبه بالبوابة التي تفتح له كل الذكريات والدروب المليئة بالشجون والأحلام والانكسارات والفرح. فقال زيدان: «فنجان القهوة هو صديقي عندما أكتب، ورفيقي عندما أقرأ عملي، وشريكي في لحظات التوتر والبهجة على حد سواء. أنا دائمًا سعيد بفنجان القهوة».

وأشار إلى أنه يفضل القهوة داكنة وقوية، ولا يشربها بكميات كبيرة، بل يكتفي بالقليل المركَّز، فهو يرى أن القليل المؤثر أفضل من الكثير الفائض. وربط زيدان القهوة بشبابه، معترفًا بأنه عندما كان يريد تقديم عرض عاطفي لإحدى الفتيات، كان يدعوها لاحتساء فنجان من القهوة، وكأن هذا الفنجان كان رمزه الخاص للحوار العميق والتواصل.