عفراء الطنيجي: نشارك القصص الثقافية العالمية عبر الفن
يحتفي متحف اللوفر أبوظبي، لأول مرة في دولة الإمارات والمنطقة، بتاريخ أفريقيا العريق، وإبداعاتها الفريدة، وتراثها الغني، الممتد من القرن الحادي عشر إلى الحادي والعشرين، مع التركيز على دورها الحيوي في المشهد الفني المعاصر، وذلك عبر أول معارضه لعام 2025، تحت عنوان «ملوك أفريقيا وملكاتها.. أشكال الحكم ورموزه»، وتستمر فعالياته حتى 25 مايو من العام الجاري. ويحظى الزوار، خلال هذا «المعرض»، بفرصة مميزة؛ لاكتشاف مجموعة استثنائية من اللوحات الملكية، والمنحوتات، والمقتنيات الشعائرية، والمنسوجات، والصلة الدائمة بين الفن، والسُّلطة، والهوية في جميع أنحاء القارة الأفريقية. «زهرة الخليج» التقت عفراء الطنيجي، أخصائي اتصال أول في متحف اللوفر؛ لنعرف أكثر عن المعرض، الذي يقدم لمحة فريدة عن حياة حكام أفريقيا أصحاب المكانة الرفيعة، كما أشارت إلى أن الرؤية المتحفية الاستثنائية، في هذا «المعرض»، تكشف كيف استمر إرثهم الثقافي مصدر إلهام للفن والثقافة في القارة الأفريقية، وخارجها.. وتالياً نص الحوار:
-
عفراء الطنيجي: نشارك القصص الثقافية العالمية عبر الفن
يقدم «المعرض» رؤية عميقة للتراث الغني والمتنوع لقارة أفريقيا.. حدثينا عن الكنوز التي يضمها!
يضم «المعرض» أكثر من 350 قطعة من غرب، ووسط، وجنوب قارة أفريقيا، تشمل: الأزياء الملكية المصنوعة بإتقان، والشخصيات ذات الأهمية الروحية، ما يسلط الضوء على المهارة الاستثنائية للحرفيين الأفارقة؛ فلطالما كانت أفريقيا - باعتبارها مهد الإنسانية، وقارة ذات تقاليد غنية ومتنوعة - مصدراً للمرونة والتعبير الإبداعي، ومن خلال تسليط الضوء على إرثها الدائم، يتناغم هذا «المعرض» مع مهمتنا لإشراك جماهير متنوعة من خلال تقديم قصص تتجاوز الحدود، وتُشيّد جسور التواصل بين الثقافات. كما يضمُّ «المعرض» مجموعة متنوعة من الأعمال، تشمل قطعاً من مجموعة المقتنيات الدائمة لمتحف اللوفر أبوظبي، كما تضفي المؤسسات البارزة، التي تتخذ من دولة الإمارات مقراً لها، مثل: متحف جوجنهايم أبوظبي، ومؤسسة الشارقة للفنون، مساهمات قيمة تُثري محتوى «المعرض»، ويساهم هذا التعاون - المتمثل في الشراكات المحلية، والعالمية - في تشكيل نسيج ديناميكي من الفن الأفريقي، ويسلط الضوء على ثراء القارة الثقافي، وارتباطاتها العالمية.
من الذي يتولى تنسيق «المعرض»؟
يتولى تلك المهمة ثلاثة خبراء بالفن الأفريقي القديم والمعاصر، هم: هيلين جوبيرت، المنسقة العامة للمعرض وكبيرة أمناء قسم التراث الأفريقي في متحف «كيه برانلي – جاك شيراك»؛ والحاج مالك ندياي، منسق مشارك ورئيس قسم المتاحف وأمين متحف «تيودور مونو» للفنون الأفريقية (المعهد الأساسي لأفريقيا السوداء، «شيخ أنتا ديوب») داكار؛ وسيندي أولوهو، منسقة مشاركة ورئيسة قسم مجموعات المقتنيات في المجموعة الإقليمية للفن المعاصر «إيل دو فرانس»، وناقدة فنية مستقلة. وقد حظي «المعرض» بدعم فريق أمناء المتحف في اللوفر أبوظبي، ممثلاً في مريم الظاهري، مساعد أمين متحف في اللوفر أبوظبي.
-
عفراء الطنيجي: نشارك القصص الثقافية العالمية عبر الفن
أشكال متعددة للسُّلطة
ما أبرز ما يميز «المعرض»؟
يستحضر معرض «ملوك أفريقيا وملكاتها.. أشكال الحكم ورموزه» مفهوم الممالك، عبر اكتشاف أشكال متعددة للسُّلطة، ويغطي «المعرض» الإمبراطوريات، والممالك، والدولة المدينة، والزعامات، والشخصيات البارزة، كالحكام المقدسين، والقادة الأبطال. كما يسلط الضوء على الأبعاد المتنوعة للسُّلطة، والنفوذ في التاريخ الأفريقي. ويجسد هذا «المعرض»، الذي يزخر أيضاً بالعديد من الأعمال المعاصرة، رحلة ألف عام تشهد على القوة الإبداعية لقارة بأكملها.
أطلعينا على أجنحة «المعرض»، ومحتوياتها!
ينقسم «المعرض» إلى ثلاثة أجنحة، ويكشف كلٌّ منها فن وقوة الممالك العظيمة في أفريقيا، فيسلط «جناح غرب أفريقيا» الضوء على التراث الفني لممالك: «إيفي، وبنين، وآكان، ويوروبا، وداهومي»، ويعرض المنحوتات الرائعة، والشعارات الملكية، ويسلط الضوء على دور الفن في تشكيل السُّلطة والهوية. أما «جناح وسط أفريقيا»، فيضم ممالك: «الكونغو، ولوبا، وتيكي»، ويستعرض مقتنيات شعائرية، ولوحات تجسد الروابط العميقة بين الفن، والجوانب الروحانية، والقيادة. ويسلط «جناح جنوب وشرق أفريقيا» الضوء على مملكة «الزولو»، والمملكة الإثيوبية، ويعرض قطعاً أثرية تحتفي بالتقاليد الفنية الغنية، التي تزخر بها المنطقة. وتُختتم الجولة في «المعرض» بجناح تفاعلي، مخصص للفن الشعبي الأفريقي، وتُعرض فيه مجموعة من القصص المصورة، وألعاب الفيديو.
ماذا عن أبرز القطع المُعارة للمتحف؟
من أبرز القطع المُعارة للمتحف، في هذا المعرض: رأس متوّج للملكة أولوو، نيجيريا (القرن الرابع عشر/ الخامس عشر)، وزوج من الخِفاف، كوت ديفوار، وكرسي يعود إلى شعب «الأكان»، كوت ديفوار/ غانا، وطبلة ملكية من مملكة «فون»، بنين، وقناع «أوكويي» ذو شكل بشريّ، ينتمي إلى شعب «البونو»، الغابون، وتمثال صغير سحري نكيسي نكوندي ذو شكل حيواني، وتمثال ليفيم يجسد أحد الزعماء من مجموعة «بانغوا»، الكاميرون. إضافة إلى أعمال فنية معاصرة للفنان عبدولاي كوناتيه، تصور الملك مانسا موسى، ودوائر إلكترونية مطبوعة على طبقات من الجلد للفنان إيدي كاموانجا إيلونجا.
-
عفراء الطنيجي: نشارك القصص الثقافية العالمية عبر الفن
إرث عميق
انعكس تأثير الإسلام على القارة الأفريقية.. كيف يَبرز ذلك من خلال الأعمال الفنية المعروضة؟
نعم، تم تقديم الكثير من المعروضات التي تؤكد ذلك، مثل: مخطوطة قرآنية معها علبة لحفظها (أواخر القرن التاسع عشر إلى أوائل القرن العشرين)، ولوح مكتوبةٌ عليه آيات من القرآن الكريم (قبل عام 1972)، وعمل فني معاصر، أبدعه كلٌّ من: لويس بارثيليمي، وطارق الصفطي، وهو عبارة عن لوحة منسوجة من القطن، عليها رسمة توثق رحلة الملك مانسا موسى إلى مكة؛ لأداء فريضة الحج في القرن الرابع عشر، وترمز إلى الإرث العميق لحاكم مالي.
«المعرض» يُظهر القوة التحولية للفن، عبر أدوات الصراع التي تحولت إلى رمز للمرونة والأمل.. حدثينا عن هذا الجانب!
يقدم متحف اللوفر أبوظبي، خلال هذا المعرض، مجموعة من المقتنيات الجديدة المهمة، منها: العرش المتقلب للفنان الموزمبيقي الشهير غونزالو مابوندا. ويجسّد هذا العمل القوي - المصنوع من أسلحة خرجت من الخدمة بعد الحرب الأهلية في موزمبيق (1976-1992) - تحويل أدوات الصراع إلى رمز للمرونة والأمل. وبفضل تصميمه المجسم، وواجهته التي تشبه القناع، يعكس العرش ثنائية النضال والقوة البشرية؛ ليثري بهذا سرد المعرض قصصَ التاريخ، والهوية، والإبداع في الفن الأفريقي.
-
عفراء الطنيجي: نشارك القصص الثقافية العالمية عبر الفن
بالتزامن مع «المعرض»، يطلق متحف اللوفر أبوظبي برنامجاً ثقافياً وتعليمياً ثرياً، فما أبرز ملامحه؟
تم التخطيط؛ لتقديم مجموعة من الفعاليات المميزة، منها: تنظيم ندوة بمشاركة 23 متحدثاً من قارة أفريقيا، وتجمع أكثر من 30 مؤسسة من أربع قارات. ومهرجان القهوة حيث يدعو المتحف عشاق القهوة إلى اكتشاف الروابط الثقافية بين أفريقيا وشبه الجزيرة العربية من خلال تقاليد القهوة. كما يتضمن المهرجان عرضاً بعنوان «حكايات من الأرض التي ظلت صامدة»، وهو عرض استعراضي معاصر، يربط الجمهور بثقافة «ناما»، عبر مزيج من السرد القصصي والحركة. والأنشطة المجتمعية التي تُقدم مجموعة متنوعة من الأنشطة التعليمية للبالغين، والعائلات، والشباب. ولأول مرة، تتحول حديقة اللوفر أبوظبي إلى معرض خارجي، يحتضن «بلاك ستارلاينر». ومع حلول الليل، يحظى الزوار بفرصة الاستمتاع بعروض ضوئية خلابة على جدران المتحف، مزينة بأنماط هندسية أفريقية نابضة بالحيوية، ومعروفة باسم «عروض التناغم»، من إبداع الفنانة الجنوب أفريقية الشهيرة الدكتورة إستر ماهلانجو.
دائماً يسلط المتحف الضوء على صور إبداعية متنوعة من مختلف الثقافات.. ما مرادكم من ذلك؟
ننظر إلى التاريخ الثقافي بكل ثرائه، ونسعى إلى إنشاء روابط ثقافية هادفة، من خلال معارض المتحف، ومبادراته التعليمية التفاعلية، والتجارب الغامرة التي يقدمها إلى زواره، ونأمل أن تُلهم هذه الكنوز - التي تسرد مثل هذه القصص الرائعة - الزائرين، وتُثري ثقافاتهم. ويُجسد ذلك رسالة متحف اللوفر أبوظبي، المتمثلة في مشاركة القصص العالمية من خلال الفن، وفي أبوظبي.