مريم السعدي: أكلاتنا الشعبية تعكس هويتنا وترابطنا
تتزين موائد الإفطار، خلال شهر رمضان المبارك، بأطباق شعبية تتجاوز حدود الزمن؛ لتعكس هوية وثقافة التراث الإماراتي الأصيل. في حوارنا، نلتقي الوالدة مريم السعدي، حامية التراث في مركز الصناعات التراثية والحرفية، التابع للاتحاد النسائي العام، لتأخذنا في رحلة عبر نكهات الأكلات الشعبية، التي تُبرز قيمتَي: الكرم، والترابط الاجتماعي، وتستعرض في حديثها مع «زهرة الخليج» أهمية هذه الأطباق في تجديد عبق الموروث الشعبي في الشهر الفضيل.. وهذا نص الحوار:
-
مريم السعدي: أكلاتنا الشعبية تعكس هويتنا وترابطنا
كيف تعزز الأكلات الشعبية الهوية الثقافية الإماراتية؟
تَحْفُل المائدة الإماراتية، خلال شهر رمضان المبارك، بالعديد من المأكولات الشعبية، ويعد الشهر الفضيل مناسبة مهمة بالنسبة لنا، إذ نحرص - خلاله - على إبراز الموروث الشعبي لمكونات المطبخ الإماراتي، المليء بالمأكولات الشهية، التي نتوارثها جيلاً بعد آخر. وقد تشبعت بنات جيلي بحب المأكولات الشعبية من أمهاتنا، وحرصنا على نقلها إلى بناتنا، والأجيال الشابة، رغبةً في ترسيخ هذا الموروث الشعبي. وأتمنى أن يبقى التراث مزدهراً في قلوب أبناء الوطن.
تراث.. وذكريات
ما الأطباق الإماراتية التي لا تغيب عن موائد الإفطار في رمضان؟ وكيف تعكس روح التراث؟
في شهر رمضان الفضيل، تتصدر الأطباق الشعبية مائدة الإفطار، ونحن لا ننظر إلى هذه الأكلات التقليدية نظرة مجردة، فهي تجسيد للتراث والذكريات التي تربطنا بأجدادنا. ومن دواعي سعادتنا وفخرنا أن موائد رمضان الإماراتية ما زالت تفوح بنكهات من «زمن الطيبين». ومن أبرز هذه الأطباق: «الهريس»، الذي يعتبر طبقاً رئيسياً على المائدة الإماراتية في شهر رمضان تحديداً، وكذلك «المجبوس»، و«الثريد»، و«المضروبة». وهناك، أيضاً، «العرسية»، و«البلاليط»، فكل طبق له قصة وتاريخ مرتبطان بتقاليدنا.
ما الذي يميز «الهريس» عن غيره من الأطباق التقليدية، وكيف تعكس طريقة تحضيره عاداتنا وتقاليدنا؟
في الماضي، كان «الهريس» يُعدُّ بطريقة تقليدية، تحتاج إلى الكثير من الوقت، حيث يُستخدم القمح واللحم؛ فكان القمح يدق باليد، ويستخدم في دقه ما يسمى «المنحاز»، أو «الليوان». بعدها، يُؤتى باللحم؛ فيغسل وينظف ويوضع مع القمح المدقوق في قدر بها ماء يغلي على النار، ويضاف إليهما قليل من الملح، ويبقيان كذلك حتى يذوبا، وبعد أن ينضجا يصب الخليط (الهريس) في «البرمة»، وهي قدر من الفخار ذات فوهة صغيرة، ويتم إنزالها داخل حفرة «التنور»، ويغطى «التنور»، ويُهال عليه التراب، ويظل «الهريس» تحت الأرض حوالي ست ساعات، ثم يُخرج من «التنور»، ويُضرب بقطعة طويلة من الخشب، تكون على هيئة كف، وتسمى «المضراب». أما حالياً، فأصبحت هذه العملية أكثر سهولة مع تطور آنية الطبخ، وظهور «قدر الضغط»، التي سهلت هذه العملية، لكن التقاليد لا تزال محفوظة.
ماذا عن «الثريد»، و«المضروبة»؟
«الثريد» هو الخبز المغموس في مرق اللحم، والخبز المستخدم في «الثريد» هو «الرقاق»، ويقطع خبز الرقاق إلى قطع صغيرة توضع في إناء، ويصب عليها المرق ويقلب، ثم يوضع فوق الخبز اللحم أو الدجاج، ويقدم للأكل. أما «المضروبة»، فهي أكلة شعبية تتكون من الطحين والسمك المملح. ونبدأ بغسل السمك المملح، ثم يوضع في الماء المغلي على النار، ثم تضاف إليه البهارات ويقلب معها، ثم يصب الطحين على الخليط، ويقلّب حتى ينضج.
هل تأثر المطبخ الإماراتي بالنكهات، والتقنيات العصرية؟
بالطبع تأثر، لكنه لا يزال يحافظ على طابعه التقليدي باستخدام مزيج من التوابل العطرية، مثل: القرفة، والزعفران، والكركم، وجوزة الطيب، إلى جانب الفواكه المجفّفة، مثل: اللوز، والفستق، والأعشاب الطازجة، كالكزبرة والنعناع والزعتر. كما يُبرز المطبخ الإماراتي الحديث خليطاً من الثقافات، التي تتوافد إلى دولة الإمارات، ومنها المقبلات التقليدية كالحمص والتبولة، التي تعود إلى مطابخ بلاد الشام، والبرياني الهندي؛ لتحضير العديد من أطباق الأرز الإماراتية، وكذلك استخدام الليمون الحامض، وماء الورد من بلاد إيران.
كيف تعكس الحلويات الإماراتية تراث المنطقة، وما أبرز الأصناف التي تميزها؟
تتميز الحلويات الإماراتية بإضافة التمر المتوفر بكثرة في الإمارات، ويعتبر أساساً لعمل أنواع مختلفة من الحلويات، مثل: «البثيث»، و«المدبس». كما توجد حلويات أخرى مفضلة، مثل: «العصيدة»، و«الخنفروش»، و«القرص العقيلي»، و«اللقيمات»، التي تعتبر من المفضلات. وتُصنع اللقيمات من عجينة تُقلى في الزيت، وتُحلّى بـ«بالدبس أو العسل»، وهي شهية جداً.
-
مريم السعدي: أكلاتنا الشعبية تعكس هويتنا وترابطنا
هل هناك أطباق تعكس تأثير البيئة المحلية؟
اعتمد المطبخ الإماراتي، منذ القدم، على ما تجود به البيئة المحيطة، ويشكل البحر أهمها، فقد اشتهر الإماراتيون بطهي السمك بمختلف أنواعه وأحجامه، بالإضافة إلى المأكولات البحرية الأخرى، و«الجشيد» من أشهر المأكولات التي يستخدم فيها السمك.
إحياء التقاليد
كيف تساعد الفعاليات التراثية في إبراز الأكلات التقليدية، والحفاظ عليها؟
الفعاليات التراثية تجعل الناس يطلعون على ثقافتهم، ويعيدون إحياء تقاليدهم. وخلال رمضان، تقام الخيم الرمضانية، حيث تقدم هذه الأطباق، ما يعزز روح المشاركة والتكافل الاجتماعي. كما تقيم الدولة - على مدار العام - مهرجانات فريدة للمأكولات، ضمن فعاليات وعروض شيقة ترتبط بالطعام؛ للتعريف بالأطباق الإماراتية، وفنونها، والطابع العالمي للدولة، حيث تتوفر لدينا سلسلة كبيرة من المطابخ العالمية، التي توفر مختلف الأطباق للجاليات كافة.
ما مدى إقبال الأجيال الجديدة على الأكلات التقليدية؟
بلا شك، تحب الأجيال الجديدة الأكلات التقليدية؛ ورغم ازدهار الوجبات السريعة، إلا أن الكثيرين من الشباب يحرصون على تعلم تحضير الأطباق الشعبية، ما يعكس حبهم لتراثهم.
ما رسالتك إلى الشباب؛ للحفاظ على هذه التقاليد؟
أقول لهم: إن التراث جسر يربطنا بماضينا، والحفاظ على الأكلات الشعبية لا يعني فقط الاستمتاع بالطعام، بل هو تعبير عن هويتنا وثقافتنا. لذلك، يجب علينا نقل هذه العادات إلى الأجيال القادمة.