للفم أهمية خاصة في الحفاظ على صحتنا، وإهمال العناية به قد يؤدي إلى مشكلات صحية تتجاوز تسوس الأسنان والتهابات اللثة، لتصل إلى أمراض القلب والسكري وحتى الجهاز الهضمي. ومع نمط الحياة السريع وكثرة العادات الغذائية غير الصحية، يصبح الحفاظ على صحة الفم أكثر أهمية.. فهل صحة الفم تتعلق بالعناية بالأسنان فقط؟.. أم هناك خطوات أخرى علينا اتخاذها لسلامتنا؟.. لمعرفة الجواب؛ توجهنا إلى الدكتورة صالحة محمد حبيب، طبيبة أسنان بمركز الليزر الطبي للأسنان في أبوظبي؛ لنعرف أكثر عن صحة الفم والأسنان، وكيفية العناية بها.
ما صحة الفم؟
في البداية.. سألنا طبيبة الأسنان، صالحه محمد حبيب، عما يُقْصَد بصحة الفم، فأجابتنا بأنها تعني خلو الفم واللثة والأسنان من الآلام والأمراض، وهي مفتاح الابتسامة الصحية، والحياة السليمة. وأضافت أن الكثيرين يعتقدون أن صحة الفم تقتصر فقط على الأسنان واللثة، لكنها في الواقع تؤثر - بشكل مباشر - في صحة الجسم بأكمله، من الجهاز الهضمي، إلى القلب، وحتى الدماغ.
-
صحة الفم.. مفتاح لسلامة الجسم وعافيته
وتشرح الطبيبة صالحه أن تسوس الأسنان قد يبدو مشكلة موضعية، لكن تأثيره يتجاوز الفم، فالألم الناتج عن تسوس الأسنان، والتهاب اللثة، سيؤدي إلى سوء التغذية، وفقدان الوزن، وصعوبة الكلام والابتسام، ما يؤثر - بالتالي - في الثقة بالنفس، والتواصل الاجتماعي؛ لأن الفم نافذة إلى صحة الجسم كله، وليس مدخلاً للطعام فقط. وأمراض اللثة قد تكون مؤشرًا إلى مشكلات صحية أخرى، مثل: أمراض القلب، والسكري، وأمراض الجهاز التنفسي، حيث تنتقل البكتيريا الفموية، عبر مجرى الدم، إلى بقية أعضاء الجسم.
وفي ردها على سؤال، يتعلق بما إذا كانت هناك أمراض أخرى ترتبط بصحة الفم.. تجيب طبيبة الأسنان: «الأمر قد يبدو مفاجئًا، لكن الأبحاث الحديثة وجدت بكتيريا اللثة في أدمغة مرضى الزهايمر؛ ما يشير إلى احتمال وجود علاقة بين التهاب اللثة، وتطور هذا المرض العصبي».
أثر صحة الفم في الجهاز الهضمي
وعن كيفية تأثير صحة الفم في الجهاز الهضمي وصحة الأمعاء، تشرح الدكتورة صالحه حبيب، من مركز الليزر الطبي للأسنان: «الفم هو المحطة الأولى لعملية الهضم، وأي خلل فيه يؤثر في كفاءة الجهاز الهضمي. وتراكم البكتيريا في الفم - بسبب سوء العناية به - يُضعف قدرة المعدة على مقاومة العدوى، ويزيد خطر الإصابة بالتهاب وقرحة المعدة. بالإضافة إلى ذلك، تؤثر التهابات اللثة المزمنة في توازن البكتيريا المفيدة بالأمعاء، ما يسبب مشكلات في الهضم، مثل: الانتفاخ، والقولون العصبي».
فما العلامات التحذيرية المبكرة، لتدهور صحة الفم، التي يجب الانتباه إليها؟.. تجيب الطبيبة صالحه: إن أي تغير في صحة الفم يؤشر، مبكرًا، إلى وجود مشكلات خطيرة. لذا، يجب التنبه إلى نزيف اللثة المستمر أثناء تنظيف الأسنان، فقد يكون دلالة على التهاب اللثة، بالإضافة إلى تراجع اللثة، وكشف جذور الأسنان؛ ما قد يشير إلى أمراض «دواعم الأسنان». ومن العلامات الأخرى تحرك الأسنان، أو فقدانها، دون سبب واضح، خاصة لدى مرضى السكري، أو من يعانون اضطرابات الغدة الدرقية، بالإضافة إلى رائحة الفم الكريهة المزمنة، التي قد تكون نتيجة لتراكم البكتيريا، أو مشكلة صحية داخلية، كالسكري أو التهابات الجهاز الهضمي، وحساسية الأسنان الشديدة تجاه المشروبات الباردة أو الساخنة، التي قد تدل على تآكل مينا الأسنان، أو انحسار اللثة.
دور التغذية
وماذا عن دور التغذية؟.. توضح طبيبة الأسنان أن التغذية تلعب دورًا أساسيًا في تقوية الأسنان، وحماية اللثة من الالتهابات، مشيرة إلى أن النظام الغذائي، الغني بالعناصر الأساسية، مثل: الكالسيوم، والفيتامينات، يعزز صحة الفم، وتنصح بتناول الأطعمة الغنية بالكالسيوم، ومنها: الحليب، والجبن، والزبادي، والبروكلي، والأطعمة الغنية بالبروتينات كاللحوم الخالية من الدهون، والدجاج، والأسماك، والفواكه والخضروات الغنية بالألياف، كالتفاح، والجزر، والكرفس، فهي تساعد في تنظيف الأسنان بشكل طبيعي، وتعزز تدفق اللعاب، وهو عامل طبيعي لمكافحة البكتيريا. بالإضافة إلى الأطعمة الغنية بفيتامين (سي)، مثل: البرتقال، والفراولة، فهي تقوي اللثة، وتساعد في مكافحة الالتهابات. وتشدد طبيبة الأسنان على ضرورة تجنب المشروبات الغازية، والسكريات المصنعة؛ لأنها تؤدي إلى تآكل المينا، وزيادة خطر التسوس.
هل يسبب نقص بعض الفيتامينات الإصابة بمشاكل اللثة والأسنان؟.. عن ذلك تقول الطبيبة صالحه: إن الفيتامينات تلعب دورًا أساسيًا في صحة الفم، وأي نقص فيها يؤدي إلى مشاكل عدة، فمثلاً يؤدي نقص فيتامين (سي) إلى نزيف اللثة، وضعف التئام الجروح، ما يجعل الشخص أكثر عرضة لالتهابات اللثة. أما نقص فيتامين (د)، فيسبب ضعف الأسنان، وهشاشتها؛ لأنه ضروري لامتصاص الكالسيوم، في حين يسبب نقص فيتامين (B12) قرح الفم، والتهاب اللسان.
وتنصح طبيبة الأسنان بشرب الماء بكمية كافية؛ لدوره الرئيسي في الحفاظ على صحة الفم، إذ يقلل خطر تآكل المينا، ويحافظ على رطوبة اللثة؛ ما يقلل فرص الإصابة بجفاف الفم، وهو عامل رئيسي في رائحة الفم الكريهة.
نصائح للجميع
ما الفرق بين العناية بفم وأسنان الأطفال، والكبار، والمرضى؟.. تنصح الطبيبة صالحه حبيب بأنه يجب أخذ الأطفال لزيارة طبيب الأسنان كل ستة أشهر، واستخدام فرشاة ناعمة، وتعليمهم طريقة التنظيف الصحيحة. أما كبار السن، فهم أكثر عرضة لتآكل الأسنان، وأمراض اللثة، والأفضل لهم قيامهم بالفحص الدوري، خاصة من لديهم أطقم أسنان، أو تيجان تحتاج إلى متابعة. كما أن مرضى السكري أكثر عرضة لالتهابات اللثة، ما يستدعي مراجعتهم طبيب الأسنان كل 3 إلى 6 أشهر، إلى جانب ضبط مستوى السكر في الدم؛ لحماية صحة الفم.
وترى الطبيبة صالحه حبيب أن حساسية الأسنان المفرطة تحدث؛ نتيجة تآكل طبقة المينا، وقد تزيد بسبب الإفراط في تناول الأطعمة الحمضية، أو التفريش الخشن. ويمكن التعامل معها باستخدام معجون خاص بالحساسية، وتجنب الأطعمة الحمضية، واستخدام فرشاة ناعمة، أو استشارة الطبيب؛ لوضع طبقة من الحماية. وتؤكد أن التوتر والعادات اليومية، تؤدي إلى تآكل المينا، مثل: الضغط على الأسنان أثناء النوم، أو الإفراط في المشروبات الحمضية. لذا، تنصح باستخدام واقٍ ليلي للأسنان، وتعديل العادات الغذائية. كما أشارت إلى أن تبييض الأسنان المتكرر يُضعف المينا؛ لذا يفضل إجراؤه مرة سنويًا. كما اعتبرت أن غسولات الفم تلعب دورًا مهمًا في الوقاية من أمراض اللثة والتسوس، خاصة التي تحتوي على «الكلورهكسيدين»، للذين يعانون التهابات اللثة، لكنها، أيضاً، حذرت من الإفراط في استخدامها؛ لتجنب التصبغات.
في النهاية.. تقول الطبيبة صالحه محمد حبيب: إن زيارة طبيب الأسنان بانتظام، والعناية اليومية بالأسنان، وتجنب المفاهيم الخاطئة، كلها عوامل تحافظ على صحة الفم لسنوات طويلة؛ فلا يجب الانتظار حتى ظهور المشكلة، لأن العناية بأسنانك يجب أن تكون عادة يومية؛ فصحة الفم مفتاح لصحة الجسم، والابتسامة المشرقة تعني حياة أكثر راحة وثقة.
-
صحة الفم.. مفتاح لسلامة الجسم وعافيته
5 أسئلة.. وأجوبة
1 . ما العادات اليومية الأساسية؛ للحفاظ على صحة الفم؟
لضمان فم صحي وأسنان قوية، من الضروري تنظيف الأسنان بالفرشاة مرتين يوميًا: صباحًا، وقبل النوم، باستخدام معجون يحتوي على «الفلورايد». واستخدام خيط الأسنان، يوميًا، لإزالة بقايا الطعام و«البلاك» من بين الأسنان. وشرب الماء بكمية كافية؛ للحفاظ على ترطيب الفم، وتقليل تراكم البكتيريا. وأيضاً، تقليل استهلاك السكريات، والمشروبات الغازية، التي تسبب التسوس. وكذلك، زيارة طبيب الأسنان كل 6 أشهر؛ للكشف المبكر عن أي مشكلات.
2 . ما الفرق بين تنظيف الأسنان بالفرشاة، وبالخيط؟
يعتقد البعض أن استخدام الفرشاة وحدها كافٍ، لكن الحقيقة أن الفرشاة تنظف فقط الأسطح الخارجية للأسنان، بينما يعمل خيط الأسنان على إزالة البقايا العالقة بين الأسنان، التي قد تؤدي إلى التسوس، والتهاب اللثة. ويجب استخدام الخيط - بشكل خاص - للذين لديهم تلبيسات أو جسور، حيث تتراكم البكتيريا حولها.
3 . متى يجب استبدال فرشاة الأسنان، وهل هناك أنواع معينة يُفضل استخدامها؟
يُنصح باستبدال فرشاة الأسنان كل ثلاثة إلى ستة أشهر، أو فور ملاحظة تآكل شعيراتها، لأنها - في هذه الحالة - تفقد قدرتها على التنظيف الفعّال. وبالنسبة للذين لديهم تلبيسات أو تركيبات سنية، يُفضل استخدام فرشاة ناعمة (Soft)؛ لتجنب إلحاق الضرر باللثة أو التلبيسات. بينما الفرشاة المتوسطة النعومة (Medium) مناسبة لمعظم الذين لا يعانون مشاكل في اللثة.
4 . ما أكثر المفاهيم الخاطئة حول صحة الفم؟
رغم تطور العناية بالفم، لا تزال هناك بعض الاعتقادات الخاطئة، التي قد تؤدي إلى مشكلات صحية على المدى الطويل، أبرزها:
• تفريش الأسنان - بقوة - يساعد في تنظيفها بشكل أفضل. والحقيقة: إن القوة المفرطة في التفريش قد تؤدي إلى تآكل مينا الأسنان، وانحسار اللثة، وزيادة حساسية الأسنان. ويُفضل استخدام فرشاة ناعمة، بحركات دائرية لطيفة أثناء التنظيف.
• لا حاجة إلى زيارة طبيب الأسنان إلا عند الشعور بالألم. والحقيقة: إن بعض مشكلات الأسنان، كالتسوس، وأمراض اللثة، تبدأ دون أي أعراض واضحة. والفحص الدوري مهم؛ لاكتشاف هذه المشكلات في مراحلها المبكرة قبل تفاقمها.
• غسول الفم يمكن أن يحل محل تنظيف الأسنان بالفرشاة. والحقيقة: إن غسول الفم مفيد في القضاء على البكتيريا وإنعاش النفس، لكنه لا يُزيل بقايا الطعام، و«البلاك» المتراكم، مثل الفرشاة والخيط.
• السكر هو السبب الوحيد في تسوس الأسنان. والحقيقة: إن السكر ليس العامل الوحيد؛ لأن البكتيريا التي تتغذى على السكريات، وتنتج الأحماض هي السبب الرئيسي. كما أن نقص «الفلورايد»، وجفاف الفم، وعدم تنظيف الأسنان بشكل صحيح، تساهم في زيادة خطر التسوس.
• استخدام خيط الأسنان غير ضروري. والحقيقة: إن الخيط مهم جدًا لتنظيف المساحات التي لا تصل إليها الفرشاة؛ ما يساعد في الوقاية من التسوس، وأمراض اللثة، خاصة للذين لديهم تركيبات سنية، أو تقويم أسنان.
5 . هل لشرب القهوة، والشاي، تأثير في صحة الفم؟
لهذين المشروبين تأثير سلبي في صحة الفم؛ فقد يتسببان في تصبغ الأسنان؛ بسبب مركبات «التانين»، التي تترسب على المينا، والإصابة بالجفاف الفموي؛ ما يؤدي إلى عدم إنتاج اللعاب الضروري لحماية الأسنان من البكتيريا. وللحد من أضرار هذين المشروبين، يُنصح باستخدام «القشة» لدى شرب القهوة أو الشاي؛ لتقليل ملامستهما للأسنان، وشرب الماء بعد احتساء القهوة أو الشاي، وتنظيف الأسنان بعد 30 دقيقة من شربهما؛ لأن تنظيفها فورًا قد يؤدي إلى انتشار الأحماض على سطح المينا.