عمر العامري: قصص «الكتاب» مصدر للخبرة والمعرفة

برع الدكتور عمر العامري، الكاتب والقاص والروائي والناشر الإماراتي، في فنون القصة القصيرة والرواية، حيث يتميز بأسلوبه السردي، الذي يمزج الحكمة بقوة التعبير. وتتناول أعمال العامري قضايا الحب، والتحديات الإنسانية، التي يقدمها بلغة سلسة، مستندة إلى جماليات التصوير، والبحث العميق في الحالات الوجدانية وال

برع الدكتور عمر العامري، الكاتب والقاص والروائي والناشر الإماراتي، في فنون القصة القصيرة والرواية، حيث يتميز بأسلوبه السردي، الذي يمزج الحكمة بقوة التعبير. وتتناول أعمال العامري قضايا الحب، والتحديات الإنسانية، التي يقدمها بلغة سلسة، مستندة إلى جماليات التصوير، والبحث العميق في الحالات الوجدانية والفلسفية. وقد سلك الكاتب الإماراتي مساراً أكثر عمقاً وتأثيراً؛ بعدما أسس دار عالم تمكين للنشر والتوزيع، ما ساعده على تحقيق رغبته في نشر مجموعة قصصية في كتاب يحمل تجارب ملهمة لعدد من أمهات أصحاب الهمم، بعدما منحهن القدرة الفنية على تقديم قصصهن المليئة بالخبرات والعبر، وطرحها في كتاب تحت عنوان «لستِ وحدكِ». «زهرة الخليج» تسرد، في حوارها مع الدكتور عمر، قصة الكتاب من الفكرة إلى التنفيذ، وتحديات تأهيل هؤلاء الأمهات لكتابة قصصهن بأنفسهن، خاصة أنه حرص على توفر كل عناصر القصة في الكتاب، حتى رأى هذا الإصدارُ النورَ، وقد اتسعت دائرة المستفيدين من هذا الكتاب؛ خاصة الذين يواجهون تحديات في حياتهم.. وهذا نص الحوار:

  • عمر العامري: قصص «الكتاب» مصدر للخبرة والمعرفة

مسيرتك الروائية والأدبية مليئة بالنجاحات البارزة.. حدثنا عن بداياتها وأبرزها!

بدأت علاقتي مع الأدب والرواية منذ مراحل دراستي الأولى، حيث كنت مولعاً بقراءة القصص والروايات، لكن ظهور أول أعمالي الأدبية كان في وقت متأخر على شكل مقالات في إحدى الصحف المحلية، حتى صدرت مجموعتي القصصية الأولى «مجرد حلم» عام 2015، وقد لقيت المجموعة قبولاً ونجاحاً لدى القراء في دولة الإمارات، ودول الخليج. بعد ذلك، توالت كتاباتي؛ فبلغت 12 إصداراً، تناولت مواضيع إنسانية واجتماعية، منها خمس مجموعات قصصية، وسبع روايات، بجانب آخر إصدارين في عام 2024: «فرينش فانيلا»، و«آسف لا تكفي».

نماذج ملهمة

«لستِ وحدكِ».. من أين استلهمت فكرة المجموعة؟

خطرت لي فكرة إصدار كتاب يحوي قصصاً لأمهات أصحاب الهمم منذ عام 2019، خلال إحدى المبادرات المجتمعية التطوعية، عندما أتيحت لي فرصة الوجود قريباً من بعض أمهات أصحاب الهمم، ممن حقق أبناؤهن إنجازات معينة، فقد وجدت حينها مدى تركز الأضواء على نجاح أصحاب الهمم بدرجة أكبر بكثير من دور أمهاتهم. وفي رأيي، لولا وجود هؤلاء الأمهات القويات والصبورات؛ ما كان لذلك الإنجاز أن يتحقق، فتولدت لديَّ الرغبة في كتابة قصص لنماذج ملهمة من هؤلاء الأمهات، وبسبب جائحة «كورونا» تأجلت الفكرة.

متى بدأتَ تنفيذ تلك الفكرة؟

في ديسمبر عام 2021، أسست دار عالم تمكين للنشر والتوزيع، وعادت الفكرة إلى ذهني مرة أخرى. قررت - في البداية؛ بصفتي قاصاً محترفاً - أن أكتب قصصاً عنهن، ثم في أواخر عام 2023، التقيت مجموعة من أمهات أصحاب الهمم، اللاتي حقق أبناؤهن تفوقاً وتميزاً وتحسناً كبيراً في حالاتهم، جسدياً وعقلياً ونفسياً، وكنّ - بحق - صاحبات تجربة ثرية في التعامل مع الإعاقات المختلفة، وتراكمت لديهن المعرفة؛ نتيجة سعيهن إلى الحصول عليها، إما بالسفر في رحلات علاج طويلة، أو بالقراءة، أو بالدراسة، أو بالالتحاق بورش وندوات خاصة. وبعد اجتماعات عدة، قررت أن تكتب أمهات أصحاب الهمم أنفسهن قصصهن؛ لتكون أكثر تعبيراً، وتعكس مشاعرهن بصدق؛ ليقدمن قصصاً لسيدات وُضعن في اختبار صعب، وضغوط نفسية.

هل وضعت معايير معينة عند اختيار هؤلاء الأمهات؟

لقد أخذت بعين الاعتبار أن يتم اختيار أمهات أصحاب الهمم، اللاتي بلغن مستوى عالياً من الصلابة النفسية، بالإضافة إلى أنني حاولت، جاهداً، أن تتضمن حالات أبنائهن الإعاقات كافة؛ حتى يتحقق الهدف الرئيسي من إصدار هذه المجموعة، وهو أن يكون مصدراً للخبرة، والمعرفة. 

  • عمر العامري: قصص «الكتاب» مصدر للخبرة والمعرفة

شجاعة.. وتحدٍّ

ما التحديات، التي واجهتك؛ حتى رأت فكرتُك النورَ؟

أوجدت فكرة كتابة الأمهات قصصهن بأنفسهن تحديات كبيرة، فهي تجربة جديدة على وطننا العربي، خاصة أننا حرصنا على توفر كل عناصر القصة في الكتاب؛ فأقمنا - من أجل ذلك - أكثر من ورشة تدريبية، في إحدى قاعات مكتبة منتزه خليفة العامة، ثم تمت إقامة ورش فردية؛ لتطوير النصوص، فلم يكن الطريق ممهداً، خلال رحلتنا في جمع وتوثيق هذه القصص. ومن أبرز الصعوبات التحدث عن تجارب مؤلمة ومليئة بالتحدي، لكن هؤلاء الأمهات أظهرن شجاعة كبيرة عند مشاركة قصصهن، كما كانت هناك تحديات لوجستية في التنسيق، وجمع القصص من أماكن مختلفة. في منتصف أغسطس من عام 2024، تم الانتهاء من المسودة الأولى للمجموعة، بعدها جاءت إجراءات تراخيص النشر، والتدقيق اللغوي؛ لتصدر هذه المجموعة في سبتمبر 2024، وقد حظيت بنجاح كبير في معرض الشارقة الدولي للكتاب، ومهرجان العين للكتاب.

كيف وجدت صدى المجموعة القصصية؛ عند نشرها؟

رغم أن الهدف الأساسي من هذه المجموعة أن تكون مصدر إلهام وقوة لكل أم، وأن تجد الأمهات في هذه القصص الدعم والتضامن، وأن يعرفن أنهن لسن وحدهن في رحلتهن، وزيادة الوعي لديهن، وتفهم التحديات التي يواجهها الأطفال من أصحاب الهمم وأسرهم.. لكن الفائدة، التي حققها الكتاب - بعد إصداره - كانت أعم وأشمل، حيث اتسعت دائرة المستفيدين منه؛ لتشمل كل الذين يواجهون مواقف صعبة في حياتهم، لمعرفة كيفية تجاوزها، من خلال اليقين والحكمة، اللذين يستخلصونهما من قصص المجموعة.

نبراس‭ ‬مضيء‭.. ‬ورسالة‭ ‬أمل

«النجاح ليس مرتبطاً بزمان أو ظروف معينة، بل يمكن تحقيقه في أي وقت، مهما كانت العقبات».. بهذه الرؤية، قررت المشاركات بقصصهن في كتاب «لستِ وحدكِ»، مواجهة أقدارهن بالصبر والإيمان، وبقدراتهن الذاتية، التي فتحت أمامهن آفاقاً جديدة، وأثبتت قدرتهن على تحقيق أحلامهن، مهما بلغت صعوبتها.

تبادل الخبرات

أكدت الأم زعفرانة الحوسني، التي لديها ابنة مصابة بالتوحد، وأخرى بالصرع، أن مشاركتها في الكتاب استمرارية لعملها في خدمة أبنائها، والأطفال من أصحاب الهمم، وأضافت: «استفدت من التجربة، وفخورة بالمشاركة فيها، بعدما ساعدتني على تبادل خبراتي مع الأخريات، ونشر الوعي بهذه الفئة اللطيفة».

رسالة أمل

الأم علياء الفلاسي، التي لديها ابنة مصابة بالشلل الدماغي، قالت: «مشاركتي في هذا الكتاب تجربة عميقة ومميزة، فقد وجدت فيها فرصة لأشارك إحساسي مع عدد كبير من الأمهات، اللاتي يواجهن صعوبات في التعامل مع أطفالهن من أصحاب الهمم. ابنتي (روضة) كانت أعظم ملهم لي، فقد علمتني أن القوة الحقيقية تكمن في كسر الحواجز التي تعيق الأحلام، ومواجهة التحديات بشجاعة، ودون خوف».

نشر الوعي

أعربت الأم مريم القريشي، التي لديها طفل من ذوي التوحد، عن حماستها، منذ اللحظة الأولى، لمعرفتها بمشروع كتاب يحتوي على تجارب حقيقية لأمهات أصحاب الهمم، وأوضحت: «تملكتني الحماسة، وأنا سعيدة وفخورة بهذه التجربة. فالهدف الرئيسي من نشر تجربتي في تربية طفل يعاني (التوحد)، هو رفع مستوى الوعي حول هذا الموضوع، وتقديم الدعم إلى الأهالي الذين يواجهون تحديات مشابهة. فمن خلال مشاركة التجارب، يمكن تبادل الاستراتيجيات الفعالة، ما يساعد في تحسين نوعية حياة الأطفال وأسرهم».

تجربة إنسانية

تقول الأم فاطمة حسن، التي لديها طفل من ذوي متلازمة داون، عن تجربتها في المشاركة بهذا الكتاب: إن الكتابة عن التجربة الإنسانية القريبة محاولة لتفسير الأيام بطريقة هادئة، مضيفة: «خلال تلك التجارب، نظن أننا لا نراها بشكل واضح، لكنها ترسخ في الذاكرة، وتعطينا رسماً بيانياً جميلاً لكل ما مررنا به رغم صعوبته. وعبارة (الحمد لله) تأتي؛ لندرك لطف الله، ونحن نضع أيدينا على أرواحنا، ونرددها. فهذا الكتاب رسالة صادقة وغير مباشرة، لأننا نرسل حياتنا وحكاياتنا، ومشاعرنا، إلى كل من يمكن أن يكون في مكاننا».

فرصة ثمينة

الأم رضا السنوسي، التي لديها ابن مصاب بمتلازمة داون، تؤكد أن الإيمان بالله، والعمل الجاد، هما مفتاح النجاح، وأوضحت: «ربيت أبنائي على هذه القيم. ابني (صالح) الذي ولد معاقاً، كان جزءاً من هذه الرحلة، فربيته بين إخوته وأخواته دون تفرقة. واليوم، بفضل الله، ودعم ومساعدة إخوته وأخواته، أصبح بطلاً رياضياً، ومصدر فخرنا وسعادتنا. لذا، رأيت أن المشاركة في هذا الكتاب فرصة ثمينة؛ لأكون صوتاً يشجع الأمهات الأخريات على عدم الاستسلام، والإيمان بأبنائهن وقدراتهم، مهما كانت التحديات».

قيمة فريدة

أوضحت الأم مريم طاهر، التي لديها طفل من ذوي التوحد، أن الأمومة ليست وظيفة يومية، بل هي رسالة حب وتفانٍ، تساعدنا على اكتشاف قوتنا الداخلية، فقالت: «هدفي من مشاركة قصتي، هو إيصال رسالة إلهام وصبر إلى كل أم تشعر بالحيرة، أو ثقل مواجهة تحديات الحياة. وأريد أن أوضح أن (التوحد) ليس نهاية الطريق، بل بداية لرحلة جديدة مليئة بالدروس والقيم، التي تعزز الصبر والثقة بالله.. فلكل طفل قيمة فريدة، ولكل أسرة قصة تميزها».