في صيف العام الماضي، أتمّ إيلي صعب عامه الستين.. سنوات عدة قضى معظمها مصممَ أزياءٍ لامعاً، فهو الذي برزت موهبته في التاسعة من عمره؛ عندما كان يقصّ الستائر، وقماش الموائد؛ لصنع فساتين لشقيقاته. وعندما بلغ عامه الـ17، بدأ المصمم الموهوب دراسة الأزياء في باريس، وعاد إلى لبنان عام 1982؛ ليفتتح مشغله في بيروت، ويقدم أول مجموعة من تصميمه، ولم يتوقف صعب عن العمل الدؤوب، والإبداع المستمر؛ ليشهد عام 1997 تقديمه أول مجموعة خاصة به خارج لبنان، وتحديداً في إيطاليا؛ ليكون أول مصمم عربي يعرض أزياءه بأسبوع الموضة في روما. وازدهرت أعماله؛ ليطلق خطاً للملابس الجاهزة في ميلانو، وانتقل بعدها إلى باريس، وبدأ تقديم تصاميم «الهوت كوتور»، والـ«Ready to wear» في أسبوع موضتها. وتوالت النجاحات إلى أن أتى حفل جوائز «الأوسكار» عام 2002؛ ليسلط الضوء على اسمه، وتصاميمه، بعد أن ارتدت الممثلة هالي بيري ثوباً من تصميمه، وفازت بجائزة أفضل ممثلة، وبات يصمم للعديدات من نجمات هوليوود، والعالم. وأخيراً، في نوفمبر 2024، قدم صعب مجموعة احتفالية؛ بمناسبة مرور 45 عاماً على مسيرته المهنية، التي يحدثنا عنها، وعن جوانب من رحلته الملهمة، في هذا الحوار الخاص:
ما أساس الحفاظ على أهمية دار إيلي صعب، ومكانتها، لمدة 45 عاماً؟
العمل بجديّة، وبشكل يومي، وكأنه اليوم الأول، هو أساس استمرار كل عمل ناجح. وبالإضافة إلى جديّة العمل، تكون الكلمة الفصل - على المكانة والنجاح - للمُنتَج الذي تقدمه، وأعتقد أن ما قدمته كان كفيلاً بالحفاظ على أهمية الدار.
مسيرة ممتدة
احتفلتَ برحلة الـ45 عاماً بمجموعة انتقائية، فما الذي جذبك إلى حكايات «ألف ليلة وليلة» كمصدر إلهام؟
في الحقيقة ليست قصة «ألف ليلة وليلة» هي التي جذبتني، بل ما تجسده من انعكاس للطابع الشرقي الأصيل لهذه المنطقة. وقد حرصت، في إحدى اللوحات، على إدخال الطابع العربي بلمسات كانت كفيلة بإظهار سحر الشرق الجميل، والمبهر.
ما عناصر التراث العربي، التي تم نسجها في تصاميم المجموعة؟
لقد كانت الصحراء حاضرة في اللوحة الأخيرة من العرض، حيث استوحيت منها الألوان الترابية، وألوان شروق الشمس وغروبها، التي تنعكس على رمال الصحراء، مع العلم بأنني لم أعمل، يوماً، على فولكلور معيّن ضمن مجموعاتي.
هذه المجموعة تعكس رحلة 45 عاماً في عالم الموضة.. كيف ذلك؟
لقد جسدت هذه المجموعة محطات وحِقَباً عدة، كان لها أثر كبير، ودور مهم، في مسيرتي، فكل لوحة حملت قصة، أو عكست فترة زمنية، أو أضاءت على بصمتي في عالم الموضة. وأيضاً، أردت لهذه المجموعة أن تكون عرضاً ترفيهياً متكاملاً، فهي ليست مجرد عرض لمجموعة أزياء، بل ساعة تلفزيونية ممتعة.
إذا عدنا بالذاكرة 45 عاماً.. هل من ذكريات لا تزال ببالك من مجموعتك الأولى، وما شعورك عند عرضها أمام أنظار العالم؟
بالتأكيد ما زلت أتذكر اللحظات الأولى، والرهبة، والتوتّر، وتمسكي بالحلم، وإيماني بموهبتي. اليوم، بعد أكثر من 150 مجموعة، ما زال الشعور بالتوتر موجوداً، لكنه بطعم مختلف، لأن النجاح مسؤولية تتطلب العمل بشكل دائم، وجدية للمحافظة عليها.
أيضاً، إلى البدايات نعود؛ لنتحدث عن الداعمين الأوائل.. من هم، وكيف ساهموا في نموك؟
قد أفاجئك إذا قلت إنني كنت المشجع الأساسي لنفسي، فطموحي وإصراري على تحقيق حلمي كانا الداعم الأوّل والأهم، وعند تصميم أول مجموعة، صارت تصاميمي هي الداعم والمشجّع والمُلْهِم، وحبّ الناس لما أقدمه، كل هذا ساهم في وصولي إلى مكانتي اليوم.
تغيرات هائلة
على مر العقود، شهدت صناعة الأزياء تغيرات هائلة.. كيف تكيفتَ مع كل هذه التحولات؟
منذ بداية الطريق، كان لي أسلوبي وبصمتي، وعملت على تطويرهما بسنوات الخبرة، ومواكبة التطور الذي شهده عالم الأزياء، ولطالما عملت على تصاميم «عابرة للزمن» (timeless)، وليس على صيحات مؤقتة، فالموضة - بالنسبة لي - إبراز لجمال المرأة، وأناقتها.
ما سر احتفاظك بهذا القدر من الاتساق والدقة والاهتمام بالتفاصيل، وكيف تستمر في تحدي نفسك إبداعياً؟
الشغف والعمل بجديّة هما المفتاح الأساسي لكل نجاح؛ فأنا أعمل كل يوم وكأنه اليوم الأول، بنفس الجدية والإصرار والتصميم؛ لاكتشاف وتقديم المزيد.
وقعتَ إطلالات لمشاهير العالم على السجادة الحمراء.. هل من لحظة معينة تظل بارزة في ذهنك؟
لقد كنت من أوائل الذين أدركوا أهمية «السجادة الحمراء» كمكان لإظهار جمال المرأة وأنوثتها؛ لذلك اعتبرت أن انطلاقتي العالمية كانت من خلال السجادة الحمراء، وتحديداً مع إطلالة هالي بيري عام 2002.
ماذا يعني لك أن تكون سفيراً ثقافياً للبنان.. من خلال أزيائك؟
هذا فخر وشرف لي، أن أُعتبر سفيراً ثقافياً للبنان، وهذا الأمر مسؤولية كبيرة، وأشعر بأنني اليوم أصبحت ملهماً للشباب في مختلف المجالات، لأن الشباب اللبناني قادر على الإبداع والتميّز.
ماذا علمتك الموضة.. على مر السنين؟
عالم الموضة واسع وفيه مصاعب كثيرة، وليس من السهل مواكبته بكل متغيراته، وهذا ما جعلني متنبهاً دائماً، وأراقب بدقة كلَّ شيء. وقد علمتني مهنتي أن النجاح ليس مضموناً، فهو رحلة طويلة وشاقة، ويجب أن تقدم بصمتك الخاصة، التي تميّزك، وتصنع لك اسماً.
دعم.. ومشاركة
ما الدور الذي لعبته الأسرة خلال رحلتك، وكيف تؤثر في عملك؟
لقد كانت الأسرة الدافع الأول لدخولي عالم الأزياء، والهدف كان مساعدة عائلتي التي عارضت - في البداية - فكرة دخولي هذا المجال. ثم قدّرت موهبتي. اليوم، أنا أؤسس هذا الإرث لعائلتي، وأولادي، الذين دعموني معنوياً، وتفهموا غيابي، وانغماسي في العمل لفترات طويلة، وقدّروا تعبي، وكانوا السند الذي ما زلت أتكئ عليه.
ما القيم التي غرستها في أبنائك، لتساعدهم في حياتهم الشخصية والمهنية؟
من أهم القيم، التي حرصت على تعليمها لأبنائي: احترام الآخر، وتقدير الإنسان، والامتنان للأشياء، الصغيرة قبل الكبيرة، فالتقدير والامتنان هما نعمة كبيرة، وأي شخص يمتلكهما يصبح متواضعاً، وناجحاً، والأهم أنه يكون إنساناً يخدم مجتمعه.
ماذا تعني لك مشاركة أبنائك العمل الذي بنيته، وكيف ساهموا في تطور دار إيلي صعب؟
كل أب أسّس وتعب في مجال عمله، سيحبّ أن يكون أبناؤه منخرطين فيه، أو على الأقل مقدّرين لما قام به، مع العلم بأنني لم أوجّه أبنائي للعمل معي، أو في مجال الموضة. لكن وجود «إيلي جونيور» إلى جانبي كمدير لمجموعة إيلي صعب، أضاف نجاحاً كبيراً ومُبهراً للشركة، بأفكاره الشبابية التي طوّرت العمل، وحققت إنجازات عدة في مختلف المجالات، فهو بالنسبة لي النجاح الحقيقي الذي حققته.
لخص لنا رحلتك الممتدة إلى 45 عاماً في كلمة، أو عبارة واحدة!
لقد عملت كثيراً، وعلى مدى سنوات طويلة، ويمكنني أن أقول: «إن الصبر والمثابرة، هما عنوان الرحلة».
ما التأثير الذي تأمل أن يخلفه عملك على الأجيال القادمة من المصممين؟
في الحقيقة، أتمنى أن يمتد تأثيري إلى أي شاب يريد أن يبني حياة ناجحة، فأنا أحب أن أُلهم الشباب بشكل عام، فالنجاح واحد في مختلف المجالات، وأنا لم أعمل يوماً كمصمم فقط، بل أعتبر رحلتي مسيرة رجل ناجح، ومهما كان مجال تخصصي أو عملي، كنت سأحقق ما حققته، فالنجاح يكمن في كيفية إدارة الموهبة، التي يملكها الإنسان.
ما أولوياتك لدار إيلي صعب في عام 2025؟
نسعى، اليوم، إلى الانتشار العالمي من خلال تغطية مختلف بلدان العالم على صعيد دار الأزياء. كما أننا نسعى إلى الارتقاء باسم إيلي صعب في مجالات عدة، وهو ما بدأنا تحقيقه بالفعل، وعلى مستويات عالمية.