كثيراً ما يرفض طفلك مساعدتك وهو يحاول ارتداء ثيابه بنفسه، فيقول لك بحدة وعصبية: «أنا سأقوم بذلك». وفي أحيان أخرى يكون أكثر نعومة ويعترف بأنه ما زال صغيراً، وأنك يجب أن تقوم بذلك بدلاً منه. فإن طفلك الذي يبلغ السنتين من عمره يتأرجح بين الأمام والخلف، ولا يقف معتدلاً، ويظل مشتتاً بين رغبته في أن يكون مستقلاً ورغبته في التمسك بطفولته المعتمدة عليك. ولهذا السبب يجب أن تكون القواعد والحدود مرنة، فمن الخطأ الإصرار على مجموعة معينة من القواعد الصارمة، بخصوص اللباس والاستحمام وأي شيء آخر في هذه المرحلة من العمر. القواعد الصارمة والمطلقة لا تناسب الطفولة الطبيعية، وذلك لأنها مليئة بالمشاعر والدوافع المتناقضة.
ولكن من الحكمة أن تضعي قواعد وحدوداً متسقة ابتداءً من بلوغ طفلك الثالثة من العمر تقريباً. ولكن في الفترة ما بين السنتين الثانية والثالثة من عمره تستطيعين أن تتبني نصيحة (إيمرسون) التي تقول: الصرامة الحمقاء هي غول العقول الصغيرة «وهو يعني أن العقول الصغيرة تخاف أن تخرج من إطار معين في التفكير وتخشى التغيير».
إن المهمة التي يواجهها طفلك في هذه المرحلة من النمو ستكون فهم هويته الذاتية ومن هو، ولكن عليه في الوقت نفسه التكيف (الامتثال) مع ما يتوقعه منه المجتمع والمحيطون حوله.
هناك طريقان تسلكينهما في طريقة تربيتك لطفلك:
تأديب الطفل
هل أنت أم صارمة أم متساهلة؟ هاتان كلمتان مربكتان، فالأمهات يسألن دائماً: هل أنا صارمة فعلاً؟ أو هل أنا شديدة التساهل؟ إنهما السؤالان الخطأ والكلمتان الخطأ. فليس هناك من علاقة بين النجاح والفشل في التأديب وبين درجة صرامتك أو تساهلك، قلت أو كثرت.
إن أول ما تحتاجين إليه هو معرفة التعامل مع طفلك، وأن تميزي بين الأفعال والمشاعر. وأنت تعلمين أن الأفعال هي السلوك الظاهري الذي يقوم به طفلك، مثل أن يركض في الشارع بينما أنت تطلبين منه عدم فعل ذلك، أو يضرب طفلاً آخر في الوقت الذي تقولين له ألا يضربه، أو يلقي الرمل على طفل آخر بينما تخبرينه بألا يفعل. هذه كلها أفعال.
أما المشاعر والانفعالات الداخلية لطفلك مثل ما يحس به من غضب أو سعادة أو خوف أو حب أو خجل.. ومن المهم أن تميزي بين المشاعر والأفعال، لأن طفلك يستطيع تعلم التحكم في أفعاله، ولكنه لا يستطيع التحكم في مشاعره، فمشاعره كأفكاره تأتي إلى عقله بغير طلب منه. ليست لديه سيطرة على ما يشعر به ولا على الوقت الذي يشعر به.
فالغضب والعدائية في بعض الأحيان لا يستطيع طفلك أن يتحكم فيهما. ومن غير المعقول أن نتوقع منه السيطرة على هذه المشاعر. ولكن من المعقول أن نتوقع منه تصرفات تدل على الغضب كالضرب أو إلقاء الرمل أو العض.
ما يجب فعله هو مساعدة طفلك على وضع حدود معقولة لأفعاله. ولسوء الحظ أن الكثيرات من الأمهات قد فهمن خطأ من علم النفس الحديث، أن وضع حدود للطفل أمر مضرٌّ وعائق لنمو شخصيته. حيث تخبرنا عالمة النفس أدا ليشان بقصة أحد أصدقاء زوجها الذي اتصل به وهو في عمله، قائلاً إنه يتحدث من هاتف عمومي قريب من بيته. ومضى الصديق ليقول: «أنا لا أستطيع التحدث من هاتف المنزل لأن بوبي يغلق سماعة الهاتف دائماً». وبوبي هو طفل في الثالثة من العمر.
لكن ما الحدود المعقولة والمقبولة لطفلك الصغير؟ ليست هناك قاعدة حاسمة وسريعة يمكن إعطاؤها هنا. ابدئي بسؤال نفسك: «ما الحد الأدنى من الممنوع الذي يجب ألا يفعله طفلك؟» إذا ما جلست وكتبت قائمة فسيفاجئك بأن الرقم سيكون أصغر مما تعتقدين.
العديد من الآباء والأمهات يعتقدون أن هناك قائمة سحرية من الحدود الصحيحة للأطفال، يجب أن يلتزموا بها. هذه القائمة السحرية غير موجودة في الواقع. فلكل أبوين ميزات شخصية وأسلوب حياة يختلف عن الآخرين. بعض الأزواج يكونون متسامحين، ولديهم القليل من الموانع التي لا بد منها. وبعضهم الآخر قد يكونون أكثر صرامة ولديهم عدد أكبر من الموانع. المجموعة الثانية من الأزواج تكون أقل ارتياحاً للسماح لأطفالها بفعل أشياء تكون المجموعة الأولى أكثر تساهلاً في السماح بها.
معظم الآباء والأمهات يكونون منطقيين كفاية في الحدود التي يضعونها لتصرفات أطفالهم، ولكن عندما يتعلق الأمر بمشاعر الأطفال فإن الكثيرين منهم يضلون الطريق.