الحب مفهوم واضح شامل في حدّ ذاته ولا يحتاج إلى مزيد من الشرح أو الإيضاح. فهو عبارة عن عاطفة جميلة وواضحة ومتنوعة وقلب نشعر به تجاه الآخرين. وعلى الرغم من مفهومه الواضح، فإنّ البعض قد تكون عندهم بعض المشاعر الزائفة التي توهمهم بأنهم في حالة من الحب، مثل:
- الرغبة في الشعور بالحب.
- الشعور بعدم الرغبة في البقاء بمفردهم أكثر من ذلك.
- الشعور بالحاجة إليه أو الفراغ الذي يسيطر عليهم عند افتقادهم الإحساس بالحب.
- الأمل بأن يشعروا به في الوقت الحالي.
- التظاهر بأنهم في حالة من الحب.
- الشعور بالضياع حين افتقارهم للحب.
- الشعور باليأس الذي يتملكهم حين غياب الحب عن حياتهم.
للحب أربعة أنواع:
يحتاج طفلك إلى أن تحبيه بأربع طُرق مختلفة. ولكل طريقة منها ردود أفعالها التي تُسهم في نمو طفلك وتشكيل شخصيته المستقبلية. تتمثل الأنواع الأربعة في:
- الحب المادي.
- الحب المعنوي.
- حب الأبناء كأشخاص مستقلين.
- الحب الفطري.
أولاً: الحب المادي
يحتاج طفلك إلى تواصُلك الحسّي معه بشكل يومي. فهو يشعر بالسعادة الغامرة عندما تلمسينه وتنظرين إليه وتستمعين له وتضمّينه إليك وتُداعبينه، وتبتسمين في وجهه وتُقبّلينه. فهو يحب تلك اللحظات التي يشعر فيها بالتفاعُل والتواصُل بينك وبينه. فمن الواضح أن هناك متعة حقيقية تنشأ من هذا النوع من التواصل الحسّي.
تذكّري: الحب المادي يأتي من خلال تعبيرك عن مدى حبّك لطفلك بطُرق يمكنه الشعور بها باستخدام حواسه الخمس.
فإنْ أردت تجربة هذا النوع من الحب، عليك أن تُحدّدي أولاً وقتاً معيّناً تُخصِّصينه لهذا النوع من التواصل الحسّي مع طفلك، ويمكنك ملاحظة مدى استمتاع طفلك بوقته هذا. فالشعور بالحب هنا يأتي من المشاركة والاتحاد.
استخدمي أياً من هذه الطُّرق:
- اجلسي وأنت تضمّين طفلك بدفء وحنان.
- ضمّيه إليكِ برفق شديد عند اقترابه منك.
- حاولي أن تمسكي بيده برفق وأنت تقصّين عليه إحدى القصص قبل النوم.
- أكثري من عناقه واحتضانه لفترات طويلة من حين إلى آخر.
- تبادلي معه النظرات الحنونة عندما تجدينه ينظر إليك.
- تحدثي إليه بنبرة رقيقة مليئة بالحب والحنان.
- إذا احسست بأنه يشعر بالسعادة من شيء مُعيّن، حاولي مشاركته فرحته وضمّه إليكِ في عناق سريع يُشعره بفرحتك لفرحته.
على العكس ممّا سبق، فإنّ بعض الأطفال ينزعجون عند اقتراب أي شخص منهم. فهم ينفرون ويقاومون ويتشنّجون ويبكون إذا حاول أي شخص، لاسيّما الوالدين الاقتراب منهم أو لمسهم. غير أن هؤلاء الأطفال أيضاً يحتاجون إلى الشعور بالحب الحسّي. لذا، فمن واجبك مساعدتهم على تَقبُّل الأمر والاعتياد عليه.
ثانياً: الحب المعنوي
يمكنك إثراء حياة طفلك العاطفية عن طريق التعبير عن حُبّك له بشكل معنوي. وأن تُطوّقيه بهذا النوع من الحب لمصلحته، والتعبير عن مشاعرك تجاهه، والشعور بالفعل بتلك المشاعر التي تُعبّرين عنها. فسواءً أكانت هذه العاطفة قوية أم غير واضحة بعض الشيء، فإن هذا النوع من الحب له سماته الخاصة.
إنّ القلب هو مكمَن الشعور بالحب. فالحب طاقة تخرج من القلب لتغذي باقي أجزاء الجسم، فتغمرها بتلك الأحاسيس الدافئة النابعة منه. فيرق الجسد تأثراً بهذه الطاقة، وينعكس هذا في إحساس طفلك بعُذوبة ما يستمع له من أصوات وفي نظرته للأمور من حوله. فالحب بذلك يعطي حياة طفلك مذاقاً خاصاً يجعلها أكثر سعادة وتفاؤلاً. والنتيجة أن يرد هذا الشعور الغامر لك حين يكبر، ويبقى على صلة بقلبك الذي علمه الحب مهما رحل أو غاب عنك.
فإذا أحببت طفلك على هذا النحو، سيتمكن من الاتحاد معك في كيان واحد. ومن ثم فإن هذا الشعور بالحب ينقل إلى طفلك الشعور بتقبُّلك له، وتفهُّمك وصراحتك في التعامُل معه ومشاركتك الإيجابية له. كل ذلك ينتج عن مُجرّد تعبيرك عن حُبّك لطفلك ليس إلّا. لتصلي بأسرتك إلى درجة رائعة من التفاهُم بينك وبين شريكك وطفلك، ما يشجعه على مصارحتك، ومشاركته كل مشاعره تجاه ما حوله. والغريب في الأمر، أن ما يُحرّك هذا النوع من الحب بداخلك وداخل طفلك، هو مشاركته كل ما ينتابه من مشاعر، حتى وإن كانت تلك المشاعر قاسية نوعاً ما أو سلبية.
تذكري: الحب المعنوي يأتي عن طريق مشاركتك مشاعر طفلك وأحاسيسه، إنْ كانت سلبية أم إيجابية.
وكل ما عليك فعله هو إتاحة الفرصة لوجود نوع من المشاركة في التعبير عن المشاعر بينك وبين طفلك، وأن تُنشئي جسراً من التواصل العاطفي معه، لتكوني على اطّلاع على مشاعره الداخلية، فتعرفي ما يحتاج إليه طفلك، وتشاركيه فرحه وترحه، وتُقدّمي له يد العون وقت الحاجة، حتى لا يقع في مشاكل أنت وأسرتك في غنى عنها.
إليكِ بعض المقترحات الخاصة بذلك:
- أخبري طفلك صراحةً بمدى حبّك له واستمتاعك بصحبته.
- شجّعيه على التعبير عن حبّه لكِ.
- ناقشيه فيما يشعر به، وعليك أن تتقبّلي تلك المشاعر بصدر رحب.
- علّميه الإفصاح عن مشاعره الحقيقية تجاهك.
إنّ تطبيق تلك المقترحات خلال أي نوع من التواصل بينك وبين طفلك، بدايةً من المناقشات الصغيرة الخاصة بشؤون الحياة اليومية، ووصولاً إلى المناقشات الهادفة المتعمّقة في نواحي الحياة المختلفة، يمنع طفلك من الوقوع في مشاكل كثيرة منها الكبت، القلق، العصبية، الاكتئاب..
اعلمي أن المشاعر تتبدّل بين الحين والآخر، والحب ليس استثناءً لهذه القاعدة. فالشخص الطبيعي يتعرض لكمٍّ هائل من المشاعر التي يكون الحب واحداً منها فقط. أما المشاعر الأخرى، كالغضب والسعادة والحزن والشعور بالأمان والخوف، فهي مشاعر طبيعية يشعر بها كل إنسان، فلا داعي للقلق إذا وجدت نفسك لا تشعرين بالحب تجاه طفلك في وقت من الأوقات. فمن الطبيعي أن تشعري بالغضب تجاهه في بعض من الأحيان، مثل غضبك منه في الوقت الذي يُسيء فيه التصرف، أو في تلك الحالات التي تشعرين فيها بالإرهاق والتعب، أو عندما ينشغل ببعض الأمور الحياتية الأخرى، التي تُلهيه وتُشتّت انتباهه عن دروسه وواجباته، ولكن هذا لا يعني أنك لا تحبّينه أبداً.
وهناك نوعان آخران من الحب أكثر ثباتاً، ولا يتغيّران بتغيُّر المواقف والمؤثرات وهما:
حُبّ طفلك كشخص مستقل والحب الفطري.
ثالثاً: حُبّ طفلك كشخص مستقل
يمكنك تشجيع طفلك على الاستقلالية، من خلال التعبير عن حبك له كشخص مستقل. فهذا الحب هو ما يُشعرك بالسعادة عندما تتقبّلين طفلك كما هو. فإذا ما أحببته بكل ما فيه من صفات جيدة وسيئة طوال فترة طفولته، فإنك بذلك تشجّعينه على البحث عن هويته المستقلة، والتعبير عنها واحترامها.
إنّ حُبّك له على هذا النحو، يعني تَقبّلك وتقديريك وتَفهُّمك له على أنه شخص مستقل. فيجب عليك أن تعي جيداً، أن له حياته الخاصة التي لا يجب بأي حال من الأحوال أن تكون صورة من حياتك.
يتّسم هذا النوع من الحب بالاستمرارية، فهو لا يقتصر على القيام ببعض التصرفات اليومية كما هي الحال في الحب المعنوي، بل إنه يمتد إلى أبعد من ذلك بكثير. فهذا النوع من الحب يعتمد على التفهُّم والتفكير والإدراك، فهو لا يعتمد على التواصل الحسّي أو المعنوي، كما هي الحال في النوعين السابقين. فهو نوع خاص جداً من الحب.
رابعاً: الحب الفطري
يتخطَّى هذا النوع من الحب حُدود الجسد والعواطف وجوانب الشخصية، فهذا الحب يجعلك تتقبّلين كل ما يتعلق بطفلك من أفعاله وأفكاره وشكله وسلوكياته... بكل ما فيه من إيجابيات وسلبيات، إنه الحب الخالد الذي يستمر فوق معاني الحياة كلها، فهو الذي يحكم علاقتك بطفلك، لأنه ولد مع ولادته، ما يجعلك تفرحين لفرحه، وتحزنين لحزنه، إنه رباط قوي وهو رباط من نوع خاص ألا وهو الرباط الروحي، الذي ينقل لطفلك مشاعر الحب والتقدير لوجوده في حياتك، إنه يعطيه الشعور بالأمان والسعادة والطمأنينة، ويجعله منسجماً مع ذاته ومع الآخرين.
إنّ الجمع بين كل هذه الأنواع المختلفة للحب يُفجّر داخل طفلك طاقات كبيرة تساعده على الاستمتاع بحياته، وبناء شخصية تفخرين بها، تمنحه المزيد من النجاح في التواصل مع الآخرين، والنجاح في مشروع حياته وهو كبير، واستثمار كل هذه الطاقة على أكمل وجه، وما عليك بعد تعبك في تربيته، إلا جني ثمار ما زرعت فيه وهو صغير.