اعتبرت الاستشارية النفسية والتربوية، الدكتورة مرام بني مصطفى، ظاهرة «التنمر الوظيفي الناعم» من أخطر الظواهر السلبية المنتشرة في بيئة العمل. وأوضحت أن هذا النوع يمثل امتدادًا لظاهرة التنمر، التي تبدأ في مراحل مبكرة من العمر، وتظهر بكثرة في المدارس، خلال مرحلة المراهقة، إلا أنها تتراجع تدريجيًا عند الانتقال إلى الجامعة. لكن المفاجئ أنها تعود، مجددًا، للظهور في أماكن العمل.
وتُعرِّف الدكتورة مرام «التنمر الوظيفي الناعم» بأنه «الأذى المقصود، الذي يقوم به شخص أو مجموعة من الأشخاص تجاه شخص آخر أضعف»، وهذا واحدٌ من المسميات الحديثة للاضطهاد الوظيفي. وغالباً يَصدر من القيادات تجاه الموظفين أصحاب الكفاءة والتميز في العمل، والإتقان، لأنهم يتجنبون أي مواجهات تُظهر ضعفهم، فيلجؤون إلى مثل هذه الأساليب الملتوية، وغير المهنية.
ووفق الاستشارية النفسية والتربوية، فإن «المتنمِر» هو الشخص الذي يقوم بالسلوك المؤذي؛ مُتعمداً إزعاج الضحية، دون وجود أي معايير لاختيار الضحية؛ فالهجوم، غالباً، يكون من دون سبب واضح. أما «المتنمَّر له» فهو الشخص الذي يتلقى الإزعاج والإهانة، وغالباً يعجز عن الدفاع عن نفسه أمام تلك التصرفات.
ما أسباب «التنمر الوظيفي الناعم»؟
حددت الدكتورة مرام أسباباً واضحة لهذه الظاهرة السيئة، وهي كالتالي:
- غياب القوانين والرقابة: أي عدم وجود لوائح واضحة، تحمي الموظفين، وتصون كرامتهم، مع ضعف الرقابة على الإدارات.
- عدم معرفة الموظفين بحقوقهم: هو جهل الموظفين بقانون العمل، وحقوقهم الأساسية، إضافة إلى غياب الوصف الوظيفي في العديد من المؤسسات.
- قلة الاهتمام بالصحة النفسية: عدم توفر الدعم النفسي، أو محاضرات التوعية حول الصحة النفسية، والذكاء الانفعالي.
- غياب المتابعة الإدارية الفعالة: ويكون بضعف متابعة أداء الموظفين، وعدم منع تجاوز الصلاحيات، في العلاقات المهنية.
ما أشكال «التنمر الوظيفي الناعم»؟
- التنمر اللفظي: ويكون باستخدام ألفاظ غير لائقة، وتعليقات سلبية.
- التنمر الجسدي: قد يصل إلى الاعتداء بشكل مباشر.
- التنمر الاجتماعي: من خلال عزل الموظف عن الأنشطة الجماعية، وعدم تقديره، وتجاهله بشكل كامل.
- التنمر العاطفي: عبر التلاعب بالمشاعر، وتجاهل الإنجازات.
كيف نتصدى للتنمر؟
وضعت بني مصطفى أسساً مهمة؛ لمواجهة هذا النوع السام من التنمر، والتغلب عليه، وإيقاف المتنمر، ومنعه من الاستمرار في سلوكه المشين، ومنها اتخاذ ما يلي:
- المواجهة بحزم: واجه المُتنمِّر، ولا تسمح لأي شخص بالتقليل من شأنك، أو إحراجك، أو جعلك موضعاً للسخرية، ومهما كان سبب التنمُّر، فلا يجب أن تقلل من قيمة نفسك، أو أن تضعف ثقتك بها؛ بل على العكس، أظهر اقتناعك التام بما أنت عليه، ولا تسمح للإساءة بالنيل منك، ولا تكترث أبداً لشأنه، وتجاهل كل تعليماته وملاحظاته، والتزم بعملك، والأهم من هذا كله، لا تُجَارِهِ، أو تضحك على سخريته منك، ولا تتنمَّر أنت عليه كردِّ فعل منك؛ بل تجنَّب حديثه، وحوِّل أي نقاش بينكما، وأرجعه إلى مجال العمل.
- انسحب فوراً: إن شعرت، في حديث ما، بأنَّ أحداً يريد التقليل منك، فانسحب فوراً. وإن تكرر الأمر، فكن حازماً في رفضه ولا تتهاون معه، فالتهاون لن يردعه أو يخجله؛ بل سيدفعه إلى التمادي في إزعاجك.
- اقطع علاقتك بالمتنمر: اقطع علاقتك نهائياً بالشخص المُتنمِّر داخل محيط عملك؛ وإن كان لا يتنمر عليك فتجاهله، وتصرَّف كأنَّه غير موجود، ولا تحاول الانتقام منه، وحافظ على هدوئك.
- عزز ثقتك بنفسك: حاول دائماً تعزيز ثقتك بنفسك، واحرص على الظهور بشكل لائق، والتحدث بأسلوبٍ لطيفٍ واضحٍ، يدل على فهمك وذكائك، واتزانك.
ختاماً تذكر أن المُتنمِّر إنَّما يقوم بما يقوم به؛ لأنَّه شخص قليل الثقة بنفسه، وقدراته ومواهبه ومهاراته، وكل ما يحاول فعله، هو جعلك شماعة يعلق عليها كل نقصه وإخفاقه، لذلك لا تكترث أبداً لكل ما يقوله، ولا تمنحه أية أهمية أو وزناً.