مع بداية العام الجديد.. كثيرون منا يتطلعون إلى البدايات الجديدة، والفرص التي يحملها المستقبل. وبينما نرسم أهدافنا وخططنا، قد يكون من المفيد أن نبدأ بأبسط شيء، يمكننا التحكم فيه (أنفاسنا)، فالتنفس العميق ليس مجرد وظيفة جسدية؛ بل هو مفتاح لحياة أكثر صحة وسعادة، ووسيلة فعالة للتغلب على التوتر، والتحديات النفسية التي قد ترافقنا.

لإلقاء الضوء على أهمية «تمارين التنفس»، وفوائدها المتعددة.. نستعرض قصة «ريم»، وهي مهندسة معمارية ناجحة في منتصف الثلاثينيات، اعتادت النشاط والإبداع. فكانت تنظم وقتها بين عملها المليء بالضغوط، وبين حياتها الاجتماعية، التي كانت تعتبرها متنفسًا بعيدًا عن صخب العمل. لكن، منذ حوالي سنة، بدأت «ريم» تشعر بتغيرات غريبة في صحتها الجسدية والنفسية، وقد بدأ كل شيء بعد مشروع كبير، تطلب منها العمل لساعات طويلة بلا راحة. في البداية، شعرت بالإرهاق الجسدي، لكنها تجاهلت الأمر، معتقدة أنه مجرد ضغط مؤقت. لكن، لاحقًا، بدأت تعاني آلاماً متكررة في الصدر، وخفقان القلب، ودواراً لا تفسير له. وفي الوقت نفسه، كانت هناك أفكار متسارعة، وشعور دائم بالتوتر والقلق، فاستشارت العديد من الأطباء، وأجرت الكثير من الفحوص، لكنها كانت دائمًا تسمع الإجابة نفسها: «جسدك سليم.. لكنك تعانين توتراً نفسياً حاداً».

  • «تمارين التنفس» بين تعزيز الصحة النفسية وتقليل التوتر

لتفسير حالتها، ومساعدتها بطرق بسيطة يمكن أن تعيد إليها الهدوء والتوازن، تحدثنا مع الدكتور ياسر مدني، استشاري أمراض الرئة وأمراض النوم في مستشفى «هيلث بوينت»، والدكتور حبيب عبد الله، اختصاصي علم النفس السريري في «مبادلة للرعاية الصحية دبي»، اللذين قدما رؤى قيّمة حول أهمية التنفس العميق، ودوره في تعزيز الصحة النفسية والبدنية.

«التوتر المزمن» حالة تجعل الجسم في استنفار دائم؛ نتيجة ضغوط الحياة. وهذه الحالة - في معظم الأحيان - لا تؤثر في الصحة النفسية فقط، بل تسبب اختلالات في الصحة الجسدية أيضًا، بما في ذلك: اضطرابات النوم، والصداع المتكرر، وهما حالتان شائعتان جدًا بين الذين يعيشــــون تحت وطأة التوتر المســــــتمر، فالجسد لا يفرق بين التهديد الفعلي والخطر المتخيل؛ لذا يبقى في حالة استعداد دائم، ما يؤدي إلى إنهاك العضلات، وزيادة ضغط الدم، واضطراب نمط التنفس. 

التنفس.. لاستعادة التوازن

يوضح الدكتور حبيب عبد الله أن التنفس العميق وسيلة بسيطة، لكنه فعال في تهدئة العقل والجسد، فيقول: «في ظل تسارع وتيرة الحياة وزيادة التوتر، يمكن لممارسة التنفس العميق أن تكون أداة فعالة في تنظيم الأفكار، وتخفيف القلق، وتحسين جودة النوم». وأكد أن تمرينًا بسيطًا، مثل التنفس المنظم (الشهيق لأربع ثوانٍ، وحبس النفس لأربع ثوانٍ، والزفير لأربع ثوانٍ، والانتظار لأربع ثوانٍ أخرى قبل الشهيق مجددًا)، يمكن أن يهدئ العقل والجسم، بشكل كبير. 

وأضاف الدكتور حبيب أن هذه الممارسات تساعد في تقليل معدل ضربات القلب، واسترخاء العضلات، وتنظيم الدورة الدموية، ما يؤدي إلى تعزيز الصحة العامة. وأشار إلى أهمية ممارسة هذه التمارين بانتظام، إذ يمكن للتنفس العميق أن يدعم صحة القلب، ويحسن مرونة الرئتين، ويساعد في تخفيف الألم العضلي. وقال: «إن هذه التمارين البسيطة لا تحظى بالاهتمام الكافي، رغم أهميتها؛ فممارستها - بشكل دوري - تعزز الأكسجين في الجسم، وتساعد في استرخاء العضلات، وتقلل التوتر، وتدعم صحة القلب من خلال تنظيم تدفق الدم، وتحسين سعة الرئة. وبالنسبة للمصابين بأمراض مزمنة، كالانسداد الرئوي المزمن، يمكن لأساليب التنفس الصحيحة أن تكون عادة مهمة في إعادة تأهيل رئتيهم، وتحسين مرونة وجودة حياتهم».

أخطاء شائعة 

يوضح الدكتور ياسر مدني أن الكثيرين يرتكبون أخطاء شائعة عند ممارسة تمارين التنفس، كالتنفس من الصدر بدلاً من البطن؛ فيقول: «يجب استخدام الحجاب الحاجز كعضلة رئيسية للتنفس، فالتنفس من البطن هو الأسلوب الصحيح؛ للحصول على فوائد التنفس العميق». وأشار إلى أهمية الجلوس بوضعية مريحة ومستقيمة أثناء التمرين، مع استرخاء الكتفين، واستنشاق الهواء ببطء من الأنف، والزفير من الفم. كما أوصى بممارسة التمارين في مكان هادئ ومريح؛ لتحقيق أقصى فائدة. وأضاف الدكتور مدني أن تمارين التنفس العميق يمكن أن تساعد الذين يعانون اضطراب نمط التنفس، أو الآلام المزمنة، مشيرًا إلى أهمية ممارسة هذه التمارين بشكل يومي. ويقترح، كذلك، تكرار التمارين ثلاث مرات يوميًا: صباحًا قبل الإفطار، وظهراً قبل الغداء، ومساءً قبل النوم. 

  • «تمارين التنفس» بين تعزيز الصحة النفسية وتقليل التوتر

تمارين تنفس لتحسين الصحة النفسية والجسدية 

استعرض الدكتور ياسر مدني خطوات عملية لتمارين التنفس البطني، تساعد في تحسين تدفق الأكسجين، وتقليل التوتر: 

1. اجلس على كرسي مع ثني الركبتين، واسترخاء الكتفين، والرأس.

2. ضع يدًا على بطنك، والأخرى على صدرك.

3. استنشق الهواء ببطء من الأنف، مع ملاحظة حركة البطن تحت يدك.

4. قم بشد عضلات بطنك أثناء الزفير، مع دفع البطن نحو الداخل.

5. ركز على الزفير أكثر من الشهيق، واستمر لمدة خمس دقائق يوميًا، مع زيادة المدة تدريجيًا. 

أما الدكتور حبيب عبد الله، فأوصى باستخدام تمرينات التنفس العميق المنظم، من خلال الشهيق لأربع ثوانٍ، وحبس النفس لسبع ثوانٍ، والزفير ببطء لثماني ثوانٍ. وأكد أن هذه التمارين فعالة، بشكل خاص، في تحسين جودة النوم، وتقليل القلق. 

التنفس العميق.. أكثر من مجرد استرخاء 

يؤكد الطبيبان أن تمارين التنفس لا تقتصر فوائدها على تهدئة الأعصاب، بل تشمل: 

- تحسين جودة النوم. 

- تعزيز الصحة القلبية. 

- تقليل الألم العضلي، والتوتر البدني. 

- دعم الصحة النفسية عن طريق تخفيف أعراض القلق، والاكتئاب. 

- تحسين مرونة الرئتين، وتدفق الأكسجين. 

يقول الدكتور حبيب عبد الله: «إن (التنفس العميق) تمرين بسيط وفعال، ويمكن أن يكون جزءًا من عاداتنا اليومية؛ لتحسين صحتنا النفسية والجسدية؛ فهو طريقة سهلة للوصول إلى الهدوء والسعادة، دون الحاجة إلى معدات، أو وقت طويل». 

عام جديد من الصحة والإيجابية 

مع كل نفس عميق، افتح صفحة جديدة لعام مليء بالإيجابية والصحة؛ فإدخال تمارين التنفس في روتينك اليومي لا يتطلب أكثر من بضع دقائق، لكنه يقدم فوائد لا تُحصى لعقلك وجسدك؛ فاجعل التنفس العميق جزءًا من رحلتك اليومية، واستقبل العام الجديد بطاقة متجددة، وسعادة وهدوء.. خذ نفسًا عميقًا، وابدأ الآن!