ميرة القاسم: «بنات مطر» يمزج التراث بالأصالة
تتجول في عوالم خيالها؛ فتنسج من سحر هذا الخيال كلماتها، ورسوماتها، وهي التي كانت تخاف من الرسم صغيرةً، وكبرت على الأنغام الموسيقية، التي قادتها إلى كتابة الشعر. ميرة القاسم، الشاعرة التي صدح بكلماتها عدد من المغنين، منهم: عبد الله بالخير، ومحمد اليافعي، وسارت أصوات قصائدها عبر الأثير، ومجلات الشعر؛ لتستقر في قلوب القراء والمستمعين.. في حوار خاص مع مجلة «زهرة الخليج»، تستعرض ميرة القاسم رحلتها في عالم الفن والشعر، وتكشف عن ذكريات وتجارب، تركت بصمةً في قلب كل من عرفها:
معروف أنك شاعرة مبدعة، ومؤخراً خضت تجربة الفن التشكيلي.. ما سبب هذا التحول؟
الفن كان، بالنسبة لي، تجربة جديدة، ومتنفساً روحياً، خاصةً بعد دخول والدي في «غيبوبة»؛ فحينها شعرت بأن الألوان علاجي الذي أحتاج إليه، فكانت وسيلتي للتعبير، بجانب الكتابة. في تلك الفترة، لم أكن قادرة على الكتابة، بسبب شعوري بالضيق النفسي؛ فلجأت إلى الرسم كوسيلة للتنفيس، والإبداع. ورغم الاختلاف الشكلي بين الكلمة واللون، إلا أن الهدف واحد؛ وهو التعبير عما في داخلي. في طفولتي، كان الرسم كابوساً بالنسبة لي، وكانت زميلاتي يجدن الرسم، بينما كنت أخشى السخرية من محاولاتي. لكنني كنت أتمتع بخط جميل، ما دفع معلمتي إلى تكليفي بكتابة أسماء الطالبات في كراسة العلامات. ذات مرة، طلبت مني المعلمة رسم شيء؛ احتفاءً بعيد الاتحاد؛ فاستخدمت خيالي، ورسمت نخلة جعلتها أشبه بـ«النعاشات» المزينة بالأعلام، وفوجئت، لاحقاً، بأن هذه الرسمة نالت إعجاب الجميع، ورغم ذلك لم أستمر في الرسم لفترة طويلة، ربما بسبب خوفي من النقد.
فواصل صغيرة
من فواصل الكتب إلى اللوحات الكبيرة.. حدثينا عن هذه الرحلة!
أنا قارئة شغوفة، وأحب اقتناء فواصل الكتب، وخلال جائحة «كورونا»، احتجت إلى الكثير من الفواصل بسبب كثرة قراءاتي؛ فكنت أصنع فواصل يدوية، وأضفت إليها صوراً لأيقونات، مثل: أم كلثوم، وفيروز، والشيخ إمام، وأحمد فؤاد نجم. وقد استخدمت تقنيات الكولاج وإعادة التدوير، وأحببت الفكرة كثيراً، فصار لديّ في كل كتاب فاصل. بعدما أعجبتني الفكرة، رسمت سلسلة «بنات مطر»، الفواصل التي تحوي قصاصات من الأقمشة، حيث أرسم الوجوه، وألبسها أقمشة تقليدية؛ ولأن كل قماش كان له مسماه الخاص، جعلني هذا أبحث عن هذه المسميات، وتاريخها، وأولى رسماتي سميتها «نافجة»، وتعني في «العربية الفصحى» السحابة الممتلئة بالمطر، وهذا الاسم كنت أحبه كثيراً، وسميت البقية: «غريسة»، و«غيد»، وغير ذلك من الأسماء القديمة، فكأنني في كل رسمة أحيي اسماً قديماً، والحياة مطر؛ لهذا سميتها «بنات مطر». أما اللوحات؛ فجاءت بتشجيع من الأصدقاء، إذ رأوا أن الفواصل صغيرة، والرسمة بحاجة إلى لوحة أكبر، لكنني كنت قلقة من هذه الخطوة، لأنني أخاف من الأشياء الكبيرة، فحتى البيوت الكبيرة لا تستهويني، ودائماً أحب البيوت الصغيرة الدافئة، فالفواصل كانت تشبهني، وتشبه روحي، فهي صغيرة، ودافئة، وتحتضن قلب الكتاب. لكنني جربت، وحينها أصبحت العيون في رسوماتي كبيرة، أقرب إلى الكاريكاتير، وفيها شيء من الطفولة، فهي تشبه العيون التي يرسمها الأطفال، وهذا دليل على أنني ما أزال طفلة في داخلي.
أين كانت بداية نشر قصائدك، وكيف برز اسمك كشاعرة؟
بدأت نشر قصائدي في ملحق «فجر الشعراء»، الذي كان يشرف عليه الشاعر سالم سيف الخالدي بجريدة الفجر، فقد كان حينها المنفذ الوحيد للشعراء. لكنني أدين بالفضل - في كتاباتي الشعرية - للشاعر عارف الخاجة، فقد كان أول من اطلع على تجربتي، وعلى الرغم من بدائيتها، إلا أنه كان مشجعاً وموجهاً لي في الكتابة، والقراءة، لأسير على الطريق الصحيح في العروض والموسيقى. وكانت بدايتي مع الشعر العمودي، فنشرته في العديد من الملاحق الأدبية، في إصدارات، منها: «زهرة الخليج، والبيان، والاتحاد». ومع الوقت، أصبحت أكثر جرأة في التجربة، وبدأت أتمرد على القوالب التقليدية، وأعتبر ذلك مرحلة مهمة في تطوري كشاعرة.
حرة.. و«مقولبة»
دخلت عالم الأغنية من باب «القصيدة العمودية»، رغم تمردك الشعري.. كيف حدث ذلك؟
لا أكتب الأغاني بمعناها التقليدي، لكنَّ بعض قصائدي كانت ملهمة لبعض الفنانين، وكانت كلماتها تنتمي إلى الشعر العمودي، لكنني كنت أحاول التمرد على هذا الشعر «المقولب».. بلغتي، ومجازاتي. أنا عاشقة للغة، وإنسانة حرة لا أحب أن يقيدني أحد بشيء ما، وكذلك في القصيدة، فكنت أحاول أن أكون حرة و«مقولبة» في آنٍ. أول تعاون لي كان مع الفنان خالد الشيخ، الذي أعجب بقصيدة لي، قرأها في إحدى المجلات؛ فتواصل معي، وطلب تلحينها، لكن الظروف حالت دون إتمام هذا المشروع؛ بسبب وفاة الفنانة رجاء بالمليح، التي كان من المفترض أن تكون شريكته في هذه الأغنية، وظل النص لديه، وكان مصراً على أن يغني لي شيئاً، فاختار نصاً آخر بعنون «ما أسافر»، ولحنه، وغناه الفنان عبد الله بالخير. فبدأت أغنياتي تعرف طريقها إلى الجمهور، وغنى لي فنانون من الإمارات والكويت، ولحن كلماتي كبار الملحنين، ومنهم سليمان الملا.
الموسيقى كانت مدخلك لكتابة الشعر، فهل أثرت في تجربتك الأدبية؟
منذ كنت طفلةً وأنا أكتب، لكنني لم أكن أعرف ما هذا الذي أكتبه، فقد كنت أكتب لأن الكتابة - في حد ذاتها - شيء استمددته من الموسيقى، ومن الأغنية. والدي ووالدتي، حفظهما الله، من محبي الموسيقى، وكانت أمي في صغري حينما تكون في المطبخ، يرافقها الراديو، وكنت معها، فأستمع إلى أصوات فيروز، وطلال مداح، وغيرهما من الأصوات الغنائية المميزة. وحينما أخرج مع والدي، أستمع إلى أم كلثوم، وفريد الأطرش، وغيرهما ممن تصدح أصواتهم في المذياع، كل هذا الكم من الأسماء، كبرت وأنا أحفظ كلماتهم في داخلي، أحفظها لعشقي للموسيقى والنغم، فحياتي لا شيء من دون الموسيقى. هذا المخزون ولّد - في ما بعد - شيئاً ما، فبقيت أكتب، وأقلد الأغاني التي أسمعها، حتى استوعبت أن ما أفعله محاولة لكتابة الشعر.
وفي هذه العوالم الغنية بالموسيقى والألوان، تواصل ميرة القاسم نسج حكاياتها، متنقلةً بين الشعر والرسم، ومتحديةً القيود بأسلوبها الفريد، وشخصيتها التي تعكس حبها للإبداع في كل تفاصيل حياتها.