بالنسبة لكثيرين، يكون انتهاء عامٍ، وبداية آخر، مجرد دورة زمنية طبيعية. لكن هناك فئة خاصة، تنظر إلى هذا التغير بمنظور مختلف، حيث تشكل بداية العام الجديد فرصة لإعادة ترتيب الأولويات، ووضع أهداف جديدة، وتحقيق إنجازات منتظرة، خلال أيام محددة على «صفحات التقويم». للبدايات سحرها الخاص، ورونقها الذي يتجلى في إشراقة صباح العام الجديد، كأنّ الحياة تولد من جديد. في تلك اللحظة، تصبح النظرة إلى الأيام المقبلة أكثر تفاؤلاً، وتحدياً؛ فنسترجع إنجازاتنا السابقة، ونتوق إلى المزيد. نبدأ السباق بروح مليئة بالحماس، مدفوعين بشغف الوصول إلى مكانة جديدة. 

لكن، كيف يتعامل الكتّاب مع هذه البدايات؟.. وما تأثير العام الجديد في إبداعهم الأدبي، وأهدافهم المهنية؟.. في هذا العدد، أجرينا استطلاعاً مع نخبة من الكتّاب؛ لمعرفة وجهات نظرهم حول بداية العام، وتأثيرها في إلهامهم، ونتاجهم الأدبي!

شيماء أحمد: بداية العام ملهمة

الكاتبة الشابة، شيماء أحمد، ترى الإلهام في نبذ الخلافات عند بدايات الأعوام؛ لبدئها بسلام، فتقول: «العالم، بأكمله، يتفق على الاحتفال بالعام الجديد، وينسى الخلاف والاختلاف، وإن لم يكن في هذا إلهامٌ، فلا أعلم في أي شيء يكون!.. فبدايات الأعوام ملهمة، وإن لم أكن - بالضرورة - ممن يضعون قائمة بأهدافهم مطلع كل عام، إلا أنني أحدثت بعض الاستثناءات خلال الأعوام السابقة، وستكون الكتابة، وصناعة المحتوى، من أولويات أهدافي لهذا العام».

عبير أحمد: فرصة للمراجعة

الكاتبة عبير أحمد، تجد في بدايات الأعوام طاقة متجددة، تدفعها إلى تحديد أهداف طموحة، وقابلة للتحقيق في الوقت نفسه، كما تراها فرصة لمراجعة ما حققته خلال عام سابق. وفي ما يخص الكتابة، تقول: «في مجال الكتابة، أضع أهدافًا عدة، كإنهاء مشروع أدبي جديد، بعد دخولي هذا المجال، وأستفيد من الملاحظات؛ لتحسين أسلوبي، وأبحث - بشكل مستمر - عن أسلوب جديد لتسويق أعمالي الحالية. أما على المستوى الشخصي أو المهني، فأحرص على تحديد أهداف تطويرية، منها: اكتساب مهارة جديدة، وتوسيع دائرة التأثير، أو استحداث عادات يومية».

  • أدباء يعيدون رسم أحلامهم بحبر الإبداع!

شيخة المطيري: أحدد لنفسي حلماً جديداً

الشاعرة، والإعلامية، ومحققة المخطوطات شيخة المطيري، لديها نظرتان إلى بدايات الأعوام: الأولى هادئة، والأخرى تأملية، وتخبرنا عنهما؛ قائلة: «البدايات، دائماً، تكون محطة هادئة وسط ضجيج الأيام، فنقف فيها قليلاً، كأننا نلتقي أنفسنا للمرة الأولى، فنتأمل ملامح أمنياتنا كمسافرين يلتقون بعد محطات كثيرة، ويحملون حقائب الأسئلة: أين نحن الآن؟.. وأين نريد أن نكون؟.. فنقلب دفاتر يومياتنا، ونقرأ بعض الذكريات بين تحديات وإنجازات ومواقف. ثم يبدأ الحوار الكبير. وقبيل التفاتة إلى السنة الماضية، أجلس مع ذاتي، واضعة خططاً مدروسة، تكون محسوبة بالإطار الزمني، وأحدد لنفسي حلماً جديداً؛ فلا أحب أن يمرَّ عام من دون إنجاز.. فهكذا أشعر بأنني أعيش في هذه الحياة، وتتنوع الأحلام بين الشعر والكتابة الأدبية عموماً، وبين البحث العلمي، والإنجاز المعرفي في الجوانب التي أحبها، مثل: السفر، والزيارات الفنية، وحضور العروض (الأوبرالية)».

عبد الرحمن الحميري: أحسّ كأنني في قلب الزمن

الشاعر عبد الرحمن الحميري، لديه شعور غامض ينتابه كل ليلة رأس سنة، فيقول: «تجتاحني موجةٌ من الهواجس والوساوس الوجودية المبهمة، وأحسّ كأنني في قلب الزمن، لكنّ الأوان يفوتني من كل جهة. كتبتُ مرةً أن كلّ شعورٍ لا أجد له تسمية يذهب إلى خانة الحزن. فهناك حزنٌ غريب ينتابني في الليالي التي تشهد تبدّلاً زمنياً، أو ظاهرةً كونية، كعام جديد، أو كسوف، أو خسوف، أو تقلّب شتوي...إلخ. أحس حينها بأنني وحيد، وشاهدٌ على شيءٍ ما. ودائماً، في ليلة رأس السنة، أحمل معي كتاب (قصائد آخر ليلة على كوكب الأرض)؛ فهذا العنوان - الذي يشبه النبوءات - يلامس وتراً حساساً في نفسي، وارتبط عندي بهذه الليلة، كأنه كُتب فيها، ولأجلها. قال لي أحدهم، مرةً: إنّك تشعر بكل هذا؛ لأنك مولودٌ في رأس السنة؛ فاجتمعت بداية العام وذكرى ميلادك. ربما، سابقاً، كنت أحاول جاهداً أن أعثر على مغزى، وأبذل ما في وسعي؛ لأكتب عن الأمر. لكنني بمرور الوقت هدأت، وصرت لا أرجو من هذه الليلة إلا أن تنقضي سريعاً. وفي صبيحة العام الجديد، أستحضر - بشيءٍ من الارتياح - بيت أبي العلاء:

(النـاسُ كالنــاس، والأيـــامُ واحـــــــــدةٌ

والدهـرُ كالدهـــرِ، والدنيــا لمـــن غلَبا)».

هند الباز: أقيم نفسي وإنجازاتيالكاتبة التي وجدت نفسها في الكتابة لليافعين والأطفال، هند الباز، لا تشعر كثيراً بالإلهام عند تغير السنوات، لكن لها نظرتها النفسية تجاهها، فتخبرنا عن هذا، قائلة: «هي أرقام تتغير، وليس المهم ترقبها أو الاحتفاء بها، بل تقييم أنفسنا وإنجازاتنا. هذا ما أشعر به كل عام، حتى إنني قبل دخول العام الجديد أنظر إلى السماء، وفي لحظة دخوله أقول في نفسي: (لم يتغير شيء.. السماء هي السماء.. والنجوم هي النجوم)». ثم تنهي كلامها (ضاحكة): «ربما أنا لست شخصاً شاعرياً».

سارة عبد الله: لحظة للتفكير العميق

الدفاتر الجديدة، والأقلام الملونة، والدرج المملوء بالمسودات، التي تحمل تواريخ جديدة.. كل هذا بالنسبة لكاتبة الأطفال والشاعرة سارة عبد الله، سحرٌ تعرفه بدايات أعوامها.. تحدثنا: «لعلّ اكتمال دورة الشمس حول الأرض كافٍ لإلهام الإنسان، وتحفيزه على إنجاز المهام. فالأحلام تصبح أهدافًا، والأهداف تتحوّل إلى خطط، والقصص تصير أحداثًا ماضيةً، تنتظر أن تُروى. ومع مرور الوقت، أُذكّر نفسي بأنّ الأفكار تحتاج إلى بيت لتعيش فيه، ولا بيت أفضل من الصفحات البيضاء. بدايةَ كل عام، أقف عند مفترق طرق، وأعود قليلًا إلى الوراء؛ لأستعرض ما مضى. أُعيد قراءة اللحظات التي شكّلتني، والتجارب التي علّمتني، والقرارات التي قادتني إلى هنا. في هذه المراجعة، أجد توازنًا بين الاحتفاء بالإنجازات، وقبول الهفوات، ما يساعدني على تطوير نفسي. البدايات ليست فقط فرصة لملء الصفحات البيضاء، بل هي أيضًا لحظة للتفكير العميق. فأسأل نفسي: ما الذي أريد أن أحمله معي من العام الماضي؟.. وما الذي أريد أن أتركه خلفي؟.. وما نيتي للعام الجديد؟.. فالنوايا - على بساطتها - بها قوة هائلة لتوجيه المسار، سواء على مستوى الكتابة، حيث تتحوّل الأفكار إلى مشاريع أدبية، أو على مستوى الحياة الشخصية».