شما الحلامي مصممة مجوهرات إماراتية شابة، أدركت أن المجوهرات مكانها المثالي لإطلاق إبداعها اللا محدود، فبدأت رحلتها بابتكارات تدمج التراث الإماراتي والتصاميم العصرية في قطع فنية تحمل معاني عميقة، وقصصاً تنبض بالحياة، عبر علامتها «Shamma Alhallami».
بعد فترة تدريبية شاملة لمدة سنتين، أطلقت شما أول مجموعة لها في بداية عام 2022، فلاقت الاستحسان، وبيعت جميع قطعها فَوْر عرضها. وهذا العام، تمثل آخر إبداعاتها في مجموعة مميزة خاصة بعيد الاتحاد الإماراتي، أطلقت عليها اسم «بصمة زايد».. تحدثنا عنها شما في هذا الحوار، بالإضافة إلى مجموعاتها الأخرى المميزة، التي تهدف إلى الحفاظ على الهوية والتراث الإماراتيين، ومواكبة التطور في الوقت نفسه:
ما الشرارة الأولى، التي أشعلت شغفك بعالم المجوهرات؟
الشرارة الأولى، التي أشعلت هذا الشغف، بدأت من حبي العميق للفن والتصميم والإبداع. فمنذ صغري، كنت أبحث عن وسيلة للتعبير عن نفسي من خلال الابتكار، في الأزياء والديكور وتصميم المناسبات. لكنني لم أجد كياني الحقيقي أو الشغف الذي يلامس خيالي؛ حتى التقيت السيد سالم الشعيبي، وابنه حمدان الشعيبي، اللذين كان لهما الفضل الكبير في اكتشاف موهبتي، ومنحي فرصة دخول عالم المجوهرات. حينها، وجدت نفسي محاطة بأمهر الحرفيين، المتخصصين في صياغة المجوهرات التراثية، وكان ذلك اكتشافاً لعالم جديد كله شغف وتحدٍّ. في ذلك الوقت، أدركت أن المجوهرات هي المكان المثالي لإطلاق إبداعي؛ فهي عالم بلا حدود، يتيح لي دمج التراث الإماراتي مع التصاميم العصرية في قطع فنية تحمل معاني عميقة، وقصصاً تنبض بالحياة. وتحول هذا الفضول إلى شغف دائم، وكان دافعاً لي للاستمرار في رحلتي كمصممة مجوهرات، فأصبحت كل قطعة أصممها وسيلة للتعبير عن الهوية الثقافية، والإبداع الذي لا ينتهي.
متى بدأت رحلتك العملية والفعلية، كمصممة مجوهرات؟
بدأت رحلتي العملية كمصممة مجوهرات منذ حوالي 5 سنوات، عندما قررت أن أحقق شغفي العميق بالمجوهرات، وأحوّله إلى مسار مهني حقيقي. جاءت أولى خطواتي في هذا المجال بفضل الدعم والتوجيه، اللذين تلقيتهما من الأستاذ حمدان الشعيبي، الذي لعب دوراً محورياً في تعليمي وتوجيهي، فأمضيت أول عامين أتعلم فيهما أساسيات التصميم، وأدق تفاصيل فن صياغة المجوهرات. كانت تلك الفترة مليئة بالتعلم والممارسة العملية، وأساساً قوياً لانطلاقتي. في بداية عام 2022، أطلقت أولى مجموعاتي تحت اسم «Desert Blossom»، ولاقت إعجاباً كبيراً، وتم بيع جميع القطع فَوْر عرضها. هذا النجاح كان نقطة انطلاقي الحقيقية، فقررت مواصلة مسيرتي كمصممة إماراتية، حاملة تحدي دمج التصاميم التراثية الإماراتية بروح عصرية، تواكب تطلعات جمهور اليوم.
كيف تدمجين الثقافة والتراث الإماراتيين في تصاميم مجوهراتك؟
أدمج الثقافة والتراث الإماراتيين في تصاميمي من خلال الموازنة بين الأصالة والحداثة. وأعتبر التراث الإماراتي جزءاً لا يتجزأ من تصاميمي، فأضفي عليه لمساتي الخاصة بأسلوب عصري، دون التخلي عن القالب التراثي الأصيل، فتحمل قطعي لمسات ثقافية إماراتية عميقة، مدمجة بثقافات وحضارات أخرى. وبهذا الدمج بين الثقافات العالمية والتراث الإماراتي، يمكنني تقديم مجوهرات تحمل رسالة ثقافية قوية، تعكس هويتنا المحلية، وتتماشى - في الوقت نفسه - مع الاتجاهات العالمية، ما يجعلها جذابة للأذواق العالمية، ومحافظةً على قيم التراث والإبداع.
ماذا عن عمليتك الإبداعية.. من الإلهام، فالرسم، ثم القطعة النهائية؟
عملية الإبداع، بالنسبة لي، رحلة تبدأ من لحظة الإلهام، وتنتهي بإنتاج قطعة فنية فريدة؛ وكل خطوة في هذه الرحلة لها دور مهم في تحقيق النتيجة النهائية، التي تعكس رؤيتي، وتدمج التراث والإبداع المعاصر. عادةً، يكون إلهامي نابعاً من مزج حضارات تاريخيّة، أو ثقافات عالمية، أو تجارب شخصية، مع تراثنا الإماراتي؛ فتضفي تنوعاً وثراءً على التصميم. بعد أن ألتقط فكرة الإلهام، أرسم التصاميم الأولية، وأركز على التفاصيل الدقيقة، التي تعكس جمال القطع، وهذا يتطلب توازناً بين الإبداع والتقنية. بعدها، أنتقل إلى مرحلة التنفيذ مع أمهر الحرفيين لدى مؤسسة سالم الشعيبي للمجوهرات، باستخدام تقنيات حديثة، ويدوية. كما أحافظ على الحرفية الإماراتية التقليدية، وأختار المواد بعناية، من الذهب والألماس والأحجار الكريمة، بناءً على الرؤية التي أريد تحقيقها. وفي النهاية، أتأكد من أن كل التفاصيل متقنة، وأن القطعة تظهر بالشكل الذي تخيلته، وتعكس جوهر التراث الإماراتي، بأسلوب عصري يواكب الأذواق الحديثة.
ما الذي ألهمك ابتكار مجموعة خاصة بعيد الاتحاد؟
إن تصميم هذه المجموعة ينبع من اعتزازي العميق بوطني، وارتباطي القوي بهويتي الإماراتية، فيمثل وطني جزءاً لا يتجزأ من هويتي، وشغفي. وكل قطعة أصممها لعيد الاتحاد تجسيد لحبي وفخري بهذا الوطن الغالي. وأردت، أيضاً، أن تحمل هذه القطع رسائل فخر وامتنان لكل من ترتديها، والشعور بالانتماء العميق والمسؤولية تجاه هذا الوطن؛ فهذه المجموعة ليست فقط قطعاً جمالية، بل أيضاً رمز من رموز تاريخنا وثقافتنا، التي تحمل معاني الوحدة والإنجاز والازدهار، التي حققتها الدولة.
«عجيد الريم»
ما المواد والأحجار الكريمة، التي اخترتها للقطع الاحتفالية بعيد الاتحاد، وماذا تمثل؟
مجموعة «عجيد الريم» أطلقتها بمناسبة عيد الاتحاد؛ تقديراً لسمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية (أم الإمارات)، ولشيوخنا الكرام؛ فهي مجموعة متفردة، تعكس الهوية الإماراتية، وتاريخها الغني. اخترت الألماس لهذه المجموعة؛ للتعبير عن النقاء والتألق والقوة الدائمة، التي تعكس تطور الإمارات، ورؤيتها المستقبلية. كما أن الذهب الأبيض رمز للفخامة والتميز، وهو مادة تعكس روح الحداثة التي تتسم بها الإمارات اليوم. وكذلك، تعكس الأحجار الكريمة الملونة الجانب العصري للمجوهرات، وتضيف لمسة من الأناقة والحداثة، ما يتماشى مع رؤية الإمارات المستقبلية، التي تجمع بين التقاليد والابتكار. أما الذهب الوردي، فكان اختياراً مميزاً في هذه المجموعة، لأنه يحمل رمزية الجمال والدفء والانسجام، ويعكس روح الوحدة والوفاق، التي تجمع شعب الإمارات، ويعبّر عن التوازن بين التراث الإماراتي، والذوق العصري. هذا المزيج لا يجعل مجوهراتنا فقط رمزاً للاحتفال بيوم الوطن، بل يجعلها أيضاً تعبيراً ثرياً عن الفخر والانتماء، وتذكيراً دائماً بالعراقة والتطور في آنٍ.
«بصمة زايد»
ما مفاجآتك في مجموعتك القادمة لعيد الاتحاد؟
لديَّ مفاجأة فريدة في عيد الاتحاد، فقد صممت مجموعة مميزة من المجوهرات، أطلقت عليها اسم «بصمة زايد». هذه المجموعة تشمل: قلادة مرصعة بالألماس على شكل خريطة الإمارات، وتحمل في وسطها بصمة والدنا المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وتنبض بكلمات محفورة «في القلب زايد»؛ لتكون بمثابة تكريم لروح المغفور له الشيخ زايد، الذي كان ركيزة بناء دولتنا الحبيبة. يعكس تصميم هذه القلادة فخرنا واعتزازنا بمؤسس دولة الإمارات، ورؤيته الحكيمة. وتعد تعبيراً حقيقياً عن روح الانتماء والفخر بالوطن، وهي احتفال بعراقة تاريخ الإمارات، ورؤيتها المستقبلية.
لننتقل إلى مجموعة «Eterna Bloom»، والمجموعات الأخرى.. كيف يتردد صداها بين عميلاتك اليوم؟
مجموعاتي لاقت صدى قوياً في الأوساط المعاصرة، ولامست مشاعر عميلاتي بسبب التوازن الذي تقدمه بين الأصالة والابتكار، كما أنها تحمل رسائل عاطفية وثقافية قوية، لكنها أيضاً تتسم بالحداثة والأناقة، اللتين تجذبان ذوقهن. فمثلاً مجموعة «Eterna Bloom» تعكس فلسفتي في الحياة، التي تعلمت منها أن كل تحدٍّ يمكن أن يتحول إلى فرصة للنمو والإبداع. والتصاميم في هذه المجموعة تتناغم مع فكرة التحول والإصرار، حيث تتداخل الدوائر التي ترمز إلى التحديات التي نواجهها، وتصنع نسيجاً قوياً وجميلاً كالأزهار التي تمثل قوة الروح المتجددة داخل كل أنثى. لذلك، أطلقت هذه المجموعة؛ تكريماً للقوة الداخلية التي تمتلكها كل امرأة، وتذكيراً دائماً بأنها قادرة على الازدهار والتألق، مهما كانت الصعوبات التي تواجهها.
«مرية مهراجا»
أخبرينا بالمزيد عن التفاصيل المعقدة، والتقنيات التي استخدمتها في مجموعة «مرية مهراجا»؟
«مرية مهراجا» قطعة فنية نادرة، صممت ببراعة ودقة عاليتين، وقد استغرقت حوالي سنتين من العمل؛ لإتقان تفاصيلها. تعتبر هذه القطعة من أجمل وأصعب التصاميم التي أنجزتها، وتتميز بتفاصيل زخرفية دقيقة ومعقدة تعكس تأثرها بثقافتين عريقتين من الطراز العربي العريق، والعصور الوسطى. و«مرية مهراجا» مرصعة بأجود أنواع الألماس، والأحجار الكريمة النادرة، مثل: الزمرد والياقوت والروبي. ويميزها - بشكل خاص - استخدام الأحجار الكريمة المنحوتة بدقة وحرفية عاليتين على شكل ورود وأوراق خضراء. استغرق نحت هذه الأحجار حوالي 6 أشهر من العمل المتواصل. والتفاصيل المعقدة تضفي على القطعة جاذبية فنية استثنائية، وتبرز جمالها الطبيعي بشكل دقيق ومتقن، ما يجعلها قطعة فريدة تجمع بين التفرد والإتقان في كل جانب.
كيف توازنين بين الحداثة والخلود في تصاميمك؟
أحافظ على الأسس التقليدية بالثقافة الإماراتية، التي تمنح المجوهرات طابعاً خالداً، وأمزجها بتقنيات تصنيع حديثة، ومواد فاخرة تعكس الذوق العصري؛ لتوازن بين الأصالة والابتكار. إن الخلود يكمن في التفاصيل الدقيقة، والجودة العالية بالتصنيع والمواد، بينما الحداثة تتحقق بابتكار الأشكال والتقنيات. وبهذا التوازن، تظل قطع المجوهرات خالدة بقيمتها الفنية والثقافية، وفي الوقت نفسه تتمتع بالأناقة التي تناسب الأجيال الجديدة.
ما الذي تأملين أن تشعر به النساء؛ عندما يرتدين قطعك؟
آمل أن تشعر النساء بالفخر، والارتباط العميق بتاريخهن وثقافتهن؛ عندما يرتدين مجوهراتي. كما أريد أن يشعرن بأنهن لسن فقط يرتدين قطعة فنية، بل يحملن في داخلها قصة وتراثاً إماراتيين غنيين، ما يعكس الأصالة والهوية، لتكون بمثابة جسر بين الماضي والحاضر، ما يتيح لهن حمل جزء من ثقافتهن الغنية معهن بشكل عصري وأنيق. فالمجوهرات بالنسبة لي ليست فقط للتجميل، بل وسيلة لتعزيز الثقة بالنفس، وإبراز الجمال الداخلي. لذلك، آمل أن تشعر النساء بالقوة والجاذبية والأنوثة المتوازنة؛ عندما يرتدين قطعي، ويشعرن بالفخر والإلهام كأنهن جزء من قصة أكبر من مجرد قطعة فنيّة، بل قصة ثقافة وتاريخ يمتدان عبر الزمن.
كمصممة إماراتية.. كيف أثرت رحلتك في عملك؟
نشأتي في الإمارات، التي تتميز بتراث ثقافي غني، وبيئة اجتماعية فريدة، ساعدتني في فهم عميق للهوية الإماراتية، وأثرها في الفنون. هذا الارتباط العميق بالثقافة المحلية دفعني إلى دمج تصاميمي مع عناصر من التراث الإماراتي بأسلوب عصري. كما ساعدتني التجارب التي خضتها، في الدراسة أو السفر، من خلال الاطلاع على ثقافات مختلفة، على تبني أساليب وتقنيات جديدة، أتاحت لي توسيع أفكاري، وتقديم مجوهرات تتحدث لغة عالمية، ولكنها تبقى وفية لجذورها الإماراتية. كما أن التحديات التي واجهتها لفهم كيفية تعبير المجوهرات عن قصة ثقافية، دفعتني إلى اكتساب المزيد من المهارات والاحترافية في عملي. باختصار، رحلتي كمصممة إماراتية شكلت قوة دافعة لي لاكتشاف طرق جديدة لدمج التراث مع الإبداع، ولتصميم قطع مجوهرات تعكس ليس فقط جماليات الإمارات، بل أيضاً قصتها ورسالتها؛ ما ساعدني في بناء «Shamma Al Hallami»، التي تمثل روح الإمارات، وجسراً بين الماضي والحاضر، في عالم المجوهرات.
حرفية إماراتية
هل هناك قطع من المجوهرات الإماراتية التقليدية قمت بتحديثها؛ لتناسب الأزياء المعاصرة؟
نعم، قمت بتحديث العديد من المجوهرات الإماراتية التقليدية؛ لتناسب الأزياء المعاصرة دون أن تفقد جوهرها التراثي والثقافي، ومنها: «السيتمي، والمرية، والمرتعشة، والطبلة، والطاسة، والهيار، والريش، والحكب»، فقدمتها بتصاميم عصرية، ولمسات مبتكرة، مستوحاة من حضارات وثقافات عريقة مع الحفاظ على التفاصيل الدقيقة، التي تبرز الحرفية الإماراتية. هدفي من ذلك هو تقديم المجوهرات الإماراتية التقليدية بطريقة عصرية، ملائمة لذوق الأجيال الجديدة، بحيث يمكن ارتداء القطع في جميع المناسبات، يومية ورسمية، بلمسة عصرية وتراثية.
إلى أين ستتجه علامتك، مستقبلاً؟
ستتجه «Shamma Al Hallami»، خلال السنوات المقبلة، نحو تحقيق مكانة مرموقة على الساحة العالمية، مع الحفاظ على جذورنا الإماراتية العميقة. كما أطمح إلى توسيع نطاقها؛ لتشمل أسواقاً جديدة، تقدّر الفن والمجوهرات الفاخرة، مثل: باريس، وميلانو، ونيويورك، والتعاون مع كبار المصممين والعلامات العالمية. في الوقت نفسه، أركز على الاستمرار في تقديم تصاميم تجمع بين الأصالة والابتكار؛ لتكون قطعنا تحفة فنية فريدة، تمثل ثقافتنا بقالب عصري.
ما نصيحتك لمصممي المجوهرات الإماراتيين الطموحين، الذين يريدون مزج التقاليد بالإبداع؟
نصيحتي لمصممي المجوهرات الإماراتيين، هي أن يقدروا بعمق تراثهم وثقافتهم؛ لأن الإبداع الحقيقي ينبع من معرفة هويتنا وجذورنا؛ فتراثنا وتقاليدنا ثروة غنية تمنحنا مصادر لا حصر لها من الإلهام، في الألوان، والأشكال، والرموز الثقافية. كما يجب أن يجددوا، ويبتكروا، ويدمجوا هذه الرموز بأسلوب عصري، يعكس ذوقهم الشخصي، واحتياجات السوق العالمية. إن مزج التقاليد بالإبداع يتطلب تجربة أساليب جديدة، دون التفريط في الأصالة. ومن المهم أن يبني المصممون علاقات قوية مع الحرفيين المحليين، والمجتمع الفني؛ لأن العمل الجماعي يفتح آفاقاً جديدة، ويسهم في صقل المهارات. في النهاية، يجب أن يكون الهدف هو الحفاظ على الهوية الإماراتية بتقديم منتج يواكب التطور العالمي.