زيارة «متحف الاتحاد» في دبي رحلة تستحق أن تُروى، فهي ليست مجرد جولة في أروقة التاريخ، بل تجربة غنية تأخذك إلى قلب الحدث، وتجعلك تعيش لحظات ولادة دولة الإمارات العربية المتحدة من منظور جديد. معمارياً وفنياً، يعكس «المتحف» روح الاتحاد من خلال تصميم واجهته الفريدة، المستوحاة من «وثيقة الاتحاد»، فيما تقف الأعمدة السبعة المائلة شامخةً؛ لتجسد القلم الذي وقع به القادة المؤسسون دستور الدولة، مانحةً الزائرين شعوراً بالفخر، والانتماء العميق.

  • «متحف الاتحاد» حلم تحقق

خطواتك الأولى في «المتحف» تعد رحلة استكشافية في حد ذاتها، فبعد أن تستقبلك أجواء الترحيب في قسم التذاكر، ستجد نفسك أمام منظرٍ مهيب. تخيل أنك تقف أمام مقدمة الدستور شامخةً، كأنها تحثك على استكشاف تاريخ هذا الوطن. وعلى الجانب الآخر، تنتظرك مدرجات واسعة، تدعوك إلى الجلوس والاستغراق في التفاصيل، ثم تتسلق الدرج المؤدي إلى الطابق العلوي، حيث ينتظرك عالم آخر من الإطلالات الساحرة، على مشهد بانورامي خلاب، يعانقك بحروف هذا الوطن، وتاريخه العريق.

لكنّ الانغماس الحقيقي في هذه الدعوة المفتوحة؛ لفهم عمق التاريخ الإماراتي، واستشعار «روح الاتحاد»، يبدأ من لوحة فنية مذهلة للفنان الإماراتي عبد القادر الريّس، تزين جدار «المتحف»، الذي يقع تحت الأرض، وتشد ناظرَيْ كل من يدخله، كأنها دعوة بصرية؛ لاكتشاف «أسرار الاتحاد». ويصحبك المتحف في مسار دائري، يعيد الحياة إلى قصص الكفاح والإرادة الصلبة، ويستعرض فيه أحداث تأسيس الدولة، وأهم اللحظات بين عامَيْ: 1968، و1974، ويقدمها بطريقة تفاعلية وملهمة، تُثير الحماس، وتترك أثرًا كبيرًا في قلب كل زائر.

الأقسام الداخلية

بمجرد أن تنزل الدرج الكبير الواقع بعد قاعة الاستقبال، ستذهلك ضخامة المبنى الذي يمتد تحت الأرض، وقبل أن تمر أمام اللوحة الفنية المذهلة للفنان الريس، سيستقبلك مسرح أنيق يتسع لـ120 مقعداً، ومجهز لتنظيم مؤتمرات ومناسبات خاصة، لتستمتع بعروض أفلام تروي قصة الاتحاد. أولى محطاتك في المتحف، تبدأ من «قسم المؤسسين»، الذي يتكون من سبعة أقسام صغيرة، كل منها يحكي قصة قادة ومؤسسي الدولة. وستجد صورة مهيبة لكل قائد، إلى جانب مقتنياته الشخصية، مع شاشة تفاعلية تعرض مسيرته، وشجرة عائلته، وصور نادرة، ولقطات فيديو، تسجل لحظات مهمة من حياته. وستعرف الكثير عن تاريخ الدولة وتراثها، وستستوحي الإلهام من قصص نجاح هؤلاء القادة، وستدرك أن الإنجازات العظيمة لا تُبنى إلا بالعمل الجاد والعزيمة والإصرار، وستشعر بالفخر العارم، والانتماء إلى هذا الوطن العظيم، كما ستدرك حجم التضحيات، التي قدموها لبناء هذا الصرح الشامخ.

  • «متحف الاتحاد» حلم تحقق

من «قسم المؤسسين»، تنتقل إلى قاعة «أماني الاتحاد»، حيث يُعرض فيلم وثائقي، يأخذك - بالصوت والصورة، عبر الزمن - إلى بداية فكرة نشأة الاتحاد، ويُسرد تفاصيل قصة قيام الدولة على وقع أنغام موسيقية، ومؤثرات صوتية، تأسر المشاعر، وتثري التجربة. بعد الفيلم، تدخل قسم «السنوات الأولى»، حيث تجد شاشة حائطية، تعرض صوراً وتعليقات توضح المشاورات الأولى، التي جرت مع الدول المجاورة، ودول العالم المختلفة، مشيرة إلى تلك اللحظات التي كانت مليئة بالأمل والتحدي في الوقت نفسه. بعد هذا القسم، ستجد نفسك أمام خريطة الإمارات التفاعلية، التي تتيح لك استكشاف الإمارات قبل الاتحاد، بتقنية «خرائط الإسقاط» (projection mapping)، ويمكنك تشغيل الخريطة؛ لتظهر أمامك فيديوهات وصوتيات، تروي تفاصيل تلك الفترة المهمة.

تتابع سيرك؛ لتصل إلى «طريق الاتحاد»، الذي يأخذك في رحلة زمنية، تعرض أهم مراحل الاتحاد، عبر ثلاثة أفلاج، تتكون من 3 طاولات ضخمة، مصممة بتقنية حديثة، وشاشات تفاعلية. ويرافقك سرد صوتي يروي أحداث تلك الفترة، حيث يسلط كل فلج الضوء على فترة زمنية محددة من تاريخ الدولة، بدءاً من فترة «الإمارات المتصالحة»، وحتى عام 1970، ثم فترة عام 1971، وانضمام رأس الخيمة إلى «الاتحاد»، حتى عام 1981 تقريباً.

رحلة بصرية مبهرة

في قاعة «غرس الاتحاد»، تأخذك رحلة بصرية مبهرة، مع عرض ثلاثي الأبعاد عبر الزمن، إلى لحظة فارقة؛ هي ذلك اللقاء التاريخي الذي جمع المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، والمغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، في سيح السديرة، على الحدود بين دبي وأبوظبي. ويروي القصة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله؛ فتشعر بأنك تعيش تلك اللحظة التاريخية، بكل تفاصيلها.

  • «متحف الاتحاد» حلم تحقق

وما إن تخرج من تلك القاعة، حتى تجد نفسك في منطقة «التغيير والاتحاد»، التي تضم ألعاباً تكنولوجية مبتكرة، تزيد معرفتك بتاريخ الدولة وقيمها. وكل ما عليك فعله هو اختيار مكعب واحد من المكعبات السبعة، المزودة بشفرات فريدة، ووضعه في مربع وسط شاشة تفاعلية على سطح طاولة مرتفعة؛ لتشاهد المحتوى معروضاً على الجدار أمامك، شارحاً 7 مفاهيم مرتبطة بكل مكعب، هي: الهوية، والدين، والأمن، والدفاع، والاستقلال، والسيادة الإقليمية، والثقافة. إنه قسم يعيد إليك شعور الدهشة، بينما تستكشف عمق الأفكار التي بُني عليها الاتحاد.

بعد الانتهاء من اللعب الذكي، تتوجه إلى منطقة «توحيد الإمارات»، لتستمتع بجولة تتبع خطوات القادة، وتحدياتهم على «طريق الوحدة»، من خلال صور المعروضات المعلقة على جدران متعرجة، ترمز إلى رحلة من التحديات حتى تأسيس الدولة عام 1971م. ويتضمن المعرض مؤثرات صوتية مخصصة، مثل صوت معالي أحمد خليفة السويدي، وهو يعلن عن قيام دولة الإمارات؛ ليضفي على زيارتك لمسة إنسانية فريدة.

  • «متحف الاتحاد» حلم تحقق

وبعد خروجك من القاعة، تلفت انتباهك الجدارية المذهبة، التي تزينها كلمات مختارة من دستور الإمارات، كأنها شلال متراقص من الحروف الفضية. وتضم هذه القاعة «فاترينة» زجاجية، تحتوي على نسخة من الدستور، موقعة من الحكام المؤسسين، إلى جانب وثيقة الصداقة التاريخية مع المملكة المتحدة البريطانية. كما ستجد نسختين رقميتين للدستور، بـ«العربية»، و«الإنجليزية»، تتيحان لك تصفح مواده، وتفاصيله.

المحطة الأخيرة 

ومع وصولك إلى نهاية الدائرة، ستجد نفسك في قسم «الإمارات العربية المتحدة – وطن واحد، مستقبل واحد»، وهو المحطة الأخيرة في المتحف. هنا، ستشهد لحظة ولادة أمة، وسترى كيف تطورت جوازات السفر، وكيف تغيرت العملة، وكيف تطورت القوات المسلحة. وستطلع على الإنجازات التي حققتها الدولة في المجالات كافة، وعلى مستقبلها الزاهر. ففي هذا القسم، تكتشف تاريخ الإمارات، وتفهم حاضرها، وتشارك في بناء مستقبلها. 

  • «متحف الاتحاد» حلم تحقق

الأقسام الخارجية

لا يضم متحف الاتحاد أقساماً داخلية فحسب، بل هناك أيضاً أقسام خارجية، تنبض بروح الماضي، وعبق الحاضر، وتسهم في رواية حكاية الوطن، وروح الاتحاد، بطريقة تحيي في القلب الفخر والانتماء؛ ليبقى الماضي حياً في قلوب الجميع، ومستمراً في رسم ملامح مستقبل مشرق. فمن «سارية العلم الكبيرة»، التي لا يمكن للزوار أن يخطئوا مشهدها، إلى «قصر الضيافة»، الذي يعتبر أحد المعالم التاريخية في دبي، والذي أعيد ترميمه إلى ما كان عليه عام 1971، وصولاً إلى «دار الاتحاد»، التي شهدت توقيع وثيقة قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1971، ويعد الدخول إلى هذا المكان تجربة تنبض بروح التاريخ والعظمة، فتكاد تسمع أصوات المناقشات، وأحاديث الآباء المؤسسين، وهم يتخذون القرار الذي غيّر مسار الأمة.

وعلى مسافة قصيرة من الدار، يقف العلم التاريخي، الذي التف حوله القادة المؤسسون لحظة إعلان الاتحاد.. إنه رمز الخلود، والعزم الذي لا يلين، والراية التي ظلت ترفرف شامخة منذ تلك اللحظة.

  • «متحف الاتحاد» حلم تحقق

المعرض المؤقت

احتفاءً بتاريخ الإمارات الغني، يستضيف «متحف الاتحاد» معرضاً مؤقتاً بعنوان «لمحة عن متحف زايد الوطني: أسس الاتحاد». ويتزامن هذا المعرض الفريد مع احتفالات الدولة بيوم الاتحاد الـ53؛ ليأخذ الزوار في رحلة عبر صفحات تاريخية مميزة، تعكس رؤية متحف زايد الوطني، الذي يقع في جزيرة السعديات، أبوظبي، وتعزّز القيم التي رسّخها الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه.

ويضم المعرض المؤقت جانبين رئيسيين من محتوى «متحف زايد الوطني»، هما: تأسيس الدولة واتحادها. والسنوات الأولى من حياة المغفور له الشيخ زايد، التي ساهمت في تشكيل شخصيته الفريدة.

  • «متحف الاتحاد» حلم تحقق

وخلال هذه الزيارة، يمكنك الاطلاع على مجموعة من الصور والفيديوهات النادرة، التي تحكي قصة «مؤسس الاتحاد». ومن بين أهم المعروضات، تبرز صورة اجتماع «سيح السديرة»، الذي كان نقطة البداية لمسيرة تأسيس دولة الإمارات.

كما تشمل المعروضات لقطات نادرة، تعكس علاقة المغفور له الشيخ زايد الوثيقة بوالدته، واهتمامه المبكر بالصقارة، إلى جانب صور شخصية أخرى، توثّق اللحظات المميزة من حياته، طيب الله ثراه، التي أسهمت في بناء شخصيته القيادية الملهمة.