جيسلان أوكريمان: «بولغري» تدور حول الفن
تعتبر «بولغري» من دور المجوهرات الإيطالية، ذات الإرث الغني بالتاريخ والفن الحرفي، الممتد لأكثر من 100 عام. فالصائغ الروماني، رفيع المستوى، يستلهم - من مدينته الأزلية روما - تفاصيل وسرديات قطع مجوهراته الخالدة. وتزامناً مع الذكرى السنوية الـ140 لتأسيس «بولغري»، استضاف متجر الدار الرئيسي، المعاد تجديده في «دبي مول»، مساحة مخصصة لمعرض «إيتيرنالي ريبورن»، الذي تقدم فيه العلامة الإيطالية أبرز قطعها التراثية الفريدة، الموجودة في أرشيفاتها، أو تلك التي أعادت جمعها، واقتناءها. وفي حوارنا التالي مع جيسلان أوكريمان Gislain Aucremanne، أمين التراث العريق لدى «بولغري»، نطلع على الأمور المتعلقة بهذا المعرض، ونستفيد من معلوماته كمتخصص في المجوهرات، ومؤرخ فني؛ لمعرفة المزيد عن مجموعة تراث «بولغري»:
ما الذي ألهمك دخول هذا المجال؟
عندما كنت طفلاً، أخذتني والدتي إلى متحف اللوفر في باريس؛ فأحببته، كما أنني أيضاً أحب متحف اللوفر في أبوظبي، إنه عمل مذهل. وأعتقد أنني - منذ الصغر - كنت مهتماً بعالم الثقافة على نطاق واسع. وعندما تخصصت أكاديمياً في «تاريخ الفن»، انبهرت - على الفَوْر - بالفنون الزخرفية، وجانب المجوهرات، ومنه ذهبُ القدماء، على سبيل المثال، فهذا فن أيضاً بالتأكيد. وأعتقد أن إعطاء سياق أفضل له، أمر مهم للغاية؛ لأنه يمكنك رؤية ذلك في قطع المجوهرات، حيث يمكنك سرد القصة نفسها، مثل: الرسم، والنحت، مع إضافة طبقة أخرى، هي حياة الأشخاص الذين ارتدوها. لذا، هناك جانب تاريخي، وآخر شخصي، والحرفية المذهلة بالطبع، فلجعل الفخامة حقيقة، أنت بحاجة إلى أيادٍ مذهلة. نحن نطلق على هؤلاء الأشخاص، في اللغة الإيطالية، اسم «le mani intelligenti» أي «الأيدي الذكية»، لأنهم قادرون على القيام بأشياء مذهلة.. من الماضي، إلى الحاضر، والمستقبل.
إبداعات «بولغري»
هل من لمحة عامة عن دورك في رعاية تراث «بولغري»؟
كل يوم يبدو مختلفاً؛ لأن لدينا العديد من المشاريع المستمرة، وهناك ركائز رئيسية ننظم بها هذه الأشياء، تعتمد على الأبحاث التي تقام في الأرشيفات، حيث ننقب في قصصنا؛ لتطوير بعض القطع التي يتعين علينا تطويرها. بعض المحتويات الفنية تتوفر داخل قصة «بولغري»، والأخرى تدور حول الإبداع في جميع الأوقات. ومن الأمور المهمة أنه مع أرشيفاتنا، هناك صور للعائلة، ووثائق، وتصاميم للقطع، وغيرها من العناصر التي تحكي تاريخنا، وتعتبر طريقة سردية لجميع الرموز العظيمة بشكل أفضل؛ فالأرشيفات كنز للحصول على كل هذه المعلومات. الأمر الثاني يكمن في مجموعة متحفية مذهلة، نطلق عليها مجموعة «تراث بولغري»، وهي عبارة عن متحف نحاول تنفيذه في لحظات مختلفة. لقد طورنا المعارض، وعلى رأسها «الدوموس» في روما، ونقوم بتغيير المعرض كل ستة أشهر. بالإضافة إلى ذلك، تسافر القطع الفنية حول العالم على شكل معارض صغيرة؛ لتبادل المعلومات حول التراث الثقافي، وهذا بالضبط ما نقوم به، هنا، في الـ«غراند أتريوم»، بـ«دبي مول».
هل ستسافر هذه المجموعة؟
نعم، فقد سافرت من قبل، وستسافر بعد ذلك؛ فهذه النسخة الموجودة هنا، هي التي ستُعرض في روما؛ للاحتفال بالذكرى السنوية.
ما الجوانب المثيرة للاهتمام في إبداعات «بولغري»؟
«بولغري» صائغ روماني للمجوهرات الراقية، والهوية الرومانية شيء مهم للغاية. خلال دراستي، كنت دائماً مفتوناً بالفنون القديمة، وأعتقد أن وجودي في روما، مع دار تستوحي كثيراً من ثراء علم الآثار في المدينة، أمرٌ ملهم للغاية. فالمعرض الذي أقمناه، هنا، يسمى «الولادة الأبدية»، وهو مستوحى من مدينة تحولت، وولدت من جديد مرات عدة. لذا، كانت الفكرة معرفة كيف ارتبطت الدار بالمدينة، وكيف تحتوي المدينة على العديد من العناصر، تلك المدينة التي نعرفها تمت تسميتها بأسماء عدة، مثل: «المدينة الأبدية، والمدينة ذات التلال السبعة، ومدينة روميلوس، المؤسس». لذلك، في المعرض، أحاول التواصل مع كل جوانب روما، فهي ليست فكرة واحدة، بل جوانب عدة للهوية.
هل تقول الشيء نفسه، بالنسبة للدار؟
أعتقد أن الدار لديها العديد من الجوانب، وهذا سبب ثرائها، داخل المعرض، وفي الأرشيف. عندما نتعمق أكثر؛ يمكن أن نرى الهوية الرومانية للدار. وسنرى، أيضاً، نظرتها نحو المستقبل، وفكرة الابتكار، والانفتاح على ثقافات العالم.
رأينا الثعبان في تصاميم وأنماط مختلفة؛ فهل هذا انعكاس للولادة الأبدية من جديد؟
بالتأكيد؛ فهذا الرمز الأيقوني القديم للثعبان الذي يعض ذيله (أبدي)، وأعتقد أنه فكرة الولادة من جديد. في الأساطير القديمة، اعتقدت البشرية أن الثعابين لا تموت أبداً، وإنما تترك جلدها القديم فتصبح جديدة، وتولد من جديد. أعتقد أنها رمزية جيدة، يمكننا أن نشعر بها، وهي ملهمة للغاية.
ماذا عن القطع الأقل شهرة في مجموعة التراث؟
لقد أحضرت، هنا، بعض العناصر، التي لم نكن نقدمها في الماضي. فهناك - على سبيل المثال - قلادة جميلة مصنوعة بالكامل من الذهب الأصفر، مع فكرة وضع عملات معدنية عليها. فالعملات المعدنية، التي نعرفها، هي العملات اليونانية والرومانية، لكن هذه القطع - هنا - من العملات الآسيوية والتركية والتونسية. إن الشغف بالعملات المعدنية، في منطقة البحر الأبيض المتوسط بأكملها، شيء راسخ في هوية «بولغري»، فلطالما كانت عائلة «بولغري» عالمية للغاية. وقد اكتشفت في هذه المعارض المتنقلة فكرة تضمين عناصر من ثقافات أخرى من العالم، بما في ذلك، مثلاً، «اليشم» الذي عرضته في آسيا. وقد اكتشفت، أيضاً، أنه يوجد هناك بروش واحد، يمثل جبل «فوجي»، وتم عرضه في اليابان. لذا، أحاول ربط ثقافات العالم التي ألهمت «بولغري» بعض هذه القطع.
قطع أصلية
كيف تتحققون من نسبة هذه القطع التاريخية إلى «بولغري»؟
أول أمر نقوم به هو البحث في الأرشيفات؛ إذا كانت لدينا وثائق. وأحياناً نجد تصميماً، وفي بعض الأحيان نجد عناصر وصوراً، يمكن أن تساعدنا في التحقق من صحة أصل القطع. إذا لم يكن الأمر كذلك، فتكون الكلمة الفصل للعيون الخبيرة، فنقارنها بالقطع الموجودة في المجموعة التي لدينا، ونتأكد، كفريق عمل، من أن هذه القطعة أصلية من «بولغري» من حيث التصميم، واستخدام الأحجار الكريمة، والصنعة أيضاً، فهناك مستوى عالٍ من الحرفية يظهر حتى إذا نظرت إلى الجزء الخلفي من الجوهرة، فترى كيف تم صنعها بشكل جيد، وكيف تم إنجاز العمل، ويمكنك أن تجد الكثير من العمل، والجهد، والفن. كما نستعين بورشة؛ لمساعدتنا على معرفة ما إذا كانت القطعة قد صنعت في ورشنا بالماضي. ونظراً إلى كل ما سبق، يكون القرار جماعياً بأنها قطعة أصلية، وإذا قررنا اقتناءها، وضمها إلى المجموعة؛ فإننا نعيد شراءها عبر المزادات، أو من جامعي التحف المستعدين لبيع قطعهم لتستقر في متحف، ومن ثَمَّ نعرضها ضمن القطع الموجودة في غرفة معرض التراث (دوموس).
كيف تأكدتم من أن القطع المعروضة، هنا، تجذب جمهور المنطقة؟
أحاول، دائماً، أن أحمل مع هذه القطع محتوى يعبر عنها، فعرضها فقط لن يكون كافياً، ولا بد أن تحكي القطعة قصة بطريقة تجذب الزوار. لهذا توجد في المعرض لوحات وصفية شارحة؛ ليدرك الجمهور أن هذه القطعة الموجودة لها سياق تاريخي. ولدينا هنا مضيفات، وأشخاص لديهم خلفية معينة؛ قادرون على نقل المعرفة، وأخذ الزائرين في جولة تعريفية. كما أن هناك بعض اللوحات التفاعلية، ومقاطع الفيديو، والمستندات الرقمية، التي يمكن للناس أن يطلعوا عليها.
إن «المعرض» يشبه المتحف التقليدي، الذي يحتوي على قصص.. حدثنا عن هذا!
لقد أتيت من عالم المتاحف، وفي تراث العلامة التجارية الكثير مما يمكننا تنفيذه بجودة تجربة المتحف نفسها. وهذا شيء أود تطويره؛ لأنه عندما تنظر إلى قطعة من مجموعة التراث، ستجد أنها تشبه المتحف؛ لذا أرغب في توفير تجربة ثقافية للزائرين، لأن «بولغري» تدور حول الفن.
هل هناك اكتشافات مفاجئة، صادفتها أثناء عملك؟
أحاول، دائماً، التنقيب في الأرشيفات والمجموعة؛ لإعادة اكتشاف عناصر غير معروفة جيداً، مثل قطع العملات المعدنية؛ فهناك عقد جميل من ثمانينيات القرن العشرين، فيه نقش بارز، يعود تاريخه إلى القرن الثامن عشر، أو التاسع عشر، وهو قطعة أثرية قديمة أعيد استخدامها في إطارٍ من تصميم «بولغري». لذا، هي تكريم لكنز صنعه نحات روماني في القرون التي سبقت «بولغري». فعائلة «بولغري» كانت تتمتع بنظرة تقديرية رائعة إلى جمع القطع، ليست فقط للعملات المعدنية، بل وأيضاً للنقوش البارزة. وقد قدمت القطعة، واستخدمتها في قلادة، لكن القلادة ليست مصنوعة بالكامل من الألماس الذهبي، بل مصنوعة، كذلك، من خيوط الحرير؛ لذلك هي قطعة مريحة للارتداء بلمسة عصرية، تحترم التقاليد الرومانية القديمة، في مزيج من الماضي والحاضر، وهو ما أحبه في تجارب «المعرض».
كيف ترى تطور تراث «بولغري» في المستقبل؟
آمل أن أتمكن، من خلال خبرتي بالمتاحف، من تطوير المزيد من المعارض، وتجارب اللحظات الرائعة. إن النظر إلى العناصر الجميلة سيكون أفضل مع وجود قصة أفضل، يمكن سردها. وأعتقد أن الدار، بأكملها، تقف وراء تجارب التراث؛ لهذا السبب نحن هنا في دبي. وبينما نحتفل بمرور 140 عاماً، ونقيم العديد من المعارض الصغيرة، أعتقد أن الاهتمام بعالم الفن، والاتصال بعالم الثقافة، قويان جداً، وسيكونان أقوى وأقوى. لذا، نتحرك في هذا الاتجاه بطريقة رائعة. لقد كانت «بولغري»، دائماً، على هذا النحو. وأعتقد أننا نسير خطوةً بخطوة، وسنصل إلى هناك بشكل أفضل، مع لحظات رائعة.
حدثنا عن عملية تنظيم «المعرض»، واختيار القطع!
أولاً، أفكر في المحتوى، الذي أحاول سرده في القصة، وأقوم ببنائها، ثم أجد القطع المناسبة لسرد القصص. «المعرض»، الذي يقام هنا في دبي، يتسق مع معرض روما بطريقة أصغر. وسواء في دبي أو بانكوك، ولاحقاً في الولايات المتحدة، أريد أن يحظى الناس بالتجربة نفسها، كما لو كانوا في روما. فالمعرض الرئيسي يقام في روما، والمعارض التي تجوب العالم ليست سوى انعكاس صغير للمعرض الرئيسي. والفكرة هي أن تكون لدينا الفصول نفسها. فهناك ثمانية فصول في «المعرض»، وكل فصل يحتوي على عرض لتحفة فنية واحدة، أو مجموعة موازية من القطع، أي قطعة «بطلة»، تحكي رؤية مختلفة لروما. وكيف تم سرد قصة روما في جميع أنحاء العالم، وعن جميع الأشخاص العظماء، الذين عاشوا في مدينة روما، واختبروا تجربتها.