في طفولتي، كتبت ثلاث رسائل متطابقة إلى ثلاث صديقات.. كلها نفس المعنى، الذي يعبر عن حبي لهنَّ، واعتزازي بصداقتهنَّ.. وضعتها في ثلاثة أظرف متشابهة، بلون وردي لامع.. وكتبت على كل ظرف: «احبك»! 

واحدة عانقتني بعد قراءتها، وقالت: إنها الأخرى تحبني.. والثانية أبدت إعجابها برونق الظرف، ولم تعلق على شيء آخر.. أما الأخيرة، فقد منحتني الدرس الأكبر؛ عندما قالت بـ«غطرسة»: «أين الهمزة؟!!.. كلمة (احبك) الألف فيها تُكتب بهمزة»!

كان هذا الدرس الأول، الذي علمني أن الزهرة قد تكون واحدة، لكن الأنوف تختلف! فادخرت زهوري؛ لأنوف تجيد الترنم بعبيرها، وادخرت شموسي للنوافذ المشرعة تنتظرها.. وادخرت دقات قلبي لمن يجيد فك شفرتها.. دون أن ألوم البقية! 

يوماً ما، أرسلت إليَّ إحداهن صورة لمذيعةٍ ما، في إحدى قنوات الطبخ، كانت شديدة البدانة، وثقيلة الظل، وليست على قدر كبير من الجمال، وقالت لي: «كم تشبهك»!

بعدها، أرسلت إليَّ أخرى صورة لمذيعة ما، خفيفة الظل، وشديدة الرقة والجمال، رغم تجاوزها الخمسين من العمر، وقالت لي: «كم تشبهك»!

يوماً آخر، أرسلت إليَّ قارئة صورة لممثلة شابة، واسعة العينين، ورقيقة الملامح، وقالت لي: «كم تشبهك»!

ولن أنسى ذلك اليوم، الذي ذكرت لي فيه إحدى زميلاتي في «الدفعة»، اسم ممثلة شابة من التسعينيات، كانت أيقونة للجمال الهادئ وقتها، وقالت: «كم تشبهك»!

وبالأمس، أرسلت إليَّ قارئة صورةً لسيدة عجوز، تقف بجوار ابنها، وقالت لي: «كم تشبهك»!.. وأنا أنظر في مرآتي، وأقول: سبحان الله!.. كل هذا الاختلاف بينهنَّ على شكل ملامحي الواضحة، التي تظهر لعيونهنَّ.. متباينة.. متناقضة.. بين الشباب والهرم.. بين الرقة والغلظة.. بين منتهى الجمال، ومنتهى القبح!.. فماذا عن روحي التي لا يرينها؟!..

لهذا لم أعد أتعجب كيف تتقبلني أرواح، وتنفر مني أخرى!.. إذا كانت العيون في حكمها اختلفت!

ما زلت أتعثر في طريقي بالكثيرين.. وما زال قلبي «الطفل» يكتب رسائل حبه في أظرف وردية لامعة. ربما زادت خبرتي وبلاغتي وحصيلتي اللغوية.. لكنني ما زلت أتعمد - ببعض المكر - أن أكتب «احبك» بألف دون همزة.. موقنة أنها ستجد طريقها للعين التي ستقرأها صحيحة، ولو أخطأت أنا كتابتها.. والقلب الذي سيرانا بأفضل صورنا، وإن كثرت عيوبنا.. والروح التي ستعانقنا، دوماً، وقد تآلفت مع توأمها داخلنا.. ماذا تعني (ألف دون همزة)؟!!.. بل ماذا تعني الحروف كلها؟!.. فللقلوب أبجدية أخرى نعيش ونتعلمها.. على مهل!!