في عالمنا المليء بالتحديات ومتطلبات العمل والتكنولوجيا السريعة والالتزامات الاجتماعية المتعددة، تزداد الأدلة على ضرورة تعزيز الصحة والرفاهية، فهذه الأهداف الصغيرة يكون لها تأثير هائل على الرفاهية العامة.
ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن الصحة هي حالة الرفاهية البدنية والعقلية والاجتماعية الكاملة، التي تتجاوز غياب الأمراض، أو العجز. لذا، من الضروري إدخال بعض الرفاهيات الصغيرة في يومكِ لتعزيز صحتكِ.
ما الفرق بين الصحة والرفاهية؟
الصحة والرفاهية «وجهان لعملة واحدة»؛ فالصحة هي الحالة الطبيعية للجسم والعقل خاليةً من الأمراض والآلام. أما الرفاهية، فهي حالة الشعور بالسعادة والرضا عن الحياة، وهي تتجاوز مجرد الخلو من المرض؛ لتشمل جوانب نفسية واجتماعية. بمعنى آخر، الصحة هي الأساس الذي تبنى عليه الرفاهية، والرفاهية هي الثمرة التي نجنيها من عيش حياة صحية متوازنة.
والعلم يعترف بنوعين متميزين من الرفاهية، هما: الموضوعية، والذاتية.
الرفاهية الموضوعية ترتكز على قياسات ملموسة، مثل: الدخل والصحة والتعليم، وهي تعكس الظروف المعيشية الفعلية للفرد.
أما الرفاهية الذاتية، فهي أكثر شخصيةً، وتعتمد على تقييم الفرد لسعادته ورضاه عن الحياة، بغض النظر عن الظروف المادية المحيطة به.
الأبعاد المتعددة للرفاهية:
لا تأتي الرفاهية من مكان أو نشاط واحد، حيث إن تحقيق الرفاهية يعني تلبية احتياجاتك عبر العديد من مجالات الحياة:
الصحة البدنية: هي حالة من الرفاهية الجسدية، أي أن تكوني خالية من المرض أو الإصابة أو الألم، وتتمتعين بالأداء الأمثل والقوة والقدرة على التحمل والحيوية العامة.
الصحة العقلية: رفاهيتك العاطفية والنفسية والاجتماعية، التي تؤثر في أفكاركِ ومشاعركِ وسلوكياتكِ، وقد تؤثر في قدرتكِ على كسب ما يكفي من المال للعيش بشكل مريح، وتكوين صداقات، والوصول إلى الأهداف، حيث يعد الوعي بالصحة العقلية أمراً حيوياً للأداء الشخصي والخبرة الاجتماعية والتعامل مع الإجهاد المزمن.
الصحة الاجتماعية: هي مدى تفاعلكِ وتواصلكِ مع الآخرين. وتعزز الصحة الاجتماعية العلاقات القوية، إذ تمنحكِ شعوراً بالانتماء والدعم داخل المجتمع، أو مكان العمل، وقد تواجه مجتمعات ومجموعات معينة المزيد من تحديات الصحة العقلية؛ اعتماداً على موقعها، أو تجاربها المجتمعية.
الصحة البيئية: تركز على الظروف والعوامل المحيطة بكِ، وتشمل العوامل البيئية: جودة الهواء، والماء، والإسكان الآمن، والحماية من الإشعاع.
الصحة المهنية: تركز على الوقاية من الأمراض والإصابات في مكان العمل، وتتطلب بيئات عمل آمنة، وخالية من المخاطر، والشعور بالأمن والسلامة النفسية.
الصحة الروحية: هي امتلاك شعور بالمعنى والغرض والارتباط، وقد تظهر على شكل سلام داخلي، أو مرونة، أو تعاطف، أو انسجام داخلي.
قوة العادات الصغيرة:
تتمثل إحدى أقوى الطرق لتحسين الصحة في العادات الصغيرة، أو السلوكيات البسيطة، التي يسهل الحفاظ عليها، التي يمكننا دمجها في حياتنا اليومية دون الشعور بالإرهاق.
وقد أظهرت الأبحاث أن إجراء تغييرات صغيرة ومتسقة، تعد أكثر استدامةً من محاولة إجراء تعديلات واسعة النطاق دفعة واحدة. على سبيل المثال، بدلاً من الالتزام بروتين لياقة بدنية مكثف منذ البداية، قد يبدأ الشخص المشي لمسافات قصيرة أثناء فترات استراحة الغداء، أو القيام بخمس دقائق من التمدد كل صباح. وتتراكم هذه الجهود الصغيرة بمرور الوقت، ما يساهم في تحسن صحة القلب والأوعية الدموية، والمرونة، وزيادة مستويات الطاقة.
وعلى نحو مماثل، تؤدي التغييرات الصغيرة في التغذية - مثل: اختيار الماء بدلاً من المشروبات السكرية، أو دمج المزيد من الفواكه والخضروات في الوجبات - إلى فوائد صحية طويلة الأمد. وتساعد هذه التعديلات الطفيفة في موازنة مستويات السكر بالدم، وتحسين الهضم، وتعزيز وظيفة المناعة، وكل ذلك يعزز الصحة البدنية بشكل عام.
طرق لتحسين صحتكِ ورفاهيتكِ:
إدخال المزيد من الرفاهية إلى حياتك اليومية أمر سهل، كإضافة عادات صحية جديدة، وبناء هذه الممارسات يحسن الصحة لجميع الأعمار، والأشخاص.. إليكِ بعض النصائح المهمة:
1. التواصل مع الآخرين:
العلاقات مع الآخرين مهمة لرفاهيتنا وصحتنا العقلية. فنحن، كبشر، مخلوقات اجتماعية بطبيعتنا، وتاريخنا يشهد على أهمية العلاقات في بقائنا وتطورنا. لقد تطورنا عبر آلاف السنين لنعيش في مجتمعات، وكانت العلاقات الاجتماعية حجر الزاوية في بقائنا وتكاثرنا. حتى في عالمنا المتصل الرقمي، لا يزال التواصل البشري العميق هو الأساس لرفاهيتنا وسعادتنا؛ فالعلاقات القوية تعزز صحتنا العقلية والجسدية، وتمنحنا الشعور بالانتماء والهدف في الحياة.
2. النشاط البدني:
تعمل التمارين الرياضية على تحسين النوم، وتعزيز مزاجك، وتقليل القلق والاكتئاب والتوتر، وتظهر الدراسات أن النشاط البدني قد يساعد في تخفيف الاكتئاب بنفس فاعلية الأدوية المضادة للاكتئاب.
وإذا كنتِ تريدين جني فوائد التمارين الرياضية من أجل الرفاهية، فيمكنكِ البدء بخطوات صغيرة، إذ ربطت مراجعة حديثة بين التمارين الرياضية، وانخفاض مشاكل الصحة العقلية، وزيادة التأثيرات المفيدة، مثل تحسين النوم.
3. تعلم مهارات جديدة:
التعلم ليس مجرد وسيلة إيجابية لقضاء وقت فراغك، بل إنه وسيلة ممتازة للحفاظ على صحتكِ، فقد أظهرت الأبحاث أن التعلم يحسن الثقة بالنفس، وتقدير الذات، كما أنه يعزز الهدف، ويساعد على بناء العلاقات مع الآخرين، وقد يبطئ الشيخوخة المعرفية.
4. العطاء:
يمنحكِ العطاء شعوراً رائعاً، بغض النظر عن حالتك النفسية، ويحسن صحتكِ أيضاً. وإذا كنتِ تبحثين عن طريقة للعطاء، فابدئي بمجتمعكِ، وابحثي عن المنظمات المجتمعية التي تدعم القضايا التي تهتمين بها، حيث إن هناك آلاف الطرق للقيام بالأعمال الخيرية، لذا يمكنك العثور على قضية تتوافق مع اهتماماتكِ.
5. الانتباه للحاضر:
اختبر معظمنا بشكل مباشر مدى الإجهاد الذي نشعر به؛ عندما نعيش في الماضي، أو نقلق بشأن المستقبل. عندما نعيش في الماضي، ننشغل بالخزي والغضب والندم، وعندما نركز على المستقبل، من السهل أن نشعر بالقلق والترقب بشأن ما سيأتي.
في المقابل، فإن اليقظة الذهنية تركز انتباهكِ على الحاضر، وتعد نقطة الوعي الشديد بما تشعرين به دون تفسير أو حكم، فممارسة اليقظة الذهنية تساعدكِ على قضاء المزيد من الوقت في العالم من حولكِ كما هو، وليس كما تأملين، أو تخشين أن يكون. وبمرور الوقت، تعزز اليقظة الذهنية العديد من الفوائد الصحية والعافية، بما في ذلك:
- تقليل التوتر.
- الحد من القلق، والاكتئاب.
- تحسين الحالة المزاجية، والنظرة المستقبلية.
- المزيد من التركيز.
6. تحسين جودة النوم:
قد يكون العيش على 6 ساعات من النوم ممكناً، لكنه ليس مفيداً لرحلتكِ في مجال الصحة العقلية أو رفاهيتكِ، وزيادة مدة النوم وجودته يخفضان معدل ضربات القلب، وضغط الدم، والتوتر.
اجعلي النوم النظيف محور يومكِ، لذا احرصي على الابتعاد عن الشاشات مبكراً (لمدة ساعتين قبل النوم على الأقل)، وابتكري طقوساً للاسترخاء تناسبكِ، مثل: التأمل، أو الاستحمام بماء ساخن، أو قراءة هادئة. وجهّزي عقلكِ وبيئتكِ لنوم هانئ ليلاً.
7. ممارسة الامتنان:
ممارسة الامتنان تحول التركيز على ما ينقصكِ إلى ما هو متاح في حياتكِ. ويؤدي القيام بذلك إلى بناء شعور بالرضا والرفاهية. تأملي الأشياء التي تشعرين بالامتنان لها، وابدئي أو أنهِي يومكِ بحساب النعم التي لديكِ، وقد تتحسن رفاهيتكِ بسرعة.