موزة الحمراني: «أفضفض فنياً» للتأثير إيجاباً في المجتمع
الشابة الإماراتية، موزة الحمراني، رسامة ومصممة وسائط متعددة، تتمحور أعمالها حول الموروثات الثقافية، وتتفاعل مع الحياة المعاصرة من منظور فكاهي، يثير التفكير، ويدفع إلى التأمل. وتتميز إبداعاتها بدمج الرسم التقليدي بالفنون الرقمية، مع شغف خاص باستكشاف تقاطعات الفن والتكنولوجيا، عبر استخدام البرمجة؛ لتوسيع آفاق التعبير الفني. وتجسد موزة، خريجة برنامج الممارسة النقدية في مركز «تشكيل»، فكرة قدرة الفن على طرح رؤى جديدة حول التجارب الشخصية والثقافية. ويظهر ذلك، جلياً، في معرضها الأخير «الصفحة الرئيسية»، حيث تأملت دور الإنترنت في تشكيل مسيرتها الفنية والثقافية. وخلال هذا «المعرض»، تدعونا موزة إلى مراجعة تاريخنا الرقمي، واستكشاف تأثير الإنترنت في تشكيل هوياتنا.. مجلة «زهرة الخليج» التقت الفنانة الإماراتية؛ للحديث - بشكل مُوسَّع - عن معرضها، ورحلتها الفنية الثرية:
كيف أثرت نشأتك وحياتك الشخصية في معرضك «الصفحة الرئيسية»؟
أسعى، دائماً، إلى الفصل - قَدْرَ الإمكان - بين حياتي الشخصية، وأعمالي الفنية. ورغم هذا عكس «المعرض» جانباً من حياتي. ففي صغري، عندما عرفت الإنترنت كان ذلك بمثابة نافذة على العالم الكبير، وكان له أثر في مسيرتي الفنية، ما سمح لي بتوسيع آفاق مخيلتي الإبداعية، واكتساب شهرة أوسع بالوصول إلى جمهور، لم أكن لأتمكن من الوصول إليه دون الإنترنت. ومع ذلك، فإن الإنترنت الذي كان - في السابق - مصدراً للإلهام والفرص، بات اليوم سبباً للقلق، وتشتت الأفكار.
تجربة متباينة
متى بدأ يتنامى شعورك بالقلق حيال الإنترنت؟
على مدى أكثر من 20 عاماً من استخدامه، ترك الإنترنت بصمة رقمية واسعة لديَّ. وبمرور الوقت، بدأت أشعر بالقلق من تأثيراته المستقبلية. ورغم هذا القلق، أجد صعوبة في الانفصال عن العالم الرقمي؛ خشية فقدان التواصل مع جمهوري، ما يدفعني إلى الاستمرار في استخدامه. ويعكس «المعرض» هذا التناقض بين الفرص التي يوفرها الإنترنت، والإرهاق الناتج عن النشاط المستمر عليه، حيث أدعو المشاهدين إلى التفكير في علاقاتهم الشخصية مع هذا العالم الافتراضي.
كيف صقلتِ خبرتك الفنية، وبلورتِ رؤيتك العميقة؟
بعد حصولي على «البكالوريوس» في تصميم الوسائط المتعددة من جامعة زايد، شاركت في برنامج «الممارسة النقدية»، التابع لمركز «تشكيل»، والذي يعتبر خطوة محورية في رحلتي الفنية. كما شاركت في برنامج منحة سلامة بنت حمدان للفنانين الناشئين، الذي ساهم، أيضاً، في توسيع آفاق فهمي لممارستي كرسامة، وعرفني بالوسائط التفاعلية، ووفر بيئة ومرجعية لازمتين لاستكشاف الوسائط والمفاهيم الجديدة. وتكللت هذه الجهود، خلال معرض «الصفحة الرئيسية»، الذي شكل نقلة نوعية في مسيرتي بمجال الرسم التوضيحي، بتبنيه نهجاً متعدد التخصصات، فمثل تحدياً للموضوعات الفنية التقليدية. كما ساهم عملي، بمؤسسة الشارقة للفنون، كمنسقة للتوعية المجتمعية، في دعم قدرتي على مزج الفن بالسرديات المجتمعية، وإنشاء منصات للتعبير المشترك، من خلال مشاركتي في مشاريع، مثل مشروع سلسلة القصص المصورة (كورنيش)، الذي عملت عليه كمنسقة للنشر في مؤسسة الشارقة للفنون، إلى جانب زميلي الفنان ناصر نصر الله، المحرر المكلف بهذا المشروع. ويتجلى هذا المنهج الموجه نحو المجتمع، كذلك، في معرض «الصفحة الرئيسية»، الذي لا يستعرض تأملاتي الشخصية فحسب، وإنما يشجع المشاهدين، أيضاً، على تأمل تاريخهم الرقمي.
ما التساؤلات التي تأملين أن تثيرها أعمالك لدى المشاهدين؟
أتمنى أن يستحضر المشاهدون ذكرياتهم الأولى مع الإنترنت، عندما كان لديهم شغف بالتواصل مع العالم، وأن يتساءلوا: هل لا يزال هذا الشغف قائماً؟.. أريد، أيضاً، أن يواجهوا الجانب المزدوج للإنترنت: ما الفوائد الثقافية التي اكتسبناها؟.. وكيف أثر هذا الاتصال المفرط في حياتنا؟.. كما أتمنى أن يدرك المشاهدون أن الإنترنت - رغم ما يقدمه من فرص - قد يزيد تعقيد حياتنا؛ إذا لم نوازن استخدامه.
نظرة نقدية
استحضر «المعرض» التاريخ الرقمي، وأنشأ حواراً بين الماضي والحاضر.. ما هدفك من ذلك؟
عملت على إعادة إحياء المحتوى الرقمي، الذي يعود إلى تسعينيات القرن الماضي، وبداية الألفية؛ لرسم لوحة فنية، تجسد الحنين إلى الماضي بنظرة نقدية عميقة. كما أنشأت حواراً حول تاريخنا الرقمي الإقليمي، وتأثيره المستمر في حاضرنا، ومستقبلنا. كانت هذه محاولة لربط العالم الرقمي بواقعنا، وكذلك ربط الماضي بالحاضر، كما أردت أن أختتم قائمة أعمال «المعرض» بالإشارة إلى فكرة مهمة، هي أن استخدام الإنترنت لمدة طويلة سينتهي، حتماً، إلى استنفاد طاقة الإنسان كاملةً.
كيف تنظرين إلى ممارساتك الفنية، وما طموحاتك المستقبلية؟
أعتبر الفن وسيلتي؛ للتعبير عن مشاعري الداخلية، أو كما أقول: «أفضفض فنياً». كما أطمح، دائماً، إلى تطوير أدواتي وأساليبي؛ لأترك أثراً إيجابياً في المجتمع؛ فالفن - بالنسبة لي - ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل هو دعوة إلى التغيير، وتعزيز التفاهم بين الناس.