في رصد خاطف لأهم ملامح الإبداع في أحدث عروض الأزياء، التي شهدتها عواصم الموضة العالمية، مؤخراً، جاءت التصاميم البسيطة في الصدارة، برهافة خطوطها، وحيادية ألوانها، وفكرها الفلسفي الداعي إلى التوازن والتناسق. وعلى النقيض، برزت دعوات تشجع على التحرر من كل ما هو «سيمتري» منتظم، وتبتكر إطلالات تحاكي تلك اللوحات الفنية المعاصرة، التي يتحول فيها الكانفاس إلى كتلة «سائلة» من الطيات والثنيات العشوائية، وأخرى تنادي بالعودة إلى الجذور، حيث مكمن الفن في عدم الكمال، واعتبار النماذج التي تحاول أن تنشده «إرثاً من الماضي» (Perfection is passé).
البساطة.. فن إبداعي
تصميم الأزياء البسيطة عملية إبداعية، تتحدى القواعد التقليدية، وتتسم بأنها أكثر تعقيداً مما تبدو عليه، فهي فن يتطلب تفكيراً دقيقاً، ومهارةً في الحفاظ على التوازن بين الشكل والوظيفة، وتحقيق الجاذبية الجمالية بالحد الأدنى من العناصر. وهذه العملية تمثل تحدياً إبداعياً كبيراً، حيث تُبرز قدرات المصمم وإتقانه أدواته في التعبير عن مفاهيم ثرية، من خلال تصاميم مجردة ذات تفاصيل محدودة. ويتجسد «المينماليزم»، هنا، في فساتين على هيئة قمصان طويلة، وتايورات ذات خطوط نظيفة، ومعاطف عملية خفيفة.
جرأة ديناميكية.. وتغذية بصرية
لم يُلهب المنحى التبسيطي الاختزالي حماسة بعض المصممين، الذين يتمتعون بنهم قوي؛ لإضفاء حيوية فريدة من نوعها على أزيائهم؛ فتفننوا في اللهو بالأقمشة، بمنحها ذلك الشكل المتموج الجميل، بطيها أو ثنيها على نحو عشوائي أو مدروس. ولم يفلت من بين أناملهم أي نوع من القماش، من الحرير والشيفون، إلى القطن والكتان، وحتى الجلد. وتعكس هذه الصيحة مزجاً بين العفوية والحِرَفية الدقيقة، وتدمج الفن بعالم التصميم؛ فتحول الأزياء إلى لوحات فنية قابلة للارتداء، وتكسبها مرونة وانسيابية وعمقاً وجاذبية بصرية من جميع الزوايا.
عيوب مُتعمَّدة
ومن أبرز سمات الفكر الإبداعي هجرة كل ما هو متناظر في التصميم، فلم يعد الكمال معياراً منشوداً، بل أصبح الانحراف عن المألوف مصدر الإلهام. ومن هنا، احتفى المصممون بالعيوب المقصودة في تصاميمهم، وهو أسلوب جديد يجسد نظرة متطورة، وغير تقليدية، إلى الجمال. وبات القائمون على عملية تصنيع الأزياء في حيرة من أمرهم أمام هذه الأفكار غير المسبوقة، التي وجدوا فيها، مثلاً، فتحة العنق ليست في محلها الصحيح، والقميص بكم واحد، أو بأكمام زائدة، وأشرطة متطايرة غير مربوطة، وربطات أخرى غير منطقية، وبلوزات وجهها الأمامي عبارة عن سترات مقلوبة، ما يضفي لمسات من الغموض والتميز، ويعكس شخصية حداثية.