«نورا»، شابة طموحة تعمل بمجال التسويق، وتعيش حياة تبدو مثالية لمن حولها. وفي الأعماق، «نورا» تعاني شعوراً دائماً بعدم الرضا عن مظهرها، في ظل ما تشاهده - عبر وسائل التواصل - من صور للنجمات والمؤثرات، ومظهرهن المثالي. بدأت «نورا» تشعر بأن ما هي فيه ليس كافياً، رغم نجاحها المهني، وعلاقاتها الاجتماعية القوية. وبمرور الوقت، تفاقم هذا الشعور، فقررت اللجوء إلى الإجراءات الطبية؛ لتحسين مظهرها. بعد بحث مكثف، اختارت حقن إنقاص الوزن، بحسب توصيات الأطباء والمشاهير على وسائل التواصل. بالفعل، نجحت الحقن في إنقاص الوزن بشكل ملحوظ، وأصبحت «نورا» أقرب إلى ما كانت تعتقد أنه «المظهر المثالي». المفاجأة كانت في شعورها الذي لم يتغير، فقد بقيت «نورا» غير راضية عن نفسها، وشعرت بأنها في سباق لا نهاية له؛ للوصول إلى «المثالية».. فلماذا لم تشعر بالسعادة، بعد تحقيق هدفها؟.. وهل المشكلة ليست في جسدها؟.. وما علاقة الصورة التي رسمتها لنفسها، بالضغوط الخارجية؟!

  • «النظرة السلبية إلى الذات».. هكذا ترى المرأة نفسها!

ماهية الحالة

فما هذه الحالة التي أصابت «نورا»، وما العوامل التي تؤدي إليها، وما طرق علاجها؟!.. وللإجابة؛ تحدثنا إلى الدكتورة آمنة الفلاحي، اختصاصية علم النفس في «مبادلة للرعاية الصحية دبي»، جزء من مجموعة (M42)، التي قالت: إن الحالة، التي أصابت «نورا» هي «النظرة السلبية إلى الذات»، وتتعلق - هنا - بمظهر الجسد؛ لأن هذه النظرة السلبية تتجه إلى جوانب شخصية عدة، وهناك العديد من العوامل، التي تؤدي إليها، منها: وسائل التواصل، والعادات والتقاليد، ونظرة المجتمع، ورؤية المرأة لجسدها.

بدايةً.. ماذا عن أثر وسائل التواصل الاجتماعي في نظرة النساء إلى أنفسهن، وتقديرهن لذواتهن، وجمالهن.. توضح الدكتورة الفلاحي: وسائل التواصل الاجتماعي باتت من العناصر المؤثرة، بشكل كبير، في مجالات الحياة كافة، ومحتواها منه ما هو مفيد في التعليم والتوعية، والاطلاع على كل جديد في المجالات المختلفة، بينما تلعب أشكال أخرى من هذا المحتوى أدواراً سلبية، كبعض الإعلانات التجارية، التي تفتقر إلى المصداقية، أو المظاهر غير الواقعية في عالم الجمال. 

آثار سلبية

وعن تأثير هذه الوسائل، وكيفية التعامل مع المشاعر السلبية التي قد تنشأ عنها؟.. قالت اختصاصية علم النفس: «تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي في نظرة المرأة إلى جسدها بطرق عدة، منها المقارنة الاجتماعية، حيث تشاهد السيدات صوراً مثالية للجمال من خلال بعض المؤثرات والمشاهير، ما يؤثر سلباً في تقديرهن لأنفسهن، لاسيما أن معايير الجمال التي تروجها هذه المنصات تتسم بطابع محدد، وقد تكون في بعض الحالات بعيدة عن الواقع، ما يمنح شعوراً بعدم الرضا، ويقود السيدات إلى الشعور بالقلق والاكتئاب أحياناً. وتضاعف تأثيرات التعديل الرقمي (الفلاتر) هذا الأثر السلبي، فتزيد التوقعات غير الحقيقية حول جسم المرأة، وشكلها». وأضافت الفلاحي: «التعرض المستمر للإعلانات التجارية، المرتبطة بالجمال والرشاقة، والمفتقرة إلى المصداقية في الكثير من الحالات، يمكن أن يزيد الضغوط على السيدات؛ لتحقيق تلك المعايير. وبشكل عام، يعتمد تأثير هذه الوسائل على الحالة النفسية للسيدة؛ لذلك يجب التحلي بالوعي حول كيفية الاستفادة منها، وليس التعرض للضرر، وتكوين صورة ذاتية واقعية عن أنفسنا، وتجنب السعي وراء الأشياء الخيالية».

دور الأسرة.. والمجتمع 

أوضحت الدكتورة آمنة أن الأسرة والمجتمع يلعبان دوراً معقداً في تشكيل انطباع السيدات عن أجسامهن، فتقوم الأسرة بدور حاسم، من خلال القيم والمعتقدات التي ترسخها في ذهن الفتاة منذ الصغر، ويمكن للتعليقات حول الوزن، أو المظهر، أن تؤثر - بشكل كبير - في ثقتها بنفسها. كما يلعب المجتمع دوره، أيضاً، عبر المعايير التي تروج مفاهيم معينة حول الجمال، وقد يؤدي الضغط الاجتماعي إلى مقارنات غير صحية، وتعزيز الصور النمطية السلبية. لذلك، فإن تعزيز التعليم والوعي يلعب دوراً كبيراً في تحسين الصورة الإيجابية للجسم عند المرأة، ما يمكّن النساء من قبول أنفسهن؛ لذلك من المهم أن تعمل الأسرة والمجتمع، معاً؛ لترسيخ قيم الثقة بالنفس، والتنوع في الجمال.

علاجات نفسية.. واجتماعية

أشارت اختصاصية علم النفس إلى وجود أساليب وعلاجات عدة، تفيد للغاية في علاج نظرة المرأة إلى جسمها، منها: العلاج السلوكي المعرفي الذي يساعد في تغيير الأفكار السلبية حول الجسم، وتعزيز التفكير الإيجابي، و«التأمل واليقظة» الذي يساعد في تعزيز الوعي الذاتي، والدعم الجماعي الذي ينطوي على أهمية كبيرة؛ لقدرته على توفير مساحة آمنة لمشاركة التجارب والمشاعر. وأيضاً العلاج بالفن أو الكتابة، الذي يمكّن المرأة من التعبير عن مشاعرها؛ لتعزيز قبول الذات. 

  • «النظرة السلبية إلى الذات».. هكذا ترى المرأة نفسها!

تعزيز الإيجابية بخطوات بسيطة

أكدت الدكتورة آمنة أن أسلوب الحياة الصحي، وممارسة الرياضة، والتغذية الجيدة، تعزز الثقة بالنفس والشعور بالجمال، حتى مع زيادة الوزن، فالتمتع بصحة جيدة يثري المشاعر الإيجابية. وأضافت أنه يمكن استشارة المختصين النفسيين، الذين يمكنهم المساعدة في علاج الجوانب العميقة بقضية الجمال والذاكرة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالطفولة، فالمشاكل تبدأ من هذه المرحلة، وقد تكون هذه العلاجات فعالة؛ لتعزيز الثقة بالنفس. وأشارت إلى وجود تطبيقات عدة، تستخدم الذكاء الاصطناعي في تعزيز الصورة الذاتية، فتساعد في تقديم محتوى إيجابي وداعم للنساء من خلال مشاركة قصص ملهمة، إضافة إلى برامج تحليل الصور الشخصية، وتقديم التعليقات الإيجابية، بدلاً من الانتقاد، وتطبيقات الواقع المعزز التي تتيح للمستخدمات رؤية أنفسهن بأشكال مختلفة، أو تجربة أزياء متنوعة.

ووفقاً للفلاحي، هنالك، أيضاً، برامج دعم نفسي، تستخدم الذكاء الاصطناعي في تقديم استشارات نفسية شخصية. إلا أن فاعلية هذه التطبيقات تختلف حسب الفرد، وسياق استخدامها، فتشير بعض الدراسات إلى أن استخدام هذه الأدوات يمكن أن يساعد في تعزيز الصورة الذاتية. وقد تواجه بعض السيدات تحديات بسبب الضغوط الاجتماعية والنفسية الدائمة، مشددة على أنه يمكن للمجتمع لعب دور إيجابي في تعزيز ثقة السيدات بأنفسهن، بتعزيز قيم التنوع في الجمال، وترسيخ فكرة أنه لا يوجد معيار موحد له، فالجمال يكمن في الاختلاف. 

  • «النظرة السلبية إلى الذات».. هكذا ترى المرأة نفسها!

قبول الذات

وتضيف اختصاصية علم النفس: «يمكن للتعليم أن يعزز قبول السيدات لأنفسهن، عبر تنظيم ورش عمل، ومحاضرات توعوية حول قبول الذات، وأهمية النظرة الإيجابية إلى الجسم، وتثقيف أفراد المجتمع حول تأثير المعايير الاجتماعية في الصحة النفسية. وتلعب المبادرات المحلية دوراً إيجابياً، كذلك، في تعزيز الصحة النفسية والبدنية، على غرار مجموعات الدعم، وورش العمل الفنية، التي يمكن تنظيمها في المدارس، وأماكن العمل». 

واختتمت الدكتورة آمنة الفلاحي بالتأكيد على أهمية تحسين الحوار العام، والنقاش الإيجابي حول الجسم، والتركيز على الصفات الداخلية والقِيَم، بدلاً من المظهر الخارجي، والاعتماد على نموذج «القدوة الاجتماعية»؛ بالنظر إلى نماذج نسائية ملهمة في المجتمع، وقصص نجاحهن، بما يعزز فكرة أن القيمة لا تقتصر على المظهر فقط. ومن خلال هذه الجهود، يمكن للمجتمع توفير بيئة داعمة، تعزز تقدير المرأة لنفسها، ونظرتها الإيجابية إلى ذاتها.