جميلة هي الحياة؛ عندما تسير بوتيرة هادئة. لكن، مع تراكم المسؤوليات، والانشغال بالعمل، غالبًا، نتجاهل صحتنا، ونتأخر في زيارة الطبيب. شخصيًا، خضت تجربة صعبة مع مرض زوجي، رحمه الله، ولو عادت الأيام؛ لاتبعت الدروس المستفادة، وتجنبت الكثير من الألم.

عام 2020، كان مليئاً بالأحداث، التي لا تزال محفورة في ذاكرتي. ففي تلك الفترة، كان زوجي الحبيب يملأ حياتنا عطفاً وطيبةً، إلى أن جاءنا خبر صادم بأنه يعاني سرطان البنكرياس؛ فخضع، رحمه الله، للفحوص الطبية كافة؛ للتأكد من التشخيص، ومن ثَمَّ بدأت رحلتنا الطويلة مع المرض. كانت فترة مليئة بالصعاب، فقد شاهدت زوجي يتحول، تدريجيًا، إلى شخص شاحب قليل الكلام، يعاني الألم، ولا يقوى على الحراك، وكان يتناول الأدوية أكثر من الطعام؛ حتى انطفأ، وانتقل إلى رحمة الله.

تلك التجربة جعلتني أدرك أن هذه المحنة قد يمر بها كل بيت، وأن السرطان من أكثر الأمراض التي تؤلم الإنسان، وأحبته. ومع ذلك، فالوقاية من العديد من أنواعه ممكنة، ويسهم الكشف المبكر في تعزيز فرص الشفاء منه، وتخفيف المعاناة. وقد شهدت دولة الإمارات تطوراً هائلاً في مكافحة السرطان، فهي ضمن أقل 5 دول في وفيات مرضاه، وما ذكرته منظمة السرطان العالمية، في بيان لها خلال مؤتمر السرطان العالمي 2023، بأن دولة الإمارات حققت تقدمًا كبيرًا في مكافحة السرطان، في الفحص المبكر والعلاج، فتحسنت معدلات البقاء على قيد الحياة بنسبة 10 %.. فإنه، ووفقًا للبوابة الرسمية لحكومة دولة الإمارات، هناك 4.500 إصابة بالسرطان في الإمارات تُكتشف سنويًا. وفي عام 2012، كان السرطان السبب الرئيسي الثالث للوفيات في أبوظبي. وفي العام نفسه، بلغ عدد وفيات أمراض السرطان في الدولة 99 حالة، لكل 100 ألف شخص.

وكشفت دراسة، أجرتها جمعية الإمارات للأورام عام 2021، أن ما يقرب من 45 % من حالات السرطان بالدولة تحدث بين الفئة العمرية من 20 إلى 49 عامًا. وتتقدم سرطانات: القولون والمستقيم والثدي، قائمة الأنواع الأكثر شيوعًا بين هذه الفئة. وتشير الدراسات إلى أن الكشف المبكر عن سرطان الثدي يعزز فرص النجاة بنسبة 93 %، خلال السنوات الخمس الأولى من التشخيص.

تلك الأرقام تدفعنا إلى ضرورة تعزيز الوعي المجتمعي بالكشف المبكر، ودولة الإمارات قطعت شوطًا كبيرًا، في هذا المجال، بإطلاق مبادرات متنوعة، مثل «القافلة الوردية»، التي تُعنى بنشر الوعي، وتوفير الفحوص المجانية لمكافحة سرطان الثدي. كما أن منصة «ملفي»، التي أطلقتها دائرة الصحة في أبوظبي، توفر رعاية صحية متكاملة، من خلال الربط الآمن للسجلات الطبية.

كما تسهم الدولة في تعزيز أنماط الحياة الصحية من خلال السياسات الوطنية، التي تهدف إلى خفض مؤشرات الأمراض غير المعدية، كالسرطان، من خلال التوعية بأهمية ممارسة الرياضة، والابتعاد عن الأطعمة السريعة.

ولا يمكن تجاهل دور برنامج «الجينوم الوطني»، الذي يهدف إلى إنشاء خريطة جينية لسكان الإمارات، تساعد في تشخيص الأمراض الوراثية، وتطوير علاجاتها. كما أن الاستراتيجية الوطنية للجينوم، التي أطلقت عام 2023، تهدف إلى تعزيز مكانة الإمارات مركزاً عالمياً للبحوث في علوم الجينوم. كما تسعى الإمارات، من خلال استراتيجيتها الوطنية، إلى خفض معدلات وفيات السرطان بنسبة 25 %، بحلول عام 2030، من خلال الاستثمار في البحث العلمي، وتوسيع نطاق الكشف المبكر. كما توسعت الدولة في إنشاء مراكز لعلاج السرطان، حيث سيتم افتتاح مستشفى حمدان بن راشد للسرطان في دبي، بحلول عام 2026، ليكون المستشفى الأول الشامل لعلاج مرضى السرطان في الدولة.

في النهاية.. يتطلب التعامل مع تحديات مرض السرطان تضافر جهود الجميع، حكومة ومؤسسات وأفراداً. كما أن الكشف المبكر، والتشخيص الدقيق، والعلاجات المناسبة، والدعم النفسي.. كلها أدوات أساسية في هذه المعركة. ويجب أن نستمر في تعزيز الوعي بين جميع فئات المجتمع، خاصة الأطفال والشباب، لضمان مستقبل صحي لأجيالنا القادمة.