يضحكون مني كثيراً!.. يقولون لي دوماً: إنني أحمل حقيبة، وكأنها تسع العالم كله!.. أبتسم وأنا أراهم أحياناً يفتحونها، يقلبونها فتخرج محتوياتها، متندرين بكثرتها.. ما الذي يفعله كل هذا في حقيبتي؟! 

يتفهمون وجود حافظة نقودي.. لكن ماذا عن هذه الورقة النقدية المجعدة، التي غلفتها بغلاف بلاستيكي؛ كي يحمي ما تبقى منها؟! لا يعرفون أنها ما تبقى من ثمن آخر هدية اشتريتها لأحدهم.. ثمن كان أبخس ما فيه المال؛ فقد دفعت أغلى ما فيه من عمري وروحي وقلبي!.. رحل هو بهديته، واحتفظت بباقي الثمن؛ كي يذكرني بالثمن كله!

يتفهمون وجود ميدالية مفاتيحي الأنيقة، وقد زَينتها صورةٌ مبتسمةٌ لي، بينما أرتدي وشاحي الملون.. لكن ماذا عن هذا المفتاح الصدئ؟!.. ما الذي يفعله وسطها؟!.. لا يعرفون أنه كان يوماً لخزانة تشبه بيتاً.. بيتاً يشبه جنة.. جنة خرج منها كلانا مطروداً بإثم خطيئته.. وبقي مفتاحه الصدئ، يعيرنا بما فقدناه!

زجاجة عطر فارغة؟!.. لا.. ليست فارغة تماماً.. بقي فيها القليل من زيت عطر قديم، يعاندني لو حاولت الضغط على بخاخته، متحدياً ومقاوماً، لكنه يبقى شامخاً متباهياً بهذا العبق الطازج، الذي يتأرجح بين أنفي وقلبي، وكأنه يدرك أن أثر زخة منه يكفي وحده ليرميني في وادي هوىً غابر، فلا العطر ينفد، ولا هو يتحرر.. يبقى معلقاً كسحابة مثقلة بغيوم الذكرى، لكنها لا تمطر أبداً.

السكاكر؟!.. الكثير من السكاكر!!.. تراها تحمل من الحلاوة ما يكفي؛ ليزيل كل مرة أثر هذه المرارة الدائمة في حلق جافٍّ، كحلقي؟!

طلاء شفاه بلون شفاف! ليتهم لا يلاحظون أنه منتهي الصلاحية!.. يوماً ما كان يجيد إضفاء لمعة خارقة على شفتين أشبه بمعجزتين سحريتين، كما كان يصفني أحدهم يوماً!.. لماذا فقد أثره؟!.. أم تراه العيب في شفتين زال عنهما سحر تمائم العشق؟!

منشفة ورقية لمطعم شهير؟!.. لعله آخر مكان جمعنا!.. ادخر فيها القلب نزراً من مذاق دلال ليس يشبهه مذاق، وتلا عليها بعض تلاوات غرام، ليس يشبهه غرام! ولو رُمينا نحن خارج أسواره، كيف كنت أرميها؟!

هذا العُقد من الأحجار الصغيرة، نظمناه معاً حجراً حجراً، قال لي وقتها: إن خيطه سميك بما يكفي؛ كي لا ينقطع أبداً! ربما كان هذا هو الوعد الوحيد الصادق في حكاية ضجت بأكاذيبها!.. لم ينقطع العقد لكنه بقي في حقيبتي، يُذكرني بكل ما انقطع دونه!

دفتر أوراق كتبت عليه بخط كبير: «إنجازاتي!»، بقي كثير من صفحاته خالياً، لكن البقية - مع الكثير من الأقلام المتكسرة - تشهد أنني لم أكف بَعْدُ عن المحاولة!

نظارة سوداء تصلح بكفاءة لمداراة هالات العيون الساهرة!.. وأخرى شفافة بإطارات ذهبية وملونة، تصلح لأيام الاحتفال باللمعة الراضية في العيون نفسها!

أرأيتم؟!.. هي ليست حقيبة! هي نسخة مصغرة من فوضى كبيرة، تسكن ضلوعي.. فوضى اسمها «قلبي»!.. يسخرون زاعمين أن حقيبتي تَسَعُ العالم، وأبتسم مدركة، بل هي بعضٌ مما ضاقت به روحي!