سرد بصري رفيع، استولى على معظم أزياء موسمي الربيع والصيف القادمين، مجسداً حركات فنية رائدة، تحولت إثرها التصاميم إلى تحف إبداعية، تموج بلوحات ومنحوتات وأنماط زخرفية وغرافيكية مذهلة. والاتجاه الأكثر رواجاً مال نحو «المينيماليزم» (التبسيطية) بخطوطها الواضحة، وألوانها المحايدة، وما تتسم به من إعلاء لقيم التناسق والتوازن والراحة والعملية. وعلى النقيض، شهدت الساحة، أيضاً، مدارس أخرى تنتهج مفاهيم مغايرة؛ لتكون المحصلة أزياء ثرية بجماليات متباينة ترضي الأذواق كافة.
منحوتات متحركة
لم يمنع رقي الأزياء «المينيمالية» من ظهور فلسفة «الاتجاه المضاد»، بالتزامن مع التطور الملحوظ، الذي تشهده الأزياء الحديثة، فتأتي مستوحاة من فنون متعددة، من بينها «النحت». ويتجلى هذا الاتجاه في التصاميم المجسمة، التي تدمج الشكل بالوظيفة، ما يمنحها بُعداً ثلاثياً، وينأى بها عن المفهوم التقليدي. ولإبداع تلك الأكمام الدائرية المنفوشة، والأكتاف الهندسية العريضة، يستلهم المصممون عناصر من النحت الكلاسيكي والمعاصر، مثل: التموجات، والمنحنيات، واللهو بالأبعاد، وتداخل طبقات الأقمشة؛ لتشكيل تكوينات هيكلية، تشبه الإبداعات المنحوتة.
أزهار «الآرت نوڤو» (Art Nouveau)
وعلى النقيض من الأكتاف المستقيمة، تزينت الأزياء بواحة غنّاء من الأزهار، من وحي تلك الحركة الفنية، التي تعني بالفرنسية «الفن الجديد»، وتمتاز بالاعتماد على انسيابية الخطوط المتموجة، المستوحاة من عناصر الطبيعة، كالزهور، والنباتات، والحيوانات. وقد شهدت عروض الربيع وفرة من الزخارف الزهرية، وأوراق الأشجار، تجسد محاكاة مدهشة لرونق كل ما هو «أورغانيك»، بالإضافة إلى فساتين مطعمة بتطريز دقيق، ووحدات من الأزهار البارزة، وبلوزات من الدانتيل بموتيفاته، التي تقطر رومانسية وأنوثة.
ثورة الذكاء الاصطناعي
يعزى السر إلى الفن الرقمي، الذي عزز غزارة إنتاج الطبعات الزهرية والفنية على الأقمشة، واختصر مُدداً زمنية طويلة، كان يتم إهدارها في الرسم. اليوم، ومع التقدم التقني الفائق، اتسعت رقعة الأزياء المزينة بلوحات يتم توليدها بالذكاء الاصطناعي في ثوانٍ، بداية من الطبعات الانطباعية بأدق تفاصيل ضربات الفرشاة، ومروراً بفن البوب الشعبي بألوانه الزاهية وأنماطه الجريئة، وانتهاءً بالفن المفاهيمي، وموضة الشارع التي تزخر برسومات غرافيتي، وتصاميم تعتمد الطابع القوي.
روائع «بنائية»
تحملنا الملامح الفنية في الأزياء إلى الحركة البنائية (Constructivism) التجريدية، التي تمثل تفاعلاً بين الفن والهندسة والتكنولوجيا، حيث سعى الفنانون البنائيون إلى توظيف الفن كوسيلة اجتماعية، تسهم في بناء مجتمع جديد أكثر تنظيماً. وتمثل هدفهم وهو دمج الفن بالحياة اليومية، واستخدموا في ذلك الأشكال الهندسية البسيطة، مثل: المربعات والمثلثات والدوائر؛ للتعبير عن النظام والبنية، وتعزيز التفاعل بين الفرد والمجتمع. ولعل أفضل انعكاس للبنائية هو صيحة الـ«Color Blocking»، حيث يتم تقسيم الألوان إلى مساحات واضحة ومتناقضة، دون أن تمتزج معاً.
سيريالية.. وأوريغامية
العلاقة بين الفن والأزياء لا تقتصر على التفاعل البصري، وإنما تمتد لتشمل جوانب فلسفية وعملية وفكرية شتى. وتماماً مثل اللوحة السريالية، التي تستفز المشاعر، وتحث المرء على إعمال العقل، حرص المصممون على تطعيم مجموعاتهم بتصاميم، تسيطر عليها روح الغموض واللاتناسق واللامألوف، كارتداء سترة رياضية أعلى فستان براق للسهرات (Burberry)، والاستعانة بخامات غير معتادة من المعادن إلى الشعر، وكذلك طيّ الأقمشة في متاهات مستوحاة من «الأوريغامي» (فن طيّ الورق الياباني) الشهير، ضاربين عُرض الحائط بكل ما هو متعارف عليه من قواعد التصميم الواضح النظيف.