الحديث عن الصحة النفسية يعتبر حتمياً في العصر الحالي، في ظل تلك الضغوط الحياتية، التي يعيشها الشباب، حيث تتشابك التحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية مع التطور التكنولوجي المتسارع؛ ما يضع الشباب تحت ضغوط نفسية عميقة. ولأن الشباب - في المجتمع الإماراتي - هم القوة الحقيقية، التي نعول عليها في استدامة الحضارة الإماراتية الحديثة وتطورها؛ كان من المهم أن ننظر في مفهوم الصحة النفسية، وعلاقته بهم، ورؤية المجتمع له. 

المجتمع الإماراتي يجمع، في تناسق تام، بين الأصالة والمعاصرة؛ فالمجتمع يتمسك بمفردات موروثه الثقافي بصورة عميقة، ولكن هذا لم يمنع التأثير الواضح للتكنولوجيا والانفتاح الإجباري في العالم، والثقافات الأخرى، من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، والانفتاح الاختياري عبر برامج الابتعاث وخطط السفر، وهذا يؤدي إلى تعرض الشباب لمجموعة ضغوط، أهمها:

• ضغوط النجاح الأكاديمي، تماشياً مع توقعات الأسر والمجتمع، وهذا يضغط على الشباب، من خلال حالة التوتر والقلق، التي يتبعها الإجهاد النفسي، الذي قد يتفاقم مع قلة خبرتهم الحياتية، وتجاربهم النفسية.

• التغيرات الثقافية السريعة، والتطور الكبير الذي تشهده الإمارات في مختلف القطاعات، تضع الشباب في تحديات تتعلق بالتكيف مع هذه التغيرات، دون فقدان هويتهم الوطنية، مع توقع المجتمع أن يحافظوا - بصورة عميقة - على العادات والتقاليد الإماراتية الموروثة.

إن وقوع الشباب تحت طائلة هذه الضغوط يؤثر - بطريقة مباشرة - في صحتهم النفسية؛ ما ينعكس على جوانب حياتهم، ومن هذه الانعكاسات:

• الشباب الذين يعانون ضغوطاً نفسية، يواجهون صعوبة في التركيز، والالتزام بأعمالهم أو دراستهم، ما يقلل إنتاجيتهم، وهذا التأثير ينعكس على الاقتصاد الوطني، حيث يُعتبر الشباب القوة الدافعة للتنمية الاقتصادية.

• تتأثر العلاقات الاجتماعية بين الشباب، الذين يتعرضون للضغوط النفسية، وبين المجتمع. وينعكس ذلك سلباً على الروابط الاجتماعية. وفي مجتمع الإمارات، حيث تتسم العلاقات الاجتماعية بأهمية كبيرة، يمكن أن يؤدي تدهور الصحة النفسية إلى تعطيل النسيج الاجتماعي.

• يمكن أن تدفع الضغوط النفسية بعض الشباب إلى الانخراط في سلوكيات غير صحية، مثل: الإدمان، أو الانعزال الاجتماعي.

هذه المشكلات لا تؤثر فقط في الفرد، بل في المجتمع كافة، ويتطلب التصدي لها تعاوناً وثيقاً بين المجتمع، والمؤسسات المعنية بالشباب والصحة النفسية للمجتمع.

وقد أدركت القيادة الحكيمة أهمية وتأثير الصحة النفسية للشباب في المستقبل والخطط الاستراتيجية، فدعمت كل البرامج والجهود، التي تهدف إلى جودة حياة المواطن الإماراتي. لكن يبقى دور المجتمع في التعامل مع مفهوم الصحة النفسية، فبعض أفراد المجتمع ما زالوا ينظرون إلى الصحة النفسية للشباب نظرة رهبة وخوف، قد تزيد تفاقم أزماتهم؛ لذلك لا بد من التركيز - في الفترة القادمة - على زيادة التوعية بأهمية الصحة النفسية، وتوفير معلومات ثرية حول كيفية دعم الشباب، الذين يتعرضون للضغوط النفسية من أجل حمايتهم منها، وتعزيز قدرتهم على التعامل معها.

الصحة النفسية للشباب تمثل حجر الزاوية في استقرار المجتمع الإماراتي وتقدمه. ومع تزايد التحديات التي تواجه هذه الفئة، يجب أن تكون الصحة النفسية أولوية في الخطط الوطنية ووعي المجتمع؛ لضمان أن يكون الشباب الإماراتيون قادرين على مواجهة تحديات المستقبل.. بثقة، واستقرار.