اعتدت اللعبة! تسحب كرسياً فأجد نفسي على آخر، تشد الطاولة تقربها منك.. فأنحني أنا بجذعي نحوها! ترتب القطع أولاً، بينما تُحكم قبضتك على النرد.. فأنتظرك صابرةً؛ حتى يطمئن قلبك! كلانا يرمي النرد لكن.. ترميه أنت وعيناك على الفوز.. وأرميه أنا وعيناي عليك!
النرد في قبضتك مراوغ.. يلف ويدور في متاهات تشبه عينيك! لا يستقر بسرعة، وكأنما لا تسري عليه قوانين جاذبية الأرض تماماً، كقلبك عندما تأبى نجومه الاستجابة للدوران في أفلاكي. يستقر، أخيراً، فتضحك أنت.. دوماً تضحك حتى ولو كنت خاسراً.. تزعم أن ضحكتك تُفقد خصمك مذاق انتصاره.. وتنسى، دوماً، أنني لست خصمك، بل درع قلبك، وآخر ما تبقى في حصونه!
النرد في قبضتي دائخ.. يترنح على الطاولة في اهتزاز عجيب، يشبه دوار قلبي.. يستقر بسرعة كأنه يتعجل أي نهاية، ولو كانت مجرد السقوط! لهذا لا تجدني أكترث كثيراً باستقراره.. ربما لأنني أوقن أنه مهما كانت النتيجة ستتعجل أنت جولةً قادمةً!
يوماً ما، سألتك: لماذا أحببتني؟!.. وأجبتني: لأنني أجيد اللعب على هذه الطاولة!.. كيف انتزعت مني مهارتي؟!.. كيف صارت كل حركاتي مكررة محفوظة في عيون سريعة الملل كعيونك؟!.. تعرف؟!.. لو كنت سألتني يوماً: لماذا أحببتك؟! كنت سأجيبك: لأنني لا أجيد اللعب على هذه الطاولة إلا معك! لأنني كنت أركض، كطفلة، خلف طائرة ورقية، ترفعها هذه النظرة المنبهرة في عينيك!.. مَنْ قطع خيوط طائرتي؟!.. من سلّط عليها الريح والرعد والمطر؟!
تعبت! حقاً تعبت! كرسي اللعبة ما عاد مريحاً، خاصة وأنا أجدني مجبورة، كلَّ مرة، أن أحني ظهري.. طاولتك صارت شديدة الضيق، لا تسع ذراعيّ المرهقتين؛ كي تسندهما.. قواعد لعبتك صارت غامضة.. والظلمة في عينيك تعيّر قمري المنتظر، كلَّ مرة، بسؤالها: «كم مرة سنرمي النرد؟!».
هذه المرة الأخيرة! سأرميه، حقاً، لكن ليس على الطاولة، بل خلف ظهري!.. سأعيد كرسيّ المتعِب مكانه، وسأرحل في هدوء.. هذه المرة لن تجرؤ أنت على الضحك؛ حتى كي تسلبني مذاق انتصاري.. كلانا سيبكي خسارة هذا العمر الجميل، الذي تبعثرت أيامه شتاتاً على الطاولة!.. ومن يدري، فربما يمنحنا القدر الكريم فرصة ثانية!.. ربما تدركني يوماً ما وقد وعيتَ الدرس.. فأسألك: لماذا لا تزال تحبني؟!.. وترد، وقد صنعت لي طائرة ورقية جديدة: «لأن لي في عينيك لعبة لا خسارة فيها.. لا أحتاج كي أكسب سوى أن أعانق بكفي كفك.. من ذا يحتاج أن يرمي النرد؟!»..