عندما نقترب من الحضارات؛ نفهم المعنى الحقيقي للفن والثقافة؛ فالفن يعكس هوية المدن، ويجسد روحها، ويكفي أن نعلم أن الفن هو اللغة العالمية للجمال. ونادراً ما تجد مكاناً متحضراً يخلو من المتاحف، أو التماثيل، أو الهندسة المعمارية، التي تعكس هوية المكان، وثقافته.
ونحن نحتفي بالفن والثقافة، في عددنا لشهر أكتوبر، يجب أن نذكر أن دولة الإمارات العربية المتحدة أصبحت منصة ثقافية عالمية، يعيش على أرضها أكثر من 200 جنسية، وهذا التنوع يعكس إيمان الإمارات بأن الفن مرآة تعكس روح الإنسان، ولغة تتجاوز الحدود والقارات. فالفن هو الضوء الذي ينير المكان، ويعزز التواصل والتفاهم مع الآخرين، ويشجع على احترام التنوع الثقافي.
منذ الأزل، كان الفن أداة للتعبير عن الأفكار والمشاعر. ومع مرور الزمن، تطورت الفنون لتشمل أشكالاً عدة، مثل: الرسم، والنحت، والموسيقى، والرقص، والسينما. فالجوهر الحقيقي للفن هو الهوية الإنسانية، والتنوع الذي يغني المجتمعات، ويجعلها أكثر تفهماً وتسامحاً مع الآخرين.
في عصرنا الحالي (عصر العولمة)، الذي جعل العالم «قرية صغيرة»، يلعب الفن دوراً أساسياً في تعزيز التفاهم بين الشعوب. فالفن - بقِيَمه الجمالية والثقافية - يحمل رسالة التواصل والأخوة بين الثقافات المختلفة، ومن خلال تقدير الإبداع الفني في جميع أنحاء العالم، يمكننا أن نحتفي بتنوع التجارب الإنسانية، ونتعلم منها.
ولعل من أبرز الأمثلة على ذلك «المنطقة الثقافية» في جزيرة السعديات بإمارة أبوظبي، التي أصبحت منصة لأهم المتاحف العالمية، ومنها: متحف اللوفر أبوظبي، ومتحف زايد الوطني، وبيت العائلة الإبراهيمية، ومتحف جوجنهايم أبوظبي، ومتحف التاريخ الطبيعي. هذه المتاحف تتميز بتصاميمها العالمية، المستوحاة من التراث والبيئة الإماراتيين؛ فقبة متحف اللوفر أبوظبي مستوحاة من ظلال سعف النخيل في واحات العين، بينما يعكس تصميم متحف جوجنهايم أبوظبي البراجيل التقليدية، ويرتبط تصميم متحف زايد الوطني بفن الصقارة. وإلى جانب المتاحف، تحتضن منارة السعديات العديد من الفعاليات الفنية والثقافية البارزة، مثل: معرض فن أبوظبي، والقمة الثقافية في أبوظبي، بالإضافة إلى فعاليات الموسيقى والغناء.
وتعمل أبوظبي على تعزيز الاستثمار في الثقافة، انسجاماً مع رؤية القيادة الحكيمة لدولة الإمارات، التي تعتبر الثقافة استثماراً مستداماً في الأجيال القادمة. فمن خلال الثقافة، تطلع الأجيال المقبلة على تاريخها وتراثها، ما يعزز ارتباطها بجذورها، ويتيح لها فهماً أعمق لتاريخ الحضارات الإنسانية المختلفة حول العالم، وهذا الفهم يجعل الفرد أكثر وعياً وإدراكاً لدوره كجزء من المجتمع العالمي.
لا شك في أن المؤسسات الثقافية، والمتاحف، والمعارض الفنية، تلعب دوراً محورياً في تعريف الناس بجماليات وتاريخ الثقافات الأخرى، وتعزز احترام التنوع الثقافي، وتكفي نظرة واحدة إلى شوارع الإمارات، التي تبدو لوحةً فنيةً، مع الحدائق المزدهرة، والهندسة المعمارية المبهرة، ومعارض الكتب والمهرجانات، وصالات العرض الفنية؛ لتشعر بالسعادة التي تملأ المكان؛ فالذي يمر من هنا لا يمكنه إلا أن يقول: «ما أجمله من مكان!»، حيث يشكل الإنسان فيه القيمة الجمالية والمعرفية والثقافية الأولى.
في عالم مليء بالتناقضات، يصبح الفن طريقاً نحو السلام والجمال والخير، وعندما نصل إلى هذا الوعي، ندرك المعنى الحقيقي للحوار والتواصل، وأهمية احترام التنوع الثقافي؛ لبناء الجسور بين الشعوب، وتعزيز الاحترام المتبادل بين الثقافات المختلفة؛ فعلى الجميع أن يكونوا مستعدين؛ لاستكشاف الفن وتقديره، بجميع أشكاله؛ لنسهم جميعاً في بناء عالم أكثر تفاهماً وانسجاماً..!