من منا لا يتمنى عيش حياة صحية، مليئة بالنشاط والحيوية؟!.. ومن منا لا يسعى إلى الحفاظ على صحة قلبه، هذا العضو الحيوي الذي يضخ الحياة في كل أعضاء الجسم؟.. فهل كل من يمارس الرياضة، ويتناول طعامًا صحيًا، يكون في مأمن من أمراض القلب؟
الشاب الأربعيني «أمين»، كان يتمتع بصحة جيدة، ويمارس الرياضة بانتظام، وفجأة شعر بألم حاد في صدره؛ ليتبين لاحقاً أنه يعاني تضيقاً في شريان القلب، اقتضى خضوعه لعملية قسطرة، ووضع دعامة معدنية؛ لفتح الشريان، ومنع انسداده. حالة «أمين» أثارت تساؤلات عدة حول كيفية إصابة شخص في سنه، يتبع نمط حياة صحياً، بنوبة قلبية. وللحصول على جواب شافٍ، لمعرفة كيفية حماية أنفسنا من الإصابة بأي مشكلات قلبية، توجهنا إلى البروفيسور الدكتور أنطوان أبشي، استشاري القلب بمركز «هارلي ستريت» الطبي في أبوظبي، الذي أوضح لنا بعض المفاهيم الخاطئة عن مرض القلب، وقدم لنا نصائح للحفاظ على صحة قلبنا؛ لتجنب ما لا تحمد عقباه.
يقول الدكتور أبشي، في رده على سؤالنا عن سبب إصابة الكثيرين بأمراض القلب، رغم اتباعهم نمط حياة صحياً، إن بعض الأفراد لا يدركون أن لديهم استعداداً وراثياً للإصابة بأمراض القلب، أو لا يعلمون أن مستوى الكوليسترول مرتفع عندهم، وهما عاملان رئيسيان لزيادة خطر الإصابة بتضيق الشرايين، وبالتالي الذبحة القلبية، مؤكداً أن أمراض القلب لا تقتصر على كبار السن، بل يمكن أن تصيب أي شخص، وفي أي عمر.
الأكثر شيوعاً
فما أكثر أمراض القلب شيوعاً، وما الفرق بينها، من ناحية الأسباب والأعراض؟..
يجيب الدكتور أنطوان: إن النوبة القلبية تشمل: تضيق الشريان التاجي، والذبحة الصدرية، وهما من أكثر أمراض القلب شيوعاً، بالإضافة إلى تضيق الصمامات، أو ارتخائها، ومن أعراضها: ألم في الصدر، وضيق في التنفس، والتعب والدوخة أو الإغماء بشكل مؤقت. كما أن عدم انتظام ضربات القلب، وفشل القلب (عجز عضلة القلب عن ضخ الدم)، يعدان أيضاً من الأمراض الشائعة. ويعزو الدكتور أنطوان أسباب هذه المشكلات إلى عوامل عدة، أبرزها: التدخين، وارتفاع ضغط الدم، وارتفاع الكوليسترول، والسمنة، وعدم الحركة، والسكري، والتاريخ العائلي (العامل الوراثي)، معقباً بأن خطورة الإصابة بأمراض القلب تزداد مع التقدم في العمر، ويكون الرجال أكثر عرضة للإصابة بها في سن مبكرة.
هل يعني ذلك أن النساء محميات من الإصابة بأمراض القلب؟..
يسارع الدكتور أنطوان أبشي إلى تأكيد أن النساء اللاتي ليست لديهن عوامل خطورة، ولم يصلن بعد إلى مرحلة انقطاع الطمث، يتمتعن بحماية نسبية من أمراض القلب بفضل الهرمونات. ولكن بعد دخولهن مرحلة انقطاع الطمث، يصبحن أكثر عرضة لمشاكل القلب بالمعدل نفسه لدى الرجال.
علامات تحذيرية
كيف يعرف الشخص أنه يعاني مشكلة قلبية؟..
يشرح استشاري القلب: هناك علامات تحذيرية شائعة، تشير إلى وجود مشاكل في القلب، منها: ألم في الصدر، يشبه الشعور بضغط أو ثقل، وقد ينتشر إلى الذراع اليسرى، أو الكتف، أو الفك. وغالبًا يظهر هذا الألم عند بذل أي مجهود، ويختفي مع الراحة، ويرافقه تعرق بارد، وصعوبة في التنفس، لاسيما أثناء النشاط البدني. كذلك، يعتبر خفقان القلب السريع، أو غير المنتظم، من الأعراض الشائعة. ويضيف: هذه الأعراض، غالباً، تكون ناتجة عن تصلب الشرايين وتضيقها، ما يعيق تدفق الدم إلى عضلة القلب. كما أن ألم المعدة، الذي يعتقد كثيرون أنه مرتبط بمشاكل هضمية، قد يكون في الواقع ناجماً عن مشكلة قلبية.
ويشير الدكتور أبشي إلى أن الأعراض تختلف من شخص إلى آخر، وحتى بين الرجال والنساء؛ فقد تشعر النساء بألم في الرقبة أو الظهر، بدلاً من الصدر، وقد تتشابه بعض أعراض مشاكل القلب مع أعراض انقطاع الطمث؛ لهذا يجب الانتباه إلى هذه العلامات، وعدم تجاهلها، واللجوء إلى الطبيب فوراً؛ لإجراء الفحوص اللازمة، وتشخيص الحالة بدقة.
سبل الحماية
كيف نحمي قلوبنا من المرض؟..
يقول الدكتور أنطوان: يجب اتباع نظام غذاء صحي ومتوازن، وممارسة الرياضة بانتظام، وهذا يعني تناول الأطعمة الغنية بالألياف والخضروات والفواكه، والحد من الأطعمة الدهنية والسكريات، وزيادة استهلاك البروتينات القليلة الدسم، مثل: اللحوم البيضاء والأسماك، التي تعد الخيار الأفضل، والابتعاد عن تناول اللحوم الحمراء. كما يجب الابتعاد عن التدخين، بما في ذلك السجائر الإلكترونية (الفايب)؛ لأنها تضر الرئتين والقلب أكثر من السجائر التقليدية.
ويشدد الدكتور أبشي على وجوب ممارسة التمارين الرياضية؛ للحفاظ على صحة القلب، لاسيما المشي السريع لمدة 30 دقيقة يوميًا، أو ركوب الدراجات الهوائية، أو الجري، أو السباحة، أو أي رياضة تزيد دقات القلب، بهدف خفض الكوليسترول الضار، وزيادة النافع.
كاستشاري في صحة القلب.. ما النصيحة الأساسية التي توجهها دائماً إلى الناس؟..
الوقاية من أمراض القلب أفضل بكثير من علاجها، يوضح الدكتور أنطوان أبشي، وينصح الجميع بضرورة اتباع نمط حياة صحي، وممارسة الرياضة بانتظام، والحفاظ على وزن صحي، والسيطرة على عوامل الخطر، مثل: ارتفاع ضغط الدم، والسكري، وإجراء فحوص دورية؛ لأن كل ذلك يقلل، بشكل كبير، خطر الإصابة بأمراض القلب.
تشخيص.. وعلاج
ما إجراءات التشخيص، والعلاجات المتبعة في حالات أمراض القلب بوقتنا الحالي؟..
يجيب الدكتور أبشي: إن طرق تشخيص وعلاج أمراض القلب تطورت، بشكل كبير، في السنوات الأخيرة، ما يوفر للمرضى خيارات علاجية أكثر فاعلية وأقل تدخلاً، مثلاً يلعب التصوير المقطعي، وفحص الكالسيوم التاجي، دوراً حيوياً في تشخيص أمراض القلب. كما يمكن اليوم، وبفضل التقدم التكنولوجي، تقدير مخاطر الإصابة بأمراض القلب بشكل أكثر دقة، باستخدام برامج رقمية وحاسوبية مخصصة. أما العلاجات، فيشرح أبشي أنها لم تتغير كثيراً؛ فلا تزال عملية وضع الدعامات في الشرايين المتضيقة قائمة، بالإضافة إلى الأدوية المتنوعة، مثل: أدوية تخفيض الكوليسترول، وضغط الدم، ومنع تخثر الدم، لكنها أصبحت أكثر فاعلية وأقل تسبباً في آثار جانبية. وفي الحالات الشديدة، قد تكون الجراحة ضرورية، والتطور التكنولوجي أتاح إجراء جراحة القلب في يوم واحد، ما يقلل فترة النقاهة.
5 أسئلة.. وأجوبة:
1 . هل يمكن أن يصاب الأطفال والمراهقون بالنوبات القلبية؟
- رغم ارتباط مصطلح «النوبة القلبية» بالبالغين، إلا أن الأطفال والمراهقين قد يعانون مشاكل قلبية أخرى، مثل: عدم انتظام ضربات القلب (كهرباء القلب)، والذبحة الصدرية، وتضيق الشرايين. هذه الحالات قد تكون ناتجة عن عيوب خلقية في القلب، أو التهاب عضلة القلب، أو مشاكل في كهرباء القلب، أو عوامل وراثية. وتشمل الأعراض: ألمًا في الصدر، وضيقًا في التنفس، ودقات قلب غير طبيعية، ودوخة، وإغماء، وتعباً عاماً. ويرتبط الموت المفاجئ لدى الأطفال والمراهقين، غالبًا، بمشاكل كهرباء القلب.
2 . هل تؤثر الحالة النفسية في صحة القلب؟
- العلاقة بين الصحة النفسية، وصحة القلب، وثيقة ومتبادلة، فهي حقيقة علمية مثبتة، ومتلازمة «القلب المكسور» مثال حي على ذلك، وتحدث عادة بعد صدمة عاطفية شديدة، مثل وفاة أحد الأحباء، وتسبب ضعفاً مؤقتاً في عضلة القلب. كما أن التوتر المزمن يعتبر أحد العوامل الرئيسية، التي تزيد خطر الإصابة بأمراض القلب؛ فعندما يشعر الشخص بالتوتر، يفرز الجسم هرمونات، مثل: «الأدرينالين»، و«الكورتيزول»، التي تزيد ضربات القلب، وضغط الدم، وتضيق الشرايين، وهذا الضغط المستمر على القلب والشرايين يزيد فرص الإصابة بالأمراض القلبية.
3 . هل المكملات الغذائية تضر بالقلب؟
- بعض الأدوية والمكملات الغذائية قد تسبب آثارًا جانبية تضر بالقلب؛ عند تناولها بجرعات عالية، أو لفترة طويلة. على سبيل المثال، أظهرت بعض الدراسات أن تناول جرعات عالية من فيتامين (E) يزيد خطر الإصابة بفشل القلب، وعدم انتظام ضرباته، كما أن تناول المنشطات لزيادة كتلة العضلات يسبب تضخم عضلة القلب، ويضعفها.
4 . متى يجب أن نهتم بصحة القلب، وبإجراء الفحوص اللازمة؟
- كلما كان ذلك مبكرًا، كلما كان أفضل، ويوصي الأطباء بإجراء فحوص روتينية للسكري والكوليسترول، بدءًا من مرحلة العشرينيات، خاصة إذا كان لدى الشخص تاريخ عائلي من أمراض القلب. وتساعد هذه الفحوص على اكتشاف أي مشاكل مبكرًا، وتحديد عوامل الخطر، وتطوير خطة شخصية؛ للحفاظ على صحة القلب. ومع تقدم العمر، يصبح من المهم جدًا إجراء فحوص طبية دورية، لاسيما بعد سن الأربعين، لاكتشاف أي تغيرات في صحة القلب، واتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ عليه.
5 . ما الذي يجب فعله عند ظهور أعراض النوبة القلبية؟
- عند ظهور العلامات التحذيرية لنوبة القلب، مثل: ألم الصدر، وضيق التنفس، والدوار، وخفقان القلب، وكان المصاب بمفرده، أو يقود سيارة، فعليه التوقف فوراً، وأن يتصل مباشرة بالطوارئ، ويزودهم بمكانه؛ ليحضروا لإسعافه؛ فمن المهم جداً أن يتلقى المصاب الإسعاف والعلاج خلال أقل من نصف ساعة من تعرضه للنوبة القلبية؛ لتفادي حدوث مضاعفات أخطر، قد تؤدي إلى خضوعه لعملية قلب مفتوح، أو فقدانه الحياة.