تبذل دولة الإمارات جهوداً جبارة، على صعيد مدّ جسور التواصل الثقافي والحضاري والإنساني بين الشعوب والحضارات، معتمدة على أقوى هذه الجسور، وهو الترجمة، لما لها من دور في إثراء الحوار الحضاري بين الشرق والغرب.
ويقوم الأرشيف والمكتبة الوطنية بدور كبير في ترسيخ أثر هذه الجهود، لما لها من بعد حضاري وإنساني بين الشعوب والحضارات، وخلصت الندوة التي أقامتها مؤسسة الأرشيف والمكتبة الوطنية في قاعة محمد بن زايد، بمقرها في أبوظبي، بعنوان: «دور الترجمة في تعزيز القيم الإنسانية والحضارية.. رؤية معاصرة»، إلى تأكيد أن الترجمة في العالم العربي ليست ظاهرة حديثة، ولكنها متجذرة بعمق في الثقافة والتاريخ، إذ سبق للجاحظ أن تحدث عن أساسيات الترجمة، وسمات المترجم البارع، مشيراً إلى أهمية إلمام المترجم باللغتين المنقول منها والمنقول إليها، ولها أهميتها الكبرى في التاريخ العربي الإسلامي.
وفي موقعها الرسمي على شبكة الإنترنت، تبين مؤسسة الأرشيف والمكتبة الوطنية دور الترجمة في تعزيز القيم الإنسانية، ودعم الحوار الحضاري، منذ بدايات حركة الترجمة في العصر العباسي، وإسهاماتها في تأصيل منظومة القيم الإنسانية، وتعزيز ثقافة حوار الحضارات بين الغرب والشرق.
ويضطلع الأرشيف الوطني بدور بارز في هذا المضمار، من خلال تنظيمه مؤتمر الترجمة السنوي، الذي يتداعى إلى حضوره مئات المترجمين والباحثين في الثقافات العربية والإسلامية والأجنبية، ومن خلال الإصدارات والبحوث المتخصصة التي يترجمها ويثري به مجتمعات المعرفة، وهو ما يأتي في إطار رسالة الأرشيف والمكتبة الوطنية في هذه المرحلة.
وتشكل حركة الترجمة رافداً من روافد الفكر الإنساني العابر للثقافات والحدود، ورسالة مثاقفة وحوار وبناء جسور بين الحضارات والثقافات، فالترجمة في العصر الحالي لم تعد مجرد مسألة أسلوبية ولغوية، وإنما صارت مسألة حضارية وثقافية، لا يمكن من دونها الانفتاح على الآخر.
وبفضل الترجمة، تمكن شعراء الحداثة العرب من الاطلاع على التراث الأدبي الأوروبي، الذي انعكس على أشعار بدر شاكر السياب، وعبد الوهاب البياتي، وصلاح عبد الصبور، ومحمد الماغوط، وأدونيس، ومحمد مصطفى بدوي وغيرهم، فعلى سبيل المثال شكلت ملحمة «الأرض الخراب» للشاعر تي إس إليوت رافداً إبداعياً للإلهام.
وتقود دولة الإمارات، في هذه المرحلة، أكبر حركة ترجمة معرفية، تبتغي بها النهوض بالعمل الثقافي، وتعزيز الانفتاح على ثقافات الشعوب، ما يسفر عن تأصيل منظومة القيم الإنسانية، وتعزيز ثقافة حوار الحضارات.
وتحمل الدولة على عاتقها مهمة إثراء المكتبة العربية بأفضل ما قدّمه الفكر العالمي من أعمال، عبر ترجمتها إلى «لغة الضاد»، إضافة إلى إبراز الوجه الحضاري للأمة، عبر ترجمة أبرز الإبداعات العربية إلى لغات العالم.