«إلهام» أم وربة منزل، تبلغ 55 عاماً، ومع تقدمها في العمر، ومواجهتها بعض الصدمات النفسية المفاجئة في حياتها، أصبحت تعاني تعباً وإرهاقاً دائمين، وإن لم تقم بأي مجهود. هذه المشكلة أصبحت تؤثر سلباً في صحتها، وحياتها اليومية، وبالتالي تنعكس على عائلتها، وعلاقاتها مع المحيطين بها. نناقش، هنا، حالتها، ونستعرض الأسباب المحتملة لمتلازمة التعب المزمن من زاوية نفسية، وطرق العلاج المتاحة، وأيضاً العوامل النفسية، التي يمكن أن تؤدي إلى التعب المزمن...
من منظور نفسي، متلازمة التعب المزمن حالة صحية معقدة، تتصف بالإرهاق الشديد، الذي لا يمكن تفسيره بأي مرض عضوي آخر، وغالبًا تتفاقم الأعراض بعد بذل مجهود بدني أو ذهني، ولا تتحسن مع الراحة.
وبحسب نسمة لقمان، الأخصائية النفسية السريرية في مستشفى «هيلث بوينت»، فإن هذا التعب ليس إرهاقاً عادياً، بل هو حالة تتطلب فهماً معمقاً للعوامل النفسية المرافقة.
التأثير النفسي.. الاكتئاب والقلق رفيقان دائمان
أوضحت نسمة أنه، عند تحديد التعب المزمن من الناحية النفسية، يبدأ تقييم الأعراض النفسية، التي يعانيها الفرد، ويشمل ذلك الانتباه إلى مشاعر الاكتئاب، والقلق، والتوتر المستمر. وقد تظهر هذه الأعراض على شكل عدم القدرة على الاستمتاع بالأنشطة المعتادة، أو مشاعر الحزن العميق، أو القلق الدائم الذي يبدو غير متناسب مع الظروف الحالية. عندها، نبدأ دراسة التاريخ الشخصي والعائلي للفرد، حيث يمكن أن تسهم العوامل البيئية، أو الاجتماعية، أو الوراثية في التعب المزمن. ونعمل على التحقق من العوامل، التي قد تؤثر في الحالة النفسية، مثل تاريخ الأسرة مع الاضطرابات النفسية، وهي أمور تساعد في فهم أعمق للحالة، فهذه الأعراض النفسية قد تكون دليلاً على وجود تعب مزمن، يستدعي تدخلاً علاجياً.
النوم والراحة.. ليسا الحل دائمًا
على عكس التعب العادي، الذي يتحسن عادة بالراحة، يشير التعب المزمن إلى حالة لا تختفي حتى بعد النوم الجيد. وقد يعاني المصاب من الأرق أو النوم المفرط، ومع ذلك يظل الإرهاق حاضراً، ما يؤثر سلباً في الصحة النفسية. وأضافت نسمة أنه يتعين، أيضاً، تقييم جودة وكمية النوم، الذي يحصل عليه الفرد. والتحقق من وجود الأرق أو النوم المفرط، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى شعور دائم بالتعب، ويؤثر سلباً في الصحة النفسية. ومن المهم معرفة ما إذا كان الفرد يشعر بالراحة بعد النوم، أم يعاني مشاكل في النوم. وإذا أظهرت التقييمات علامات واضحة على اضطرابات نفسية، مثل: الاكتئاب أو القلق، فمن الضروري اللجوء إلى العلاج النفسي، أو العلاج الدوائي. ويمكن أن يساعد تقديم استراتيجيات للتعامل مع الإجهاد، وتحسين نمط الحياة بشكل عام، في معالجة التعب المزمن بشكل فعال.
الفرق بين التعب المزمن.. والعادي
قد يبدو التفريق بين التعب العادي والتعب المزمن مربكًا، لكن هناك مؤشرات عدة، يمكن أن تساعد في التفريق بينهما:
1. المدة الزمنية:
• التعب العادي: هو شعور بالإرهاق، يأتي بعد يوم طويل من العمل، أو نشاط بدني مكثف، وغالباً يكون مؤقتاً. ويختفي هذا التعب، عادة، بعد فترة قصيرة من الراحة أو النوم.
• التعب المزمن: هو شعور بالإرهاق، يستمر لأشهر أو لسنوات، ولا يخف بشكل ملحوظ حتى مع الراحة أو النوم. ويكون تعباً طويل الأمد، وغير مرتبط بحدث محدد.
2. التحسن مع الراحة:
• التعب العادي: يتحسن مع الراحة والنوم الجيدين، حيث يشعر الشخص، عادة، بتحسن ملحوظ بعد فترة قصيرة.
• التعب المزمن: لا يتحسن بشكل ملحوظ مع الراحة، وقد يشعر الشخص بالتعب، حتى بعد الحصول على قسط كافٍ من النوم أو الراحة.
3. الأعراض المصاحبة:
• التعب العادي: قد يكون مصحوباً بإرهاق جسدي وعقلي، لكنه غالباً يكون محدوداً بالأعراض البدنية.
• التعب المزمن: يمكن أن يكون مصحوباً بأعراض نفسية، مثل: الاكتئاب والقلق، وصعوبة التركيز، ومشاكل في النوم، وقد يكون له تأثير كبير في القدرة على أداء الأنشطة اليومية.
4. التأثير في الحياة اليومية:
• التعب العادي: قد يؤثر بشكل مؤقت في النشاطات اليومية، لكنه لا يعيق - بشكل كبير - القدرة على أداء المهام اليومية.
• التعب المزمن: يؤثر بشكل كبير في الحياة اليومية، ويحدُّ من القدرة على القيام بالأنشطة المعتادة، وقد يسبب تعطيلاً كبيراً في العمل، والعلاقات الاجتماعية.
وتشير نسمة إلى أنه في حالة التعب المزمن، يكون من الضروري استشارة أخصائي طبي أو نفسي؛ لتحديد السبب الدقيق، وتقديم العلاج المناسب، بينما التعب العادي غالبًا يُعالج بالراحة والعناية الذاتية.
الأسباب النفسية والبيئية.. عندما تتحد الضغوط
توضح نسمة أن هناك أسباباً نفسية عدة، قد تسهم في ظهور التعب المزمن، منها: القلق المستمر والاكتئاب، بالإضافة إلى الضغوط الاجتماعية والبيئية. كما يمكن لبيئات العمل المجهدة، أو العلاقات الاجتماعية المضطربة، أن تزيد الإرهاق، وتدفع الشخص إلى دوامة من التعب المستمر، ومن بين هذه العوامل:
1. القلق والتوتر المستمران: يمكن أن يؤديا إلى زيادة إفراز هرمونات الإجهاد مثل «الكورتيزول»، ما يساهم في الشعور بالتعب والإرهاق.
2. الاكتئاب: يمكن أن يتسبب في شعور دائم بالإرهاق، حيث يترافق مع فقدان الطاقة والحافز والاهتمام بالأنشطة اليومية.
3. الضغوط النفسية: الضغوط الناتجة عن مشكلات العمل، أو العلاقات، أو الحياة الشخصية، يمكن أن تزيد مستوى التعب المزمن. كما أن الضغط المستمر، دون القدرة على التعامل معه بشكل فعال، يمكن أن يستنزف الطاقة البدنية والنفسية.
4. التفكير السلبي والضغط الذاتي: وجود نمط تفكير سلبي، أو مطالبة الذات بتحقيق معايير عالية بشكل مفرط، يمكن أن يؤديا إلى الإرهاق العقلي والجسدي، ما يساهم في الشعور بالتعب المزمن.
5. الصدمات النفسية: التجارب الصادمة، أو الأحداث المؤلمة، قد تؤدي إلى تعب نفسي مزمن. والصدمات النفسية يمكن أن تسبب استجابة مستمرة للإجهاد والإرهاق.
6. عدم التوازن بين العمل والحياة: عدم القدرة على إيجاد توازن بين العمل والحياة الشخصية يمكن أن يزيد مستويات التعب، فيشعر الشخص بالضغط المستمر، وعدم القدرة على الاسترخاء.
ويتطلب علاج التعب المزمن، المرتبط بعوامل نفسية، غالباً معالجة القضايا النفسية من خلال العلاج النفسي، وتحسين استراتيجيات التعامل مع التوتر، وتطوير نمط حياة أكثر توازناً.
عوامل بيئية.. واجتماعية
العوامل البيئية والاجتماعية يمكن أن تلعب دوراً كبيراً في ظهور أعراض التعب المزمن بطرق عدة، وفقاً لنسمة، وهي:
1. بيئة العمل: بيئة العمل غير الصحية أو المجهدة، مثل: العمل لفترات طويلة، أو وجود ضغوط عالية، أو وجود تفاعل سلبي مع الزملاء، يمكن أن تؤدي إلى التعب المزمن، كما أن ضغوط العمل المستمرة، وعدم وجود توازن بين العمل والحياة الشخصية، قد تزيد مستوى الإرهاق.
2. العوامل الاجتماعية: العلاقات الاجتماعية المضطربة، مثل: الصراعات الأسرية، أو الانعزال الاجتماعي، يمكن أن تسهم في الشعور بالتعب. والتوتر المستمر في العلاقات يمكن أن يؤدي إلى إرهاق نفسي وجسدي.
3. ظروف المعيشة: الظروف المعيشية غير المريحة أو الضاغطة، مثل العيش في بيئة ذات مستويات مرتفعة من التلوث أو الضوضاء، يمكن أن تؤثر سلباً في الصحة البدنية والنفسية، وتساهم في ظهور التعب المزمن.
4. الدعم الاجتماعي: نقص الدعم الاجتماعي، ووجود شبكة دعم ضعيفة، يمكن أن يزيدا الشعور بالإرهاق. فالدعم الاجتماعي من الأصدقاء، والعائلة، يمكن أن يكون مهماً في تقليل مستويات التوتر، والمساعدة في التكيف مع الضغوط.
5. الأزمات المالية: المشاكل المالية، والقلق المستمر بشأن المال، يمكن أن يكون لهما تأثير كبير في الصحة النفسية، ما يساهم في التعب المزمن. وقد تسبب الأزمات المالية ضغوطاً إضافية تؤثر في نوعية الحياة.
6. التغيرات الحياتية الكبرى: التغيرات الكبيرة مثل: الانتقال إلى منزل جديد، أو فقدان وظيفة، أو فقدان عزيز، يمكن أن تكون مصدراً للضغوط النفسية، وقد تؤدي إلى إرهاق مزمن.
عوامل وراثية
تشير الأبحاث إلى أن العوامل الوراثية قد تلعب دورًا في تعرض بعض الأشخاص لمتلازمة التعب المزمن. وقد يكون التكوين الجيني عاملاً مساهماً في كيفية تعامل الجسم مع الضغوط والإجهاد. وأشارت نسمة إلى أن العوامل الوراثية يمكن أن تلعب دوراً في الإصابة بالتعب المزمن، من خلال تأثيرها في الاستعداد للأمراض المزمنة، والاضطرابات النفسية، واستجابة الجسم للإجهاد، ووظائف الجهاز المناعي. وقد يزيد التكوين الجيني احتمالية تجربة التعب المزمن، عبر التأثير في كيفية تعامل الجسم مع الضغوط والأمراض.
استراتيجيات علاجية
تشمل الطرق العلاجية لمتلازمة التعب المزمن، من الناحية النفسية، استراتيجيات عدة، من بينها العلاج المعرفي السلوكي، الذي يساعد في تعديل أنماط التفكير السلبية، وتقنيات الاسترخاء، مثل: التأمل والتنفس العميق، وإدارة الوقت بشكل فعال؛ لضمان التوازن بين العمل والحياة الشخصية، وأكدت نسمة أنه لعلاج التعب المزمن، يمكن اعتماد استراتيجيات عدة، منها:
1. العلاج المعرفي السلوكي: يمكن أن يساعد هذا العلاج في تعديل الأنماط الفكرية السلبية، وتعلم استراتيجيات التعامل مع الإجهاد، ما يساهم في تقليل التعب والإرهاق.
2. تقنيات الاسترخاء: ممارسة تقنيات، مثل: التأمل، والتنفس العميق، واليوغا، يمكن أن تساعد في تقليل مستويات التوتر، وتعزز الشعور بالراحة.
3. إدارة الوقت: تنظيم الوقت، وتحديد أولويات المهام، يمكن أن يقللا الشعور بالإرهاق، الناتج عن عبء العمل الزائد.
4. التوازن بين العمل والحياة: التأكد من وجود توازن بين الأنشطة المهنية والشخصية، يسمح للفرد بالحصول على وقت كافٍ، للراحة والاسترخاء.
5. الدعم الاجتماعي: التحدث إلى الأصدقاء أو الأهل، وطلب الدعم منهم، يمكن أن يخففا العبء النفسي، ويساعدا في تحسين الحالة المزاجية.
6. تغييرات نمط الحياة: تحسين عادات النوم، واتباع نظام غذائي متوازن، وممارسة النشاط البدني بانتظام، يمكن أن تساهم في زيادة مستويات الطاقة، وتقليل التعب.
واختتمت نسمة بأن متلازمة التعب المزمن من أكثر الحالات تحديًا في الطب النفسي، وتحتاج إلى وعي متزايد بأسبابها النفسية، والبيئية؛ للوصول إلى علاج شامل، يضمن تحسين جودة الحياة للمصابين بها. مؤكدةً أن تطبيق هذه الاستراتيجيات يمكن أن يكون فعالاً في إدارة التعب المزمن، وتعزيز الراحة العامة.