في نسخته لهذا العام، اختار مقيمو معرض «فن الحين»، الذي يفتح أبوابه للزوار في سبتمبر الجاري، الفنانة لمياء قرقاش؛ لتكون ضمن الفنانين الخمسة المختارين للمشاركة فيه. لمياء قرقاش فنانة جعلت المساحات الفارغة ممتلئة في عيون الناظرين إلى أعمالها الفنية، واعتنقت حبها لبيئتها وارتباطها بها وبمدينتها وبيتها والذكريات، مساراً تعزف على أوتاره إيقاعاتها الإبداعية، بكل ما تحمله من شغف، والتزام بالإلهام، الذي تراه دافعاً ليس لها فقط، بل للجميع، للانطلاق في الحياة، والوصول إلى السعادة التي يسعون إليها.. التقتها «زهرة الخليج»؛ لتعرف أكثر عن تجربتها، في هذا الحوار:
ما عملك المشارك في معرض «فن الحين»، ومن أين أتت فكرته؟
لا أستطيع أن أفصح عن الكثير حول طبيعة المشروع أو نتيجته النهائية، لكن ما يمكنني قوله هو أنه يتمحور حول هويتي العربية الإماراتية، ورحلتي في قبول الذات والحب. استلهمت فكرة العمل من عنصر بسيط في الطبيعة، وأهدف إلى إنشاء عمل فني تفاعلي وممتع، يجذب الأنظار، ويثير الفضول؛ فالعمل مختلف تمامًا عن أعمالي السابقة، وأنا متحمسة جدًا للكشف عنه.
«الفنان ابن بيئته»
هل تعتقدين أن مثل هذه المسابقات مهمة للفنان؛ لتعزيز حضوره، وتنمية إبداعه؟
بالتأكيد، فالمسابقات والفعاليات تلعب دورًا كبيرًا في ترويج الفنانين، فهي تمنحهم منصة للتعبير على نطاق دولي. نحن بحاجة إلى إيصال أصواتنا، فنحن ننتمي إلى بلد ومنطقة وأمة تحتضن المواهب والإبداعات الهائلة. الفن ليس مجرد شيء جميل يعلق على الجدران، بل هو ما يأسر العقل، ويعبر عن مواضيع وأفكار لا يمكن التعبير عنها بالكلمات.
«الفنان ابن بيئته».. كيف تحقق لمياء هذه المقولة في أعمالها الفنية؟
لا شك في أن منزلي، وتراثي، وهويتي، لعبت دورًا كبيرًا في فني ودراساتي على مدار العشرين عامًا الماضية. كانت عائلتي، في البداية، مترددة بشأن دخولي هذا المجال، فقد كان يُنظر إلى الفن على أنه مجرد هواية، ورغم ذلك قدمت إليَّ الدعم. يتطلب الفن الكثير من الالتزام، والعمل الجاد بجانب الإبداع، وأيضًا يحتاج إلى الصبر، والقدرة على التواصل مع الناس. عندما ذهبت إلى لندن لدراسة الماجستير، كنت مصرة على العمل بأفكار غير مألوفة، تتماشى مع تربيتي وثقافتي، لكن ما حدث هو أنني اكتشفت افتتاني ببيتي ومدينتي وذكرياتي؛ فمنزلي وثقافتي مصدر إلهامي الأساسي؛ ولدينا الكثير لنقوله عن ذلك، ويجب أن نفخر بآرائنا وأفكارنا. كانت والدتي تقول، دائمًا، إنه لا يمكنك الوثوق بشخص غير مخلص لجذوره، فكيف نكون أنفسنا، حقًا؛ إذا رفضنا الاعتراف بماضينا، وثقافتنا، وهما أساس بنيتنا الإنسانية؟!
في العديد من أعمالك، يبرز الأثر الإنساني أكثر من الإنسان نفسه، فهل هذا هو الاتجاه الأقرب إليك، ولماذا؟
تلعب فكرة الوجود البشري، والقصص الإنسانية، والذكريات التي يتركها الناس وراءهم، دورًا كبيرًا في عملي؛ فأنا رومانسية، وأعاني صعوبة في تقبل التغيير، والتخلي عن المألوف. وأجد، أيضاً، صعوبة في ترك الماضي خلفي، وتقبل التغيير الذي لا مفرَّ منه، وهذا هو الدافع الرئيسي في عملي، وهو تصوير المساحات، التي ربما تنعدم من الوجود، لإبقائها حية من خلال صوري. بدأت رحلتي الفوتوغرافية منذ عشرين عامًا، وقد وثقت الكثير من الأماكن والمؤسسات والنوادي والغرف الخالية من الوجود البشري؛ لأنني أريد أن يتعمق المشاهد في التفاصيل الجميلة بالصور التي تجعلنا بشرًا، وتلهم خيالنا. نحن نعيش في زمن سريع، وفقد الناس القدرة على الانتظار؛ فكل شيء فوري للغاية، وهذا هو السبب الذي دفعني للعمل تقليديًا مع كاميرات الأفلام القديمة؛ لأنني أحب فكرة أخذ وقتي، والانتظار؛ تحسبًا لتطوير الصور. هناك جمال في التفكير والتعمق في التفاصيل الصغيرة من حولنا؛ لذلك من المهم أن نقدر كل ثانية، وكل ذكرى، وكل لحظة، ونقدر محيطنا وأحباءنا وصداقاتنا وتجاربنا المشتركة؛ لأنها لن تتكرر أبداً.
وسيلة للتغيير
هل يمكن أن يكون الفن وسيلة للتغيير.. تغيير فكرة، أو حياة؟
نعم، الفن وسيلة فعالة للتغيير؛ فالفن ليس مجرد شيء جميل يستحق الإعجاب، بل يحمل في طياته تجارب شخصية وعواطف ورؤى متنوعة؛ فهو وسيلة للتعبير لا يمكن لأي أمة الاستغناء عنها. وكما نرى في أعمال «بنكسي»، الذي يستخدم «فن الشارع»؛ للتعبير عن مواقفه الثقافية والسياسية، يمكن للفن أن يكون وسيلة لترابط الناس، وتبادل الأفكار والمعرفة، فهو ضروري لتنمية أي مجتمع.
إلى أين تود لمياء أن تصل بأعمالها الفنية؟
لا أعرف ما يخبئه المستقبل، لكن لديَّ يقين بأنني سأنمو وسأتطور في كل جوانب حياتي، ليس فقط على المستوى الإبداعي. الآن، أنا أشعر بالرضا عن صناعة فني، والتعبير عنه؛ فما كان في السابق فكرة على الورق أصبح الآن شيئًا يمكنك مشاركته مع بقية العالم. لم يكن الفن رحلة سهلة بالنسبة لي، وأعتقد أن هذه حال معظم الفنانين، فالأمر يتطلب الكثير من الجهد، والاهتمام، والعمل الجاد، ومحاولة إثبات نفسك، والوفاء لرؤيتك من دون تدخل خارجي. أقول، دائمًا، للأشخاص أو المبدعين الشباب إن مصدر الفن العظيم، هو أن تكون صادقًا بشأن هويتك وتجاربك. في بعض الأحيان، يكون للتجارب البسيطة في الحياة التأثير الأكبر، وليس عليك أن تثير إعجاب أي شخص، بل عليك أن تقدر تاريخك الخاص، وتحتضنه، وتحتفل به. أحب التعلم، وأعتبر المعرفة نورًا وقوة؛ لذلك أستمر في تثقيف نفسي؛ فالفن والعلم يسيران معاً، ومن خلال العلم، نضيف قيمة أكبر إلى فننا ورؤيتنا، وأتمنى أن أكون ملهمة دائماً، فالإلهام غذاء للروح، ودافع إلى النمو الشخصي، والإبداعي.