تولي دولة الإمارات العربية المتحدة العمل الخيري أهمية كبرى؛ باعتباره قيمة إنسانية قائمة على العطاء والبذل بكل أشكالهما، وتعد من الدول القليلة التي ترجمت معنى الثروة إلى فكر ومشاركة إنسانية تشمل العالم بأسره، دون منة أو استثمار في مصلحة ضيقة، كما كانت من أولى الدول التي سارعت إلى مأسسة العمل الخيري، وتحويله إلى ثقافة وسلوك مجتمعي راسخ في الشخصية الإماراتية.
تشارك الإمارات، اليوم الخميس 5 سبتمبر، دول العالم الاحتفاء بمناسبة «اليوم الدولي للعمل الخيري»، من خلال مساهماتها الكبيرة والكثيرة والمتعددة والمتنوعة، ومد يد الخير إلى مختلف أرجاء العالم.
وكانت منظمة الأمم المتحدة قد أقرت «اليوم الدولي للعمل الخيري»، بهدف توعية وتحفيز الناس والمنظمات غير الحكومية، وأصحاب المصلحة المشتركة في جميع أنحاء العالم؛ لمساعدة الآخرين من خلال التطوع والأنشطة الخيرية.
واختارت المنظمة العالمية تاريخ الخامس من سبتمبر، إحياءً لذكرى وفاة «الأم تيريزا» (5 سبتمبر 1997)، التي حصلت على جائزة نوبل للسلام عام 1979؛ تكريماً للعمل الخيري، الذي اضطلعت به للتغلب على الفقر، الذي يشكل تهديداً للسلام العالمي.
وكرست آغنيس غونكزا بوجاكسيو، الراهبة والمبشرة المعروفة بـ«الأم تريزا»، حياتها لمساعدة المهمشين والفقراء والمعدمين. وتلقت «الأم تيريزا» عدداً من الجوائز والأوسمة، بما في ذلك: جائزة نوبل للسلام، اعترافاً بجهودها الإنسانية، وامتناناً لأعمالها الخيرية التي انتشرت في جميع أرجاء العالم.
الخير متأصل في الإمارات منذ تأسيسها:
منذ اليوم الأول، الذي تأسست فيه دولة الإمارات، بدأ العمل الخيري فيها على يد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، فهو الذي جعله أولوية قصوى في مسيرة الدولة، ولبنة أساسيةً في بنائها، ورسخه نهجاً وسنةً لمواطني الدولة وسكانها. وكان لقب «زايد الخير»، الذي أطلقه العرب جميعاً على المغفور له الشيخ زايد، دليلاً واضحاً على عِظَم الأعمال التي قام بها، وأسس لها.
وسعى الشيخ زايد، طيب الله ثراه، لتعظيم قيم العطاء، مؤسساً رؤية واضحة تُعنى بدعم المحتاجين والفئات الأقل حظاً، ودمجهم في المجتمع؛ ليكونوا أصحاب عطاء وإنتاج.
وأطلقت دولة الإمارات، في عهد الشيخ زايد، طيب الله ثراه، عدداً كبيراً من المبادرات الإنسانية، كما امتد عملها الخيري لدعم القضايا الإنسانية في كل الدول والقارات، خاصةً في مواطن الفقر بأفريقيا وآسيا، إضافة لإنشاء المؤسسات الخيرية، كمؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية، ومد يدها بالخير لمختلف الدول العربية بتقديم المساعدات الخاصة بتعزيز البنى التحتية لها.
الخير دائم في الدولة:
منذ تولي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، رئاسة الدولة تسارعت خطى العمل الخيري بشكل كبير وملحوظ، محلياً ودولياً، فأطلقت الإمارات مبادرة الإمارات الإنسانية، وأوجدت صندوق معالجة الديون المتعثرة.
وكان «صندوق محمد بن زايد لإعادة إعمار المناطق المتضررة» ذا دور محوري في مساعدة الدول، التي تتعرض لكوارث طبيعية، أو لحقها ضرر جراء نزاعات وقعت فيها.
ولا يمكن إغفال دور مبادرة الإمارات للمساعدات الغذائية في مكافحة الجوع وسوء التغذية بالدول الأقل حظاً، ومبادرات التعليم، كمبادرة الشيخ محمد بن زايد للتعليم العالمي، التي كان لها دور كبير في إيجاد روافد تعليمية بالدول النامية.
وفي المحصلة، لا يمكن حصر أعمال الخير، فالدولة قائمة عليها، وهي أحد مبادئها الراسخة؛ فالمبدأ التاسع من المبادئ الخمسين لدولة الإمارات، ينص على أن المساعدات الإنسانية الخارجية لدولة الإمارات جزء لا يتجزأ من مسيرتها والتزاماتها الأخلاقية تجاه الشعوب الأقل حظاً، ولا ترتبط بدين أو عرق أو لون أو ثقافة. كما أن الاختلاف السياسي مع أي دولة، لا يبرر عدم إغاثتها في الكوارث والطوارئ والأزمات.
حكومة للخير:
لم تتوقف مسيرة الخير في الإمارات يوماً واحداً، وكان هذا الشأن من أولى أولويات الحكومة الإماراتية، برئاسة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، فإنجازات حكومة الإمارات في هذا الجانب ماثلة للعيان، ويشهد لها القاصي والداني، فجعلت الدولة قبلة حقيقية للخير والعطاء. وما مبادرة «صناع الأمل»، التي عرفها العالم أجمع، وأعمال ومشاريع مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للأعمال الخيرية والإنسانية إلا نماذج رائدة في هذا الجانب.
واستمر عمل الحكومة في الخير، من خلال: مؤسسة دبي للعطاء، وصندوق الفرج، ومبادرة الإمارات للمساعدات الخارجية، ومبادرة المدينة الإنسانية الدولية، ومبادرة مسرعات دبي المستقبل، وغيرها الكثير. وقد جسدت الإمارات نفسها عاصمة عالميةً حقيقية للخير، والتطوع، والمبادرات المميزة دائماً.
مجلس للإنسانية والخير:
ضمن سعيها الدائم إلى مأسسة العمل الإنساني والخيري، أسست الإمارات، مؤخراً، مجلساً خاصاً يُعنى بهذا الأمر، فبات مجلس الشؤون الإنسانية الدولية في ديوان الرئاسة الإماراتية، الذي يشرف عليه - بشكل مباشر - سمو الشيخ ذياب بن محمد بن زايد آل نهيان، رئيس مكتب الشؤون التنموية وأسر الشهداء في ديوان الرئاسة، معنياً بمتابعة والإشراف على جميع المشاريع الإنسانية العالمية، ومبادرات الخير التي تنفذها الدولة.
ويعمل المجلس، بين فترة وأخرى، على مراجعة الخطط والسياسات الخاصة بعمل الخير، إضافة إلى وضع رؤى وتصورات واضحة لمستقبل الخير والإنسانية وعملها ومبادراتها الدائمة.
ولا يتوقف عمل المجلس على حدود الدولة، فهو مسؤول عن عدة أعمال خارجية، منها على سبيل المثال لا الحصر: التنسيق مع لجان التعاون الاستراتيجي مع أفريقيا، واللجنة الإنسانية الإماراتية، واللجنة العليا للمساعدات الخارجية.
وتسعى الإمارات، بتأسيس هذا المجلس، إلى زيادة دورها الريادي على مستوى العالم، فهي قائد العمل الخيري، وتتبوأ مركزاً مهماً بين كل دول العالم في المساعدات الإنسانية والأعمال الخيرية، ويعد وجود هذا المجلس حجر أساس لزيادة الفئات المستفيدة من برامج الدولة، الخيرية والإنسانية.
أكبر جهة مانحة للمساعدات:
تحتل الإمارات، منذ سنوات عدة، المركز الأول عالمياً، كأكبر جهة مانحة للمساعدات الخارجية في العالم، قياساً إلى دخلها القومي، بنسبة بلغت 1.31% من إجمالي دخلها، وهي ضعف النسبة العالمية، التي حددتها الأمم المتحدة بـ0.7%، بحسب موقع البوابة الرسمية للحكومة الإماراتية.
وتسعى دولة الإمارات، من خلال سياستها في المساعدات الخارجية، إلى الحد من الفقر، ودعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتعزيز الاستقرار والسلام، والمساهمة في الجهود العالمية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، حيث بلغت المساعدات الخارجية، منذ قيام دولة الإمارات عام 1971، حتى منتصف 2024، 360 مليار درهم (98 مليار دولار).
وتمثل المؤسسات والهيئات الخيرية الأهلية في الإمارات رافداً أساسياً، وعاملاً مهماً، في إنجاح مسيرة العمل الإنساني الرسمي أو الحكومي، وقد تجلى ذلك بوضوح تام خلال حملات التبرع والمبادرات الإنسانية، التي وجهت بها القيادة الرشيدة؛ لإغاثة المنكوبين والمعوزين في العديد من دول العالم.
وفي الإمارات، هناك نحو 45 جهة مانحة ومؤسسة إنسانية وجمعية خيرية، تمد يد العون للمحتاجين في مختلف دول العالم، وتولي أهمية قصوى لتوفير الحماية للعاملين في هذا المجال، وتوفير مواد الإغاثة الطارئة للمتضررين من الأزمات والطوارئ الإنسانية في العالم.
وتعد «هيئة الهلال الأحمر الإماراتي» إحدى أبرز المؤسسات الخيرية الإنسانية في الدولة، فقد راكمت خلال 41 عاماً من تاريخ تأسيسها، رصيداً زاخراً بالإنسانية والعطاء والتضامن مع شعوب العالم المعوزة، التي تعرضت لنكبات وأزمات متعددة، وضعتها تحت وطأة الظروف الصعبة، واستدعت الوقوف إلى جانبها، وعدم التخلي عنها، حفظاً لكرامتها، وتأسيساً لحياة يسودها السلام والاستقرار والمستقبل المستدام.
وبلغ عدد المستفيدين من البرامج والمساعدات المحلية، التي نفذتها الهيئة داخل الدولة، خلال عام 2019، أكثر من مليون شخص، مواطنين ومقيمين، بتكلفة 140 مليوناً و674 ألفاً و326 درهماً، فبلغت المساعدات الاجتماعية 115 مليوناً و281 ألف درهم، فيما بلغت المشاريع الموسمية 30 مليوناً و495 ألفاً و533 درهماً.
وعلى المستوى الخارجي، بلغت قيمة العمليات الإغاثية، التي نفذتها الهيئة خارج الدولة، خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي، 50 مليوناً و231 ألفاً و778 درهماً، استفاد منها مليونان و142 ألفاً و878 شخصاً.
ولا دليل أكبر على الدور الخيري الكبير الذي تقوم به دولة الإمارات، في المحن العالمية، من دورها وقت جائحة «كورونا»، حيث ضربت قيادة الدولة الرشيدة أروع الأمثلة في التضامن مع دول العالم كافة، والوقوف إلى جانبها في مواجهة تداعيات «الجائحة»، وتقديم كل أوجه الدعم والإغاثة، حيث وصلت طائرات المساعدات الإماراتية إلى كل الأنحاء، كما شكل تعاونها الوثيق مع منظمة الصحة العالمية عاملاً حاسماً في تسريع عملية الاستجابة الدولية لمكافحة انتشار الفيروس.
وعكست أزمة «كوفيد-19» قيم الخير والتعاضد الراسخة في المجتمع الإماراتي، الذي بادر بجميع مكوناته، مواطنين ومقيمين، بالمشاركة في مختلف المبادرات المجتمعية الداعمة للمتضررين من الأزمة محلياً ودولياً أيضاً.
والأمر نفسه يتكرر حالياً، فالمساعدات الإماراتية تتواصل منذ أشهر، لإغاثة المتضررين من الحروب، من خلال مد يد العون إليهم طبياً وإنسانياً وغذائياً، فلم تتوقف طائرات المساعدات الإماراتية، المحملة بكافة أساليب العيش الرحيم، عن قطع المسافات، يومياً، إلى المناطق الواقعة في الكوارث الأزمات.