انطلق اسم رامي قاضي في عالم الأزياء الراقية منذ أكثر من عشر سنوات، حينما اختار الطالب المتفوق في مادة الرياضيات، والأول على مستوى لبنان، الاستغناء عن التخصص في الرياضيات؛ ليدرس الأزياء بمعهد «إسمود» في بيروت، ويحلق لاحقاً في التصميم والرسم، وابتكار معادلاته الخاصة في الهوت كوتور، وسرعان ما أبهر العالم بفستان يضيء في الظلام عام 2013، وشكل آنذاك نقطة تحول في مسيرته الاحترافية. أنشأ قاضي أتيلييه خاصاً به في باحة بيته، وبدأ نجمه يلمع إثر انجذاب نجمات الفن اللبنانيات إلى تصاميمه، وكانت ثنائيته مع المغنية ميريام فارس ممتدة وفريدة. وحالياً، للمصمم اللبناني حضور بارز في عالمنا العربي، وعواصم الموضة العالمية، وعلى رأسها باريس.. نحاوره؛ لنواكب رحلة نجاح تجاوزت عقداً من الزمن:
كيف تطورت تجربتك، منذ عشر سنوات؟
يتطور الإنسان كلَّ ساعة وكلَّ يوم، ففي كل يوم يطرأ شيء جديد، قد يكون مقابلة صحافية أو تلفزيونية، أو التعرف على شخص جديد، أو طريقة رسم، أو طريقة تفكير، أو تتعرف إلى موظفين جدد، وتستمع للناس. يتطور المرء بتجربته وعلاقته مع الجميع، صغيراً أو كبيراً، وهناك دائماً تقنيات وآراء جديدة، خاصةً مع تدفق المعلومات على «السوشيال ميديا»، سواء كانت على شكل أخبار، أو «Reels»، أو «feeds»، أو منشورات؛ لهذا تتطور كلَّ يوم.
أثر الذكاء الاصطناعي
إلى أي مدى يساهم الذكاء الاصطناعي في تطور أعمالك؟
لقد استخدمنا الـ(AI)، ولكن حتى الآن لا يستطيع الذكاء الاصطناعي مساعدة أعمال الهوت كوتور؛ التي تتطلب حِرَفية ودقة عاليتين، ولكنه بالتأكيد يساعد في بعض الجوانب، مثل برمجيات الفاشن حيث يمكن تعديل الألوان والتصاميم بسرعة. يمكنك أن تقولي: «هذا الفستان ضيق، وسّعه، واجعله منفوشاً»، فقبل ذلك كان يستغرق هذا معنا قرابة الساعة عبر «الفوتوشوب»، ويضيع وقتنا. لكن، الآن، أصبح الأمر بكبسة زر. لكن الذكاء الاصطناعي لم يصل بُعْد إلى مرحلة ابتكار الأفكار الجديدة، التي نعمل عليها كمصممين. وأعمالنا تتطور مع فريق عمل شاب، ونحن من أوائل الذين استخدموا الميتافيرس والـNFT في مجال الأزياء.
لا نعرف إلى أين ستأخذنا التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.. ما رأيك في ذلك؟
نعم، ويجب أن نُبقي أعيننا مفتوحة لمواكبة كل جديد، وأن نحافظ - في الوقت نفسه - على حرفيتنا وأصالتنا، ولا نحيد عن الخط المتميز لهما. وأيضاً الحفاظ على الستايل الخاص؛ لكي لا يشبهه أسلوب آخر، أو يكون «روبوتيك ستايل». عندما ترين صورة مطورة بالذكاء الاصطناعي؛ تشعرين بذلك تلقائياً، لكننا لم نصل بعد إلى درجة أن يبهرنا الذكاء الاصطناعي بشكل خيالي.
بما أنك تطرقت إلى الستايل، إذا طُلب منك بعد أكثر من عشر سنوات من انطلاقتك أن تعيد تعريفنا بأسلوبك، فماذا ستقول؟
عُرفت واشتهرت باستخدامي التكنولوجيا في التطريز، فآخذ تقنيات التطريز القديمة، وطريقة الحياكة والعقد والتطريز والشك وأطورها. على سبيل المثال، لو كان مثلاً شيء ما يصنع بخيط حريري، أقوم بتنفيذه بالحديد، أو بالبلاستيك، أو بمواد تُضاء وتُطفأ حسب الضوء، وأستخدم في ذلك خامات مستدامة. وفي ما يتعلق بصبغ القماش، فإننا نذهب إلى الصبغات المستدامة غير الكيميائية، فهي لا تضر بالبيئة، ولا تتسرب إلى الأرض. وكذلك، أجرب - قدر المستطاع - استخدام التكنولوجيا في تصاميمي، والحفاظ على أصالة قطع الكوتور. في دار رامي قاضي، كل ما ترينه مشغول يدوياً، ونبتكره، فلا نأتي بأشياء جاهزة، رسماً أو تطريزاً أو مخرمات أو أقمشة، أي كل شيء تقريباً.
هل تقومون بصبغ الأقمشة في ورشكم؟
معظم الأقمشة نقوم بصبغها، وبعضها نطلبها من الخارج، وليس فقط الأقمشة، بل الخرز والتطريز والباييت والخيطان التي نعمل بها، فمعظم هذه الخامات ننشئها من الصفر.
شغف البدايات
لنعد بالذاكرة إلى رامي الصغير.. كيف بدأت علاقتك مع الإبرة والخيط؟
منذ طفولتي، كنت شديد التعلق بالأشغال اليدوية والفنون، وأحب الألوان والرسم والبريكولاج. كما كنت أحب الفاشن وخياطة ملابس دمى ابنة عمي، وأذهب إلى السوق لاختيار الأحذية لوالدتي. لم أجئ من بيئة فنية، ولكن أهلي دعموني كثيرًا. ورغم تفوقي في الرياضيات، إلا أنني قررت متابعة شغفي بتصميم الأزياء، بدلاً من أن أصبح أستاذًا للرياضيات.
ارتبط اسمك بميريام فارس، وبعد ذلك بعديدات غيرها.. هل تجد التعامل مع الفنانات صعباً؟
أول فنانة ارتبط اسمي باسمها، وكنا «ديو» جميلاً، و«كومبو» حلواً، هي ميريام فارس. في عملك تلتقين أشخاصاً يسهل التعامل معهم، وآخرين عكس ذلك؛ فحتى بـ«السوبرماركت»، مثلاً، هناك عاملة لطيفة، وأخرى أقل لطفاً، الأمر نفسه ينطبق على الفنانات؛ فهن نساء عاديات قبل أن يكن شهيرات، ولكل منهن شخصيتها وطباعها.
من الفنانات الأكثر سلاسة في التعامل؟
أتعامل مع نجمات عديدات، وأكن لهن كل ود واحترام، وأذكر منهن النجمة نجوى كرم، التي أحب التعامل معها بدرجة كبيرة، لأخلاقها العالية، وتقديرها للفن، ولفني بالذات، وللجهد المبذول؛ لذلك أحب جلستها حتى لو لم يجمعنا أي تعاون، فهي متواضعة رغم كونها أيقونة.
بماذا تخبرنا عن كواليس فستان زفافها الأبيض؟
قالت لي نجوى حينها: «رامي أريد أن أتزوج، وأرغب في فستان أبيض بسيط.. عرسي صغير جدًا». وقد صممنا هذا الفستان بسرعة قياسية ليتناسب مع تلك الرؤية.
منذ 10 سنوات، صممت فستاناً يضيء في الظلام، شكل علامة فارقة في رحلتك.. هل لا يزال هذا الفستان رقم واحد في مسيرتك الإبداعية؟
رغم أنني صممت العديد من الفساتين بعد ذلك، إلا أن هذا الفستان يبقى الرقم واحد، ولا يمكن نسيانه. فقد كان نقطة تحول عندما عرضته لأول مرة في باريس، ومنذ ذلك الحين ارتبط اسمي بالتكنولوجيا. كانت الصحافة الأجنبية تبحث عن شيء جديد، ووجدت ذلك في الفستان الذي أضاء في الظلام الـ«Glow in the dark»، ثم أدخلنا الضوء في الفساتين، فصممنا الكثير من فساتين الأعراس المضاءة، والفساتين التي يتغير لونها على الأشعة فوق البنفسجية، وطورنا فكرة تغيّر اللون إذا وُضع الفستان في الماء، وإذا وضع أيضاً على حرارة الجسم. من هنا، بدأت مسيرتي في دمج الفاشن بالتكنولوجيا.
إلى أي مدى ساعدك تفوقك في مادة الرياضيات؟
تفوقي في الرياضيات ساعدني كثيرًا، فلست فقط مصمم أزياء، بل أيضًا صانع «باترونات». عندما كنت أخيط في الجامعة، كان قص دائرة وتحويلها إلى مثلث ولفّها لكي أحصل على شكل مودرن، بالنسبة لي، أمراً سهلاً للغاية؛ لأن صناعة الرسوم معادلة هندسية، وحتى اليوم هناك أمور كثيرة أتذكرها.
حضور بارز
أدرج اسمك ضمن قائمة «فوربس ميدل إيست»، وسابقاً تم اختيارك سفيراً للنوايا الحسنة للأزياء المستدامة في غرب آسيا، ضمن برنامج الأمم المتحدة للبيئة.. ماذا أضاف ذلك إلى مسيرتك؟
تلك الإنجازات أضافت الكثير إلى مسيرتي، وجاءت ثمار بصمة استطعت تركها. شعرت بأنه يجب علينا، كمصممين يزورون الجامعات، ونتعرف إلى مصممين جدد، أن ننشر وعياً لديهم حول كيفية ابتكار قطع مستدامة، ولا يعني ذلك أن تكون أزياء قبيحة أو ممزقة أو مصنوعة من البلاستيك. وقد صممنا فستاناً مصنوعاً بالكامل من البلاستيك، حتى الخيط المستخدم فيه كان بلاستيكياً، وتشعرين بأنه قماش، على غرار البوليستر، فهو بلاستيك مستدام مذاب، صنعت منه خيطان، ومصنوع منه «باييت»، وفي حال تم حرقه لا يؤذي التربة. كما اشتغلنا، كذلك، على خامات كثيرة كهذه، ولهذا أصبحت سفيراً للنوايا الحسنة للأزياء المستدامة، وهي رسالة وصلت. كما نظمنا نشاطات بالجامعات المختلفة، منها مسابقة للمصممين الشباب في العالم العربي.
ما النصيحة، التي تقدمها إلى المصممين المبتدئين؟
يجب على المصممين المبتدئين أن يتقدموا خطوةً خطوةً، وأن يظلوا متواضعين؛ فالحياة في مجال الأزياء ليست كما يراها البعض بريقاً وشهرة، فهي تتطلب الكثير من العمل والاجتهاد. كما يجب عليهم تعلم كل شيء، ومواكبة الواقع بكل تفاصيله. على سبيل المثال، أنا بدأت من الصفر، وحولت بيتي إلى أتيلييه، دون أن يعرف أحد أن هذا بيتي. وأثناء مرحلة التدريب، كنت أصنع القهوة، وألتقط الدبابيس وأنظفها. وخلال أدائي تلك المهام؛ كنت أنظر وأراقب ما يجري حولي، وكيف يعمل المصممون والخياطون، لذلك أقول: يجب البدء خطوةً خطوةً.
كيف يحافظ المصمم على شغفه بالتصميم، وإبداعه المتقد؟
أتبع أسلوب حياة صحياً، فأنام 7 ساعات متواصلة، وأتناول طعاماً صحياً، وأمارس التأمل، وأخصص وقتاً للصلاة، ولنفسي؛ لأكون على ما يرام، وأكون هادئاً ومتقبلاً للمشكلات؛ لكي أستطيع حلها بطريقة مناسبة لي، ولفريق عملي.
لديك حضور بارز عربياً.. كيف تعمل على هذا الجانب؟
أحرص على توسيع دائرتي في العالم العربي من خلال العلاقات الشخصية القوية مع عميلاتي. هذا التواصل يعزز علاقاتي معهن، ومع عائلاتهن، ويجعلني أشعر بأنني أحقق شيئًا حقيقيًا.
مؤخراً.. أطلقتَ مجموعة «ميدان» من وحي الخيول، هل يمكن أن تخبرنا بالمزيد عن الإلهام وتفاصيل التصاميم؟
«ميدان» ساحة عامة تُجرى فيها سباقات الخيول، وقد استوحيت هذه المجموعة من الأحصنة؛ لأن الخيل - في نظري - من أجمل المخلوقات، فهو قوي، وجميل، ونبيل، ومعتز بنفسه. تابعت عن كثب الخيول والإكسسوارات والألوان، ومنها قدمت هذه المجموعة، التي استخدمت فيها تفصيلات مميزة، مثل: طبعات حدوة الحصان، والشرابات الفخمة المطرزة بالحبال والضفائر والعقد والمكرامية، كما أن الأقمشة المبتكرة أعادت إحياء روح الفروسية.
على ماذا تعمل حاليًا، وما الخبر الذي تخص به «زهرة الخليج»؟
نعمل على تشكيلة ومشاريع جديدة؛ لنستطيع توسيع الاسم التجاري لرامي قاضي. ونسعى إلى إطلاق خط للأزياء الجاهزة قريباً.
لاستكمال مجموعة «ميدان»؛ صممت المجوهرات والإكسسوارات.. هل يعني هذا ولادة خط جديد أيضاً؟
من الممكن ذلك؛ فأنا أحب الأقراط؛ لأنها أقرب شيء إلى وجه السيدة وتزينه. ولن يكون خطاً من المجوهرات الراقية بل سيكون إكسسوارات ملبّسة بالذهب في متناول اليد، وقطعاً «فانكي» كبيرة، تعكس روح «البراند».
عملياً.. ما حكمتك المفضلة؟
عدم التشبث برأي معين، إذ إنني آخذ برأي الكل، وأستمع إلى جميع الآراء، وفي النهاية آخذ قراري؛ فأنا أحب الاستماع إلى آراء فريق العمل، ويهمني أن يحبوا جميعاً المنتجات التي نقدمها؛ لكي يبرع كلٌّ منهم في مجاله، وبالتالي نجاحها وانتشارها.
هل يلعب الحظ دوراً في نجاح المصمم؟
لا أرى الحظ في أي شيء، فالمسألة جهد وطموح، فمن ليس لديه طموح لن يأتيه الحظ.. على المرء أن يكون جاهزاً، فمثلاً إذا أردتِ صنع أزياء رجالية، فستأتيك الفرصة وستستغلينها، أما إذا كنت لا تريدين صنع أزياء رجالية وأتتك فرصة؛ فسترفضينها. أنا لا أومن بالحظ، بل أنتِ ما تريدينه، وكيف ستفعلينه؟.. هي رؤية، وتخطيط، وطموح.