في يومها العالمي.. الترجمة بين التحدي والإبداع

لتعرف الآخر ولتفهمه أكثر، لا بدّ أن تعرف لغته، ولكي تتواصل معه بشكل فعال كذلك، لا بد من هذا. ومن هنا جاءت الترجمة، لتمنحنا تقارباً إنسانياً، يمد الجسور بيننا وبين المختلفين عنّا، لساناً وثقافةً. ولهذا الدور المهم، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، عام 2017، قراراً بجعل 30 سبتمبر من كل عام يوماً ع

لتعرف الآخر ولتفهمه أكثر، لا بدّ أن تعرف لغته، ولكي تتواصل معه بشكل فعال كذلك، لا بد من هذا. ومن هنا جاءت الترجمة، لتمنحنا تقارباً إنسانياً، يمد الجسور بيننا وبين المختلفين عنّا، لساناً وثقافةً. ولهذا الدور المهم، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، عام 2017، قراراً بجعل 30 سبتمبر من كل عام يوماً عالمياً للترجمة، لما للمترجمين من دور مهم في ربط الدول والشعوب ببعضها بعضاً، وتعزيز أواصر السلام والتنمية والتفاهم بينها.. واحتفاءً بهذا اليوم، واستقراءً لواقع الترجمة في الإمارات، التقينا ثلاث مترجمات؛ لاستعراض آرائهن حول واقع الترجمة في الإمارات، ضمن هذا العدد من «زهرة الخليج»:

بين الفضول والتحدي.. والصدفة

طرحنا على المترجمات الثلاث سؤالاً عن سبب اختيار الترجمة مجالاً مهنياً، فتنوعت إجاباتهن بين الفضول والصدفة والتحدي.. تقول خولة بن فهد، طالبة الماجستير في تخصص الترجمة: «الترجمة ليست مجرد عملية نقل نصوص من لغة إلى أخرى، بل هي تحدٍّ ممتع يشبه حل الألغاز. ففي كل نص أدبي، هناك لغزٌ علينا كمترجمين فك شفرته؛ لنصل إلى الفكرة التي يريد الكاتب إيصالها إلى القارئ، ثم نعمل على نقلها بلغةٍ جديدة، تحافظ على روح النص الأصلي، وتناسب القارئ المستهدف». 

أما أمل إسماعيل، الشاعرة والمترجمة، فتختصر دافعها بكلمة واحدة هي «الفضول»، وتقول: «يمكن اختصار السبب في كلمة واحدة هي (الفضول)، فضولي تجاه كل ما هو مكتوب بلغاتٍ أخرى، ورغبتي في سبر أغوار عوالم الأدباء، ونقل أفكارنا وثقافتنا وحضارتنا إليهم، والعكس». 

لكن المترجمة إيمان حسن الحمادي تحدثنا عن السبب، قائلة: «بدأت بوادر الترجمة خلال العمل، حيث أراجع بعض الأعمال المتعلقة بالترجمة، وأعيد صياغتها، وأبحث عن كلمات أخرى لنصوص العمل، ثم جاء الأمر مصادفةً عندما قررت، بداية عام 2022، استكمال دراسة الماجستير في جامعة الوصل، تخصص الدراسات الأدبية والنقدية، فحينها درسنا مساقاً للأدب الإنجليزي، وطلب منا الأستاذ أن نترجم نصاً من سطرين لـ(باختين). ورغم أن النص كان في شكله بسيطاً، إلا أن ترجمته استغرقت 30 دقيقة، نقلب فيها النص يميناً ويساراً، ونقدم ونؤخر لضبط الترجمة؛ لذلك أحببت الترجمة، ووجدت حينها أنها مهارة، وفن إعادة إنشاء نص جديد».

إقبال متزايد على الكتب المترجمة

وعن الإقبال على الكتب المترجمة إلى «العربية»، في سوق النشر والتوزيع المحلي، أكدت أمل إسماعيل، وإيمان الحمادي، تزايد الطلب على هذه الكتب، ولأسباب مختلفة، فترى أمل إسماعيل أن «الكتب المترجمة تلقى رواجًا، خاصة إذا كانت ترجمتها ممتازة؛ لأن هناك ثقةً عمياء، يضعها القارئ في الأعمال المترجمة، ظنًّا منه أن الأعمال العربية الأصيلة مملّةٌ أو وعظيّة، وأحيانًا يبدو اسم المؤلف الأجنبي على غلاف الكتاب أكثر إثارة من الاسم العربي، فيقتنيه القارئ». 

وتوافقها إيمان حسن الحمادي الرأي، قائلة: «هناك إقبال من الجمهور على الكثير من الكتب المترجمة، الموجودة في السوق الإماراتي؛ لحاجة المجتمع إلى الاطلاع على مختلف الآداب، والتوغل في ثقافتها، إلى جانب توسيع دائرة الترجمة والمترجمين في المنطقة».

  • أمل إسماعيل

تحديات بين الأجيال

تواجه المترجمات تحديات عدة، أبرزها تراجع الاهتمام بالقراءة بـ«العربية»، كما تذكر أمل إسماعيل، فتقول: «أهمّ تحدٍّ هو اختفاء قرّاء العربية جيلًا بعد جيل، وبما أنني أترجم عن اللغة الإنجليزية، فإنني لن أجد من سأترجم له بعد عشر سنوات على أبعد تقدير؛ فالأجيال الحالية والتالية تفضّل القراءة بالإنجليزية». 

أما إيمان، فترى، بعد تجربتها الأخيرة بترجمة كتاب «أجمل النساء الناجيات من الحب»، أن «الاعتراف بالمترجم من قِبَل دور النشر، يعتبر من أهم التحديات التي يواجهها المترجمون الجدد، فمعظم دور النشر تتجه نحو المترجمين، الذين لديهم سجل طويل في الترجمة. وأرى أن إعطاء فرصة للمترجم الجديد، ثم تنقيح العمل على يد مترجم معروف، سيساهمان بشكل كبير في استدامة الترجمة، وظهور مترجمين جدد في ساحة النشر». 

والوفرة قد تكون تحدياً للمترجم، كما ترى خولة بن فهد، التي تؤكد: «هناك الكثير مما يمكن ترجمته، خاصة من العربية إلى الإنجليزية. وأرى في مجال الأدب، خاصة أدب الطفل، فرصة ذهبية للمترجمين لنشر الثقافة العربية لدى القارئ الإنجليزي، خاصة أن الإنجليزية لغة عالمية».

الذكاء الاصطناعي والترجمة.. شريك أم منافس؟

أصبح الذكاء الاصطناعي موضوعاً لا يمكن تجاهله في مجال الترجمة الجيدة، التي بإمكانها أن تتناول البعد الإنساني في الأعمال بدقة كدقة الإنسان نفسه. ولأنه أصبح الموضوع الذي يجب أن ينظر إليه من كل الزوايا، سألنا المترجمات الثلاث عن مدى استفادتهن من الذكاء الاصطناعي في الترجمة.. 

بالنسبة لإيمان حسن الحمادي، الاستعانة بتقنيات مثل «تشات جي بي تي» قد تكون مفيدة؛ لتوليد مفاهيم جديدة، أو إيجاد مرادفات للكلمات، وتوضح: «لا بأس من الاستعانة به بشكل بسيط في توليد مفاهيم جديدة للنص أو الكلمة؛ لأنني أرى أن هذه التقنية تماثل المعاجم التي كنا نستعين بها سابقاً؛ لمعرفة مرادف الكلمة التي نبحث عنها، ولكن بشكل تقني أكثر، وأرى ألا يقوم المترجم بالاعتماد الكلي على الذكاء الاصطناعي، لأنه في النهاية لن يستطيع ترجمة النص بالاحترافية، التي يمكن للعقل أن يولدها». 

أما خولة بن فهد، فترى أنه سلاح ذو حدين، حيث «يمكن أن يساهم في تسريع عملية الترجمة، بتوفير ترجمات أولية سريعة، تساعد المُترجم على فهم النص. لكن قد يؤدي الإفراط في استخدام الذكاء الاصطناعي إلى تدهور جودة الترجمة، وفقدان اللمسة الشخصية للمترجم. أعتقد أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة قيمة للمترجم، خاصة في حالة النصوص المعقدة أو المتخصصة؛ فيمكنه أن يساهم في فهم المعنى العام للنص، وتحديد المصطلحات التقنية، لكن يجب على المترجم أن يبقى هو المسؤول عن الجودة النهائية للترجمة». 

وتوافقهما أمل إسماعيل الرأي في كونه مرجعاً لغوياً، قائلة: «استفادتي من الذكاء الاصطناعي تتمثّل في البحث عن مراجع لغوية، أو مصادر ثقافية وعلمية إضافية، تُغني ترجمتي، خاصّة إذا تعلق الأمر بثقافات وعلوم لا أعرف عنها الكثير. وأحيانًا أطلب منه ترجمة نصٍّ؛ فيترجمه بكوارث لغوية، فأرسل إليه ترجمتي مصحّحةً.